إيمان حميدان.. في عزّ الحرب دائماً

09 فبراير 2015
تصوير: توم لاندون
+ الخط -

تكتب إيمان حميدان الحرب مستندة إلى تجربتها الشخصية. تركة الذاكرة هذه، تتجلى في رواياتها كما لو كانت تماساً متوتراً بين المرأة والحرب. الكاتبة، التي صدرت أحدث أعمالها "حيوات أخرى" أخيراً بالإنجليزية (ترجمة ميشيل هارتمان)، تقول: "لا نستطيع الشروع بالكتابة بعيداً عن التجربة، التي هي العصب الأساسي. تجربتي قد تختلف عن تجارب نساء أخريات بقين في منطقة واحدة وشعرن بالانتماء، وإن كان هذا شعوراً وهمياً في أغلب الأحيان".

كان لاقترانها برجل من طائفة أخرى في "عزّ الحرب"، على حد قولها، أثر كبير في إغناء تجربتها الحياتية. أتاح لها رؤية ما يدور في المقلب الآخر عن كثب، لتدرك أن الخلاف السياسي لا علاقة له بحياة الناس وأحلامهم، فهم ضحايا متشابهون، في صورهم وتجاربهم، وعلى وجه الخصوص المرأة.

روائياً، تنتمي الكاتبة اللبنانية إلى جيل ما بعد الحرب. جيل عايش المأساة وشهد عليها. حين نسألها رأيها في أثر سنوات الحرب الأهلية على السرد من خلال ما خلّفته من تركة بصرية وشخصية مؤلمة في ذاكرة الكاتب، تقول: "الحرب، رغم بشاعتها، لعبت دوراً كبيراً في تحرير صيغ السرد وفي التخفّف من ثقل إرث لغوي احتجنا إزاءه إلى قطيعة عنيفة، وتلك القطيعة أحدثتها الحرب ومخلّفاتها كأمر واقع".

لكنها لا تغفل مستويات أخرى من الخسارة الفردية والجماعية. فهذه عزَّزت القيم الوجودية وفتحت آفاقاً لا حدود لها من حيث السرد والكتابة. "ليس الانتماء بل هي القطيعة التي تنتج أدباً بصيغ سرد مغايرة ومختلفة. فالقطيعة لم تكن في الفراغ. بل شكّلت "الشرط الإنساني" لولادة رواية الحرب اللبنانية. وكان لها أثر تمدّد، ليس في اللغة وحسب، بل في بنية الرواية نفسها. أضف إلى ذلك أنها عكست علاقتنا كمثقفين مع السياسة والعائلة والمجتمع".

وبسبب دينامية السرد المتسارعة هذه وتغيّرها، كما تقول صاحبة "توت بري" (2001)، عجز النقد الأدبي المتمسّك بمقاييس كلاسيكية عن اللحاق بهذه التطورات الأدبية.

شخصيات رواياتها، النساء تحديداً، محاطات بالقهر. كما لو أن القهر شرط واقعي لتظهير قيمهنَّ الإنسانية. فميريام مثلاً، في "حيوات أخرى" (دار الراوي)، ورغم كل ما تتعرض له، تحمل وعياً ما بقدَرِها. تعلّق الكاتبة على هذا قائلة: "أريد أن أقول إن القهر موجود بالفعل وبالقوة، ولا أستطيع تجاهله لا كامرأة ولا ككاتبة".

غير أنها تتحاشى الوقوع في الخطاب المسطح حول قمع المرأة. فنساء رواياتها يحاولن القفز فوق شرطهن العام بإيجاد منافذ ضوء فردية وشخصية. لكن يُظهرن أيضاً هشاشتهن التي هي صفة الفرد العصري الذي لا يشعر بالانتماء الى أي مكان. "ميريام في "حيوات أخرى"، شخصية هشة. اختارت مصيراً لها وهو العودة إلى حيث مصدر الألم. كأنما للنظر في عين الوحش".

في الوقت نفسه، فإن الفرد في رواياتها قد يكون امرأة أو رجلاً. في "باء مثل بيت مثل بيروت"، عملت حميدان على تظهير تماثل الهشاشة لدى الجنسين. الأمر ذاته في روايتها الأخيرة، إذ تضيع الحدود "الواهية" بين الرجل والمرأة. "كلاهما يعيش قهراً سياسياً. الاثنان يبحثان عن نافذة. ما عدت أؤمن بحلول الجماعة. الفرد هو محور التغيير وهو العنصر الأساس في وعيه لقدره".

لكن لا يبدو أن الحرب ستنتهي في أعمالها. حميدان اعتقدت أن "حيوات أخرى" ستكون مؤلفها الأخير الذي تشكِّل الحرب مناخه، إلا أنها حين باشرت بكتابة روايتها الجديدة والتي ستصدر قريباً، وجدت أن شخصياتها لا تزال في قلب تلك الحرب.

ما يختلف هنا هو معالجة الواقع. ففي مؤلفها الجديد، عملت على إنتاج مقاربة مختلفة وأكثر شمولية لموضوعة العنف والذاكرة. مقاربة لا تقتصر على التجربة اللبنانية فحسب، بل على السورية والتركية، "لذا، فإن الحرب لم تنتهِ بعد، ولا الحكاية"، تقول.

ترحال حميدان الدائم لا يجعلها بمعزل عن المتغيّرات السياسية الراهنة في الشرق الأوسط. فللكاتب عين خاصة، والأحداث الكبيرة قد تصعّب، بواقعيتها الفجة وكثافتها ودمويتها، المهمة أمام الروائي، إذ تكسر خياله بشكل ما. "الكتابة هي مسؤولية في أي وقت كانت. أما الكاتب العربي، فهو اليوم في موقع هشّ ومنعزل عن القرار، رغم كثافة مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها مساحةً للتعبير".

واقعية إيمان حميدان هذه، تنبّهها إلى أن الكاتب لم يعد لاعباً في عمليتيْ التغيير الاجتماعي والثقافي كما كان الحال في سبعينيات القرن الماضي. تقول حميدان: "استعيض عن المثقف برجل الدين والسياسي المنفصل تماماً عن أولويات الفرد. ما سمي بـ"الربيع العربي" هو نموذج! فجاجة الواقع تتجاوز كل جهد تخييلي ورمزي ممكن. لكن التاريخ شهد فترات دموية واستطاع الأدب البقاء ضمن شروط الواقع والكتابة الأدبية، كذلك الفن. تولستوي، همنغواي ونيرودا وبيكاسو، أمثلة خالدة".

دلالات
المساهمون