إيطاليا: صفعات حكومة شعبوية وفاشية للداخل وللاتحاد الأوروبي

14 مايو 2018
وعد سالفيني بترحيل 600 ألف لاجئ (تيزيانا فابي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد أسابيع من الانتخابات البرلمانية في إيطاليا، في 4 مارس/آذار الماضي، يبدو الاحتمال الأكثر ترجيحاً أن تشهد روما تشكيل حكومة ائتلافية بين حركتين، فاشية وشعبوية، "الرابطة" (الليغا) و"النجوم الخمس". فالأولى حصلت على نحو 17 في المائة من الأصوات، من ضمن 37 في المائة حصل عليها تحالف اليمين، فيما حصد "النجوم الخمس" 32 في المائة. لكن لن يستطيع أي حزب تشكيل حكومة بشكل منفرد، بناءً على القانون الانتخابي الجديد، الذي يشترط حصول الحزب على 40 في المائة. وإذا استطاع زعيما "الرابطة"، ماتيو سالفيني (47 سنة)، و"النجوم الخمس"، لويجي دي مايو (31 سنة)، الوصول إلى اتفاق، بعد مفاوضات أجرياها لأيام، انطلاقاً من اتفاقهما على عدد من القضايا الأساسية، التي تبدأ من معارضة النظام السياسي والحزبي التقليدي القائم ومنطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، ووعود بتخفيض سن التقاعد، ومنح راتب لكل مواطن، وبوقف الهجرة وترحيل 600 ألف مهاجر ولاجئ، فإن إيطاليا وأوروبا ستكونان أمام تجربة جديدة غير مريحة.

والقلق كبير، داخلياً وخارجياً، من حكم روما بحركة مطعمة بتأييد فاشي، كحال "الرابطة"، مع حركة شعبوية احتجاجية على النظام، مثل "النجوم الخمس"، خصوصاً لما سيعنيه ذلك بالنسبة إلى بقية الأحزاب والحركات الشبيهة في القارة. وينطلق مصدر القلق الأوروبي أيضاً من إمعان الشعبويين في استخدام خطابات تحمّل الآخرين مسؤولية أزمات إيطاليا، وسبق أن أنتج ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فبخطاب قومي متشدد ذهب سالفيني إلى شعاره "الاتحاد الأوروبي كارثي"، ورغبته بضرورة "خروج إيطاليا من منطقة اليورو". ولم تختلف "النجوم الخمس" في التقييم حول مسؤولية أوروبا عن أزمات إيطاليا الاقتصادية.

وثمة أيضاً وعود انتخابية مكلفة اقتصادياً، وإن أصرا على تنفيذها فسيكون الصدام الأول مع بروكسل، بسبب الحدود الصارمة لمعايير الاتحاد حول الموازنات الوطنية. فوعد تخفيض الضرائب و"راتب للمواطن"، سيكلفان وحدهما نحو 30 مليار يورو سنوياً، وتخفيض سن التقاعد سيكلف 20 مليار يورو سنوياً، من دون وضوح مصدر تمويل التكلفة الضخمة، ما يثير قلقاً لدى يسار الوسط الإيطالي. والإصرار على "ترحيل 600 ألف لاجئ"، كما وعد سالفيني، والائتلاف اليميني عموماً، وتبني حركة "النجوم الخمس" مقولة إن "إيطاليا لا يمكنها أن تكون مخيم أوروبا للاجئين"، تشكل ضربة كبيرة للاتحاد الأوروبي، وهو يحضر لقمته في يونيو/حزيران المقبل، وعلى جدولها يحضر التعاون الأوروبي في مجال الهجرة والإدارة الاقتصادية الجماعية، وسط أزمات تعصف بالاتحاد ككل. وبالنسبة إلى الأوروبيين، يبدو تشكيل حكومة شعبويين وفاشيين في بلد أوروبي مركزي، يحتل المرتبة الثالثة في منطقة اليورو، مع تقدم لهذا التيار الشعبوي في عدد من دوله، مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا، وتوسع نفوذه في النمسا، وزيادة المتشككين بفكرة وجود الاتحاد الأوروبي، كابوساً لا يمكن تجاهل نتائجه. ففي حال تحقق هذا النجاح الإيطالي الشعبوي "سنكون أمام تجربة مخيفة جدا لأوروبا"، بحسب ما يذهب أستاذ علم الاجتماع في جامعة لويس في روما، روبرتو دي ألمونتي. ويقول ألمونتي إن "الانتخابات أظهرت أن الشعبوية لم تمت، بل تعيش عصرها الأفضل، وهو أمر مخيف للجيران". أما صحيفة "لا ريبوبليكا" فقد كتبت، الجمعة الماضي، على وقع التفاوض لتشكيل حكومة بين الطرفين، إن "إيطاليا تتطور لتصبح مختبرا للشعبويين في أوروبا، وذلك منذر لنا ولجيراننا وحلفائنا".

والصفعة التي يشكلها إنشاء حكومة شعبوية في إيطاليا بدأت تطاول مشروع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وبدرجة ما المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لتوسيع التعاون الأوروبي في قضايا الدفاع والضرائب واللجوء. فوصول حكومة شعبوية تعارض، وتتمرد، ستشكل سابقة، ونقطة جذب لبقية المشككين في أوروبا، ومعارضي الإدارات السياسية التقليدية. والشعور بالخيبة لدى الأوروبيين، مع تراجع يسار الوسط، وفشل مراهنتهم على عودة رئيس الوزراء الأسبق، سيلفيو برلسكوني (81 سنة)، ويمين الوسط لتشكيل نقطة توازن، يتعمق، بعد أن أعلن برلسكوني، الأربعاء الماضي، أنه لن يقف عقبة أمام تحالف "الرابطة" و"النجوم الخمس". موقف جاء إثر اشتراط حركة "النجوم الخمس" أن يتخلى زعيم "الرابطة"، ماتيو سالفيني، عن حليفه برلسكوني باعتباره نموذجاً لـ"الفساد السياسي". تخلٍ دفع بعيداً احتمالية تشكيل حكومة تكنوقراط.



ولا تقف مخاوف الأوروبيين، من تجربة صعود الشعبويين إلى الحكم في روما، عند حدود التصادم حول سياسات الهجرة والاقتصاد، بل تتعداها إلى قضايا جيوسياسية واستراتيجية وأمنية. ووصفت أحد أبرز باحثي السياسات الأوروبية، من مجلس الفكر الأوروبي للعلاقات الخارجية، تيريزا كوراتيللا، للصحافة الإيطالية، ما يجري بأنها "سعادة غامرة لدى المتشككين في أوروبا، وهو ما يعني تحولاً تاريخياً أن يحكم بلداً أوروبياً مركزياً من يرفض بالمطلق فكرة الاتحاد وأسس وجوده". باختصار، يمكن إدراج مصادر القلق الأوروبي من شعبوية حكم روما المفترض ما سيعكسه ذلك على التطورات الداخلية في مختلف دول الاتحاد "خصوصاً أن ساسته يستشعرون ذلك بوضوح"، بوصف كوراتيللا. أولاً، الاندفاع للخروج من اليورو، إذ لن يكون مستبعداً، وبحسب وعود انتخابية، أن تذهب حكومة الائتلاف الشعبوي المتطرف نحو استفتاء شعبي لتغيير قوانين منطقة اليورو. بل إن مؤسس حركة "النجوم الخمس"، الممثل الكوميدي المحتج، بيبي غريللو، كان يبشر بالخروج من الاتحاد. وهذه النقطة ستنسف جهود قمة الاتحاد في يونيو المقبل، لجهة توسيع التعاون الأوروبي حول اليورو، والاقتصاد عموماً. وإذا لم تذهب إيطاليا نحو انتخابات جديدة، بحسب ما يرغب رئيسها، سيرجيو ماتاريلا، الذي تمنى تشكيل حكومة تكنوقراط، فستواجه برلين وباريس مصاعب كثيرة مع روما. ثانياً، قضية اللجوء والهجرة ستكون على سلم أولويات قمة الاتحاد الأوروبي. وتشكيل حكومة شعبوية، بما حملته تياراتها من وعود متشددة، سيعني أيضاً ضربة أخرى لجهود أوروبا في توحيد سياساتها في هذا المجال، خصوصاً نظرة الاتحاد للقضية من منظور استراتيجي وأمني. فالشعبويون في إيطاليا رفعوا شعار "الدفاع عن أمن إيطاليا ووظائف الإيطاليين التي يهددها اللاجئون"، كما ظل يردد ساسة "الرابطة"، أكثر من الدفاع عن أوروبا. ولا يخفي هذا التحالف رغبته بتعديل اتفاقية دبلن للجوء، وهو ما ستسعى روما الشعبوية إوى ضعه على طاولة مجلس أوروبا، بحسب ما ذهب إليه الطرفان، الخميس الماضي، إذ طالبا بقية الأحزاب بدعم مطلبهما أمام الأوروبيين.

ثالثاً، في السياسة الخارجية، يزدهر هذه الأيام شعار "إيطاليا أولاً". وللأوروبيين في بروكسل ما يقلقهم، وسط تخبط العلاقات بين ضفتي الأطلسي من ناحية والمخاوف من تحركات موسكو من ناحية أخرى. ففي الجانب الجيوسياسي يبدو "الرابطة" و"النجوم الخمس" أكثر توجساً وتشككاً بفكرة حلف شمال الأطلسي والتعاون الدفاعي الأوروبي، وأكثر ميلاً لانتقاد سياسات واشنطن، خصوصاً في قضية طلب زيادة الموازنة الدفاعية. ولم يتردد سالفيني في انتقاد ضربات واشنطن وحلفائها في لندن وباريس لمواقع النظام السوري، في إبريل/نيسان الماضي. ومؤخراً انتقد الطرفان انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي مع إيران. وبالنسبة للباحثة تيريزا كوراتيللا، فإن "الرابطة والنجوم الخمس يريان في موسكو شريكاً ضرورياً لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، من دون إغفال أن إيطاليا أحد أهم شركاء إيران التجاريين في أوروبا". ورابعاً، العلاقة مع روسيا واحدة من أهم النقاط المقلقة لأوروبا. إذ ليس خفياً في هذا المجال، قبل وأثناء وبعد الانتخابات، توجهات الشعبويين واليمين المتطرف، خصوصاً لدى سالفيني، التوجه نحو الشرق، أي نحو الكرملين. وترى كوراتيللا أن أوروبا ستكون في مأزق أن يكون في ناديها "شخص معجب جداً بـ(الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين وإلى حد ما بـ(رئيس وزراء المجر فيكتور) أوربان". ويرى الاتحاد الأوروبي في توجه روما "شرقا" تقويضاً وتحدياً لسياساته المشتركة في شأن القضية الأوكرانية، ونظام العقوبات على موسكو، فالطرفان الإيطاليان يضعان العلاقة مع روسيا في موقع تفضيلي على علاقة روما بغرب أوروبا. وإلى أن يحسم من سيكون رئيس وزراء إيطاليا، من "الرابطة" أو "النجوم الخمس"، يبقى الاحتمال أن يختار الطرفان شخصاً ثالثاً لتجنب الدخول في انتخابات مبكرة، بحسب وكالة الأنباء الإيطالية "أنسا".

المساهمون