08 مارس 2022
إيران ونووي ما بعد النووي
شادي علاء الدين
ترسم التطورات الجارية في المنطقة ملامح نهاية النفوذ الإيراني في المنطقة، ويندر ظهور من يشكك في هذه المعادلة التي تستند إلى واقع الحرب الأميركية الاقتصادية المعلنة ضد إيران، وتواتر الغارات الإسرائيلية على مواقعها في سورية، بالتنسيق مع روسيا، تمهيدا لخروجها. كما يرى كثيرون في مظاهر الاحتجاج الجماهيري في الداخل الإيراني على ارتفاع الأسعار علامةً لا تخطئ على بدء تفكك النظام الإيراني، ونهايته الوشيكة، ويرون أن الشروع في تنفيذ القرار الأميركي، حظر بيع النفط الإيراني، سيعجل من ارتفاع وتيرة الأزمة، ويسرّع عملية السقوط المنتظر للمنظومة الإيرانية.
يقول واقع الأمور شيئا مغايرا تماما لهذه النظرة، لأن الاحتجاجات الإيرانية التي أطلق خلالها المتظاهرون شعاراتٍ من قبيل "لا فلسطين ولا لبنان إيران أولا" تظهر أن الإيرانيين لا يتخذون موقفا سياسيا، ولا حتى أخلاقيا، من مشاركة إيران في إهدار الدمّين، السوري والفلسطيني، بل يستخسرون صرف الأموال على هذا الموضوع، وينادون بأحقيتهم في هذه الأموال. يجعل هذا الأمر من الاحتجاجات توكيدا على وطنيةٍ إيرانيةٍ، تحتقر كل شعوب المنطقة.
لا تبدو فكرة الحصار المالي لإيران مجدية، لأن منافذ إيران المالية كثيرة ومتعدّدة، ولا يمكن الإحاطة بها، فالهند ترفض عدم شراء النفط الإيراني، كما يمكنها عبر العراق ولبنان الاستفادة من حصيلة مالية ضخمة متأتية من تبييض الأموال وتهريب المخدرات، وجملة من النشاطات غير المشروعة، والتي تتجاوز حدود المنطقة، فقد تحولت إيران إلى تاجر مخدرات دولي وإلى تهديد كوني، وعملية لجمها بهذه الطرق التي اختبرتها طويلا ونظمت نفسها على التعامل معها لا تجدي نفعا. وهي تدخل بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مرحلةً يمكن أن يطلق عليها تسمية "نووي ما بعد النووي"، تتشكل من القدرة على جر المنطقة بأكملها إلى حروب أهلية لا تنتهي، معتمدةً في ذلك على شعوبها المزروعة في قلب شعوب المنطقة.
لكل الدول أنصار، لكن إيران تمتلك جنودا وحسب، فكل الموالين لها في المنطقة هم شعوب من المقاتلين المستعدين للموت في سبيلها. ويشكل هذا الاستعداد البنية العميقة للحضور الإيراني الذي لا يهم، مع سيطرته أن يكون من يوالي إيران محللا سياسيا، أو نائبا، أو كاتبا، أو شاعرا، لأن القاسم المشترك بين الجميع يتمثل في الطابع العسكري والجهادي للولاء.
من هنا، تجدر قراءة مآلات الأمور في المنطقة بشكل مختلف، فبعد أن بدا فوز التحالف الذي أقامه مقتدى الصدر في الانتخابات البرلمانية العراقية مؤشرا على انحلال الحضور الإيراني في العراق، إذا به يتحالف مع قائد الحشد الشعبي الموالي لإيران، هادي العامري، ما يعني أن هذا الحضور في الداخل العراقي بات يتمتع بثقل شرعي برلماني، ولا يقتصر فقط على الحضور المليشيوي.
وتكرر الأمر نفسه في لبنان، حيث صمم حزب الله الموالي لإيران انتخابات برلمانية على مقاسه، أنتجت أكثريةً برلمانيةً له ولحلفائه، تمكّنه من الانتقال السلس من وضعية التسلط إلى السيطرة المشرعنة، وتحوله من خارجٍ على القوانين إلى منتجٍ لها.
تُمسك ايران بأبرز مفاتيح أزمة اللاجئين السوريين عبر حزب الله، في ظل سعي أوروبي واضح إلى دفع الأموال، وغض النظر عن نشاطات حزب الله، في مقابل توطين اللاجئين، ومنع تدفقهم إلى دول أوروبا. ويتيح هذا النزوع الأوروبي لإيران الحصول على ربح مزدوج، يتمثل في القبول بسيطرة حليفها على لبنان من ناحية، والاستفادة من الثمن المالي الكبير الذي يبدو أن أوروبا مستعدة لدفعه. وتستغل إيران هذا المناخ الأوروبي إلى حدود قصوى، فهي قد شرعت في تحويل لبنان إلى ساحة تبييض أموال للنظامين، السوري والإيراني، عبر مرسوم التجنيس الذي منح رجال أعمال مشبوهين مقرّبين من دوائر النظاميْن الجنسية اللبنانية.
لا يبشر الوضع في اليمن بنهايةٍ قريبةٍ وسعيدة للتحالف السعودي الإماراتي، فإيران لا زالت قادرةً على تزويد الحوثيين بأسلحةٍ نوعيةٍ وبطائراتٍ مسيّرة، ما يعني أنه على الرغم من التقدم العسكري للتحالف، فإن الأمور ليست مرشحةً للحل العسكري، بل تتجه إلى تفاوضٍ لا بد أن يلحظ لإيران دورا مؤثرا وموقعا مهما.
ويشير مشهد المعارك في الجنوب السوري إلى حضور بارز لإيران ومليشياتها في وقتٍ كثر فيه الحديث عن انسحابها الوشيك، كما أنه لم يرشح شيء يفيد بأن القمة المنتظرة بين الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في هيلسنكي في بولندا في 26 يوليو/ تموز الجاري تتضمن اتفاقا ما بشأن خروج إيران من سورية.
إيران ظاهرة عسكرية وإيديولوجية تعتمد على الانتشار المليشيوي العسكري، وعلى البروباغندا المذهبية، ولا يكون كسرها إلا بالقضاء على قدرتها العسكرية، وتسخيف دعايتها الإيديولوجية. لا شيء يوحي برغبةٍ أميركيةٍ جدية في ذلك، بل باتت المسألة الإيرانية جزءا من النزاع الأوروبي الأميركي، والذي يتخذ شكلا مفيدا لإيران في نهاية المطاف، حيث تميل أوروبا إلى صف إيران.
لا يبدو أن أميركا ستذهب بعيدا في مشروع ضرب إيران، وليس أدل على ذلك من التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، في حال تنفيذ القرار الأميركي، بمنعها من بيع نفطها. تستطيع إيران فعل ذلك، وتستطيع التأثير الفعال على تجارة النفط الدولية، وأي رد على هذا الأمر، في حال حصوله، لا يرقى إلى حدود تدخل أميركي عسكري مباشر، لا يبدو أنه في مقدمة الأولويات الأميركية، سيجعل من إيران فائزة بكل المقاييس.
تضع إيران على الطاولة شعوبا من الجنود، ما يعني ببساطة أن مشروع ضربها يجب أن يستند إلى قوةٍ تتفوق على ما لديها عناصر قوة. لا يوجد في الأفق ما يشير إلى وجود أي قوةٍ راغبةٍ في تحمل أعباء مواجهتها بجدّية، وبشكلٍ مباشر.
تستعد إيران للدخول في مرحلة نفوذ أوسع، حيث لن تكون مواجهتها ممكنة، خصوصا بعد القضاء على كل التيارات المعتدلة، إلا عبر التيارات الما بعد داعشية. وهكذا، فإن المعادلة المطروحة على المنطقة هي الاختيار من بين أنواع من الكوارث المتطابقة.
يقول واقع الأمور شيئا مغايرا تماما لهذه النظرة، لأن الاحتجاجات الإيرانية التي أطلق خلالها المتظاهرون شعاراتٍ من قبيل "لا فلسطين ولا لبنان إيران أولا" تظهر أن الإيرانيين لا يتخذون موقفا سياسيا، ولا حتى أخلاقيا، من مشاركة إيران في إهدار الدمّين، السوري والفلسطيني، بل يستخسرون صرف الأموال على هذا الموضوع، وينادون بأحقيتهم في هذه الأموال. يجعل هذا الأمر من الاحتجاجات توكيدا على وطنيةٍ إيرانيةٍ، تحتقر كل شعوب المنطقة.
لا تبدو فكرة الحصار المالي لإيران مجدية، لأن منافذ إيران المالية كثيرة ومتعدّدة، ولا يمكن الإحاطة بها، فالهند ترفض عدم شراء النفط الإيراني، كما يمكنها عبر العراق ولبنان الاستفادة من حصيلة مالية ضخمة متأتية من تبييض الأموال وتهريب المخدرات، وجملة من النشاطات غير المشروعة، والتي تتجاوز حدود المنطقة، فقد تحولت إيران إلى تاجر مخدرات دولي وإلى تهديد كوني، وعملية لجمها بهذه الطرق التي اختبرتها طويلا ونظمت نفسها على التعامل معها لا تجدي نفعا. وهي تدخل بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مرحلةً يمكن أن يطلق عليها تسمية "نووي ما بعد النووي"، تتشكل من القدرة على جر المنطقة بأكملها إلى حروب أهلية لا تنتهي، معتمدةً في ذلك على شعوبها المزروعة في قلب شعوب المنطقة.
لكل الدول أنصار، لكن إيران تمتلك جنودا وحسب، فكل الموالين لها في المنطقة هم شعوب من المقاتلين المستعدين للموت في سبيلها. ويشكل هذا الاستعداد البنية العميقة للحضور الإيراني الذي لا يهم، مع سيطرته أن يكون من يوالي إيران محللا سياسيا، أو نائبا، أو كاتبا، أو شاعرا، لأن القاسم المشترك بين الجميع يتمثل في الطابع العسكري والجهادي للولاء.
من هنا، تجدر قراءة مآلات الأمور في المنطقة بشكل مختلف، فبعد أن بدا فوز التحالف الذي أقامه مقتدى الصدر في الانتخابات البرلمانية العراقية مؤشرا على انحلال الحضور الإيراني في العراق، إذا به يتحالف مع قائد الحشد الشعبي الموالي لإيران، هادي العامري، ما يعني أن هذا الحضور في الداخل العراقي بات يتمتع بثقل شرعي برلماني، ولا يقتصر فقط على الحضور المليشيوي.
وتكرر الأمر نفسه في لبنان، حيث صمم حزب الله الموالي لإيران انتخابات برلمانية على مقاسه، أنتجت أكثريةً برلمانيةً له ولحلفائه، تمكّنه من الانتقال السلس من وضعية التسلط إلى السيطرة المشرعنة، وتحوله من خارجٍ على القوانين إلى منتجٍ لها.
تُمسك ايران بأبرز مفاتيح أزمة اللاجئين السوريين عبر حزب الله، في ظل سعي أوروبي واضح إلى دفع الأموال، وغض النظر عن نشاطات حزب الله، في مقابل توطين اللاجئين، ومنع تدفقهم إلى دول أوروبا. ويتيح هذا النزوع الأوروبي لإيران الحصول على ربح مزدوج، يتمثل في القبول بسيطرة حليفها على لبنان من ناحية، والاستفادة من الثمن المالي الكبير الذي يبدو أن أوروبا مستعدة لدفعه. وتستغل إيران هذا المناخ الأوروبي إلى حدود قصوى، فهي قد شرعت في تحويل لبنان إلى ساحة تبييض أموال للنظامين، السوري والإيراني، عبر مرسوم التجنيس الذي منح رجال أعمال مشبوهين مقرّبين من دوائر النظاميْن الجنسية اللبنانية.
لا يبشر الوضع في اليمن بنهايةٍ قريبةٍ وسعيدة للتحالف السعودي الإماراتي، فإيران لا زالت قادرةً على تزويد الحوثيين بأسلحةٍ نوعيةٍ وبطائراتٍ مسيّرة، ما يعني أنه على الرغم من التقدم العسكري للتحالف، فإن الأمور ليست مرشحةً للحل العسكري، بل تتجه إلى تفاوضٍ لا بد أن يلحظ لإيران دورا مؤثرا وموقعا مهما.
ويشير مشهد المعارك في الجنوب السوري إلى حضور بارز لإيران ومليشياتها في وقتٍ كثر فيه الحديث عن انسحابها الوشيك، كما أنه لم يرشح شيء يفيد بأن القمة المنتظرة بين الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في هيلسنكي في بولندا في 26 يوليو/ تموز الجاري تتضمن اتفاقا ما بشأن خروج إيران من سورية.
إيران ظاهرة عسكرية وإيديولوجية تعتمد على الانتشار المليشيوي العسكري، وعلى البروباغندا المذهبية، ولا يكون كسرها إلا بالقضاء على قدرتها العسكرية، وتسخيف دعايتها الإيديولوجية. لا شيء يوحي برغبةٍ أميركيةٍ جدية في ذلك، بل باتت المسألة الإيرانية جزءا من النزاع الأوروبي الأميركي، والذي يتخذ شكلا مفيدا لإيران في نهاية المطاف، حيث تميل أوروبا إلى صف إيران.
لا يبدو أن أميركا ستذهب بعيدا في مشروع ضرب إيران، وليس أدل على ذلك من التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، في حال تنفيذ القرار الأميركي، بمنعها من بيع نفطها. تستطيع إيران فعل ذلك، وتستطيع التأثير الفعال على تجارة النفط الدولية، وأي رد على هذا الأمر، في حال حصوله، لا يرقى إلى حدود تدخل أميركي عسكري مباشر، لا يبدو أنه في مقدمة الأولويات الأميركية، سيجعل من إيران فائزة بكل المقاييس.
تضع إيران على الطاولة شعوبا من الجنود، ما يعني ببساطة أن مشروع ضربها يجب أن يستند إلى قوةٍ تتفوق على ما لديها عناصر قوة. لا يوجد في الأفق ما يشير إلى وجود أي قوةٍ راغبةٍ في تحمل أعباء مواجهتها بجدّية، وبشكلٍ مباشر.
تستعد إيران للدخول في مرحلة نفوذ أوسع، حيث لن تكون مواجهتها ممكنة، خصوصا بعد القضاء على كل التيارات المعتدلة، إلا عبر التيارات الما بعد داعشية. وهكذا، فإن المعادلة المطروحة على المنطقة هي الاختيار من بين أنواع من الكوارث المتطابقة.
مقالات أخرى
25 فبراير 2022
28 يناير 2022
15 يناير 2022