إيران وروسيا في سورية

28 ديسمبر 2015
+ الخط -
بعد تفكك الدولة العثمانية وانحسار دورها وحدودها، وما تلا ذلك من تمدد روسي كاسح في العهدين القيصري والسوفييتي، تعود حالة التوثب الروسي ذي النزعة الهستيرية إلى القلق من تنامي صعود تركيا، وقوتها الناعمة ونموذجها التنموي الجذاب لشعوب آسيا الوسطى والقوقاز، وهي المنطقة التي تحكمها أنظمة شمولية متكلسة من مخلفات العهد الشيوعي، وباتت مهددة جديا بالانهيار بفعل فسادها واستبدادها.
وتكمن خشية روسيا في أن تشكل تفاعلات الربيع العربي، وموقف تركيا منه، البيئة الملائمة لتحفيز انطلاق شرارة ربيع آخر في آسيا الوسطى، يطيح الأنظمة السائرة في فلك الدب الروسي. من هنا، يمكن اعتبار تحركات روسيا في المشرق العربي بمثابة إشارات إنذار لتركيا ولشعوب آسيا الوسطى معا، لتركيا: نحن هنا ونراقب "أسلمة" تركيا وطموحاتها، ولشعوب آسيا الوسطى: ذهبنا بعيداً إلى سورية لدعم نظامها القمعي، فكيف بمنطقة نفوذنا.
يعود تاريخ الصراع بين الدولتين إلى قرون خلت، فدائماً كانت لروسيا أطماعها في أراضي الدولة العثمانية، وكثيراً ما تحالفت مع غيرها من الدول لكسر شوكة الدولة العثمانية، كإيران مثلا، وهو تحالف يعود إلى حقبة الصراع "العثماني، القيصري، الصفوي". لذا، فإن وجود روسيا في سورية ليس من قبيل المصادفة، فصراع النفوذ بين الإمبراطورية القيصرية والإمبراطورية العثمانية تكاد تكون حرب وجود أزلية.
هي حرب استباقية لروسيا بهدف إنقاذ اقتصادها، لأن الوجود العسكري في سورية يؤثر على مستقبل مشاريع الغاز في المنطقة التي تشكل تهديدا لمكانة روسيا في سوق الطاقة، ومن هذه المشاريع المقلقة: نقل الغاز القطري إلى تركيا عبر أنابيب تمر بالأراضي السورية، وهو مشروع ستكون له انعكاسات كبيرة على المصالح الاقتصادية الروسية التي تعتمد بقوة على السوق التركية، والأخطر، في نظر روسيا، يتمثل في وصول الغاز القطري إلى أوروبا، عبر تركيا، ما يحرر أوروبا من الابتزاز الروسي المستمر.
ليس الوجود الروسي في سورية دعما للأسد، كما يظن بعضهم، إنما بناء قواعد لإعادة أيا صوفيا والقسطنطينية. لذا، أعلن بوتين أن الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا شريكة في الحكم، وأعلنت الكنيسة دعمها قرار موسكو شنّ غارات جوية في سورية ضد تنظيم "الدولة"، ووصفت هذا التدخل بـ"المعركة المقدسة"، ما يعني أننا بصدد حرب عقائدية صليبية بمساندة صفوية.
تسعى إيران إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الكسروية على جماجم العرب والمسلمين الذين دمروا هذه الإمبراطورية في مطلع السنة السادسة عشر للهجرة النبوية، وشتتوا ملك فارس، بعد أن بلغ ملكهم أقصى الأرض. ولتسويق مشروعها إمبراطورياً رفعت إيران شعار مظلومية أهل البيت (رضي الله عنهم) لتستخدم الشيعة مطية لها، وتجعلهم وقوداً لحربها، حتى تصل إلى أهدافها، وتحقق مرادها، كما فعل اليهود في تسويق كذبة "محرقة اليهود" لاستقطاب يهود العالم إلى قضيتهم .
E13FE7E9-9C38-424A-83A1-A2231A2A6448
E13FE7E9-9C38-424A-83A1-A2231A2A6448
سيلين ساري (مصر)
سيلين ساري (مصر)