في إيران، تُعدم سلطات السجون، بشكل دوري، شباناً أكراداً بعد توجيه تهمة معارضة النظام إليهم. كما تفرض السلطات رقابة شديدة على المجتمع الكردي، وتعمد إلى تطبيق إجراءات وسياسات مدروسة على أفراده. كما أنّها تنفّذ اعتقالات باستمرار، بناء على الشبهة والوشاية والاتصال الهاتفي ووسائل التواصل وغيرها، وتوجَّه اتهامات لآلاف الأكراد كل عام.
من هنا، لا يبدو طبيعياً أن تقرّر إيران السماح لمواطنيها الأكراد بالتعبير عن رأيهم بالتظاهر والاحتجاج، كما لو أنّها سياسة حكوميّة متعمّدة لوضع "داعش" وتركيا وأميركا والغرب عموماً، في خانة "الاتهام". يستغل الإيرانيون ما يسمّونه في طهران "تورّط تركيا مع داعش"، ويشنّون بشكل مباشر وعبر حلفائهم حملات لضرب انفتاح أنقرة على القضية الكردية وتحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إقليم كردستان العراق.
وتشهد السنوات الأخيرة تغييراً نسبياً في سياسات تركيا تجاه "أكرادها"، وهي التي أعلنت أكثر من مرة، عزمها الذهاب بعيداً في قضية السلام معهم، ما وضع إيران في موقف صعب أمام مواطنيها الأكراد.
وجاءت الفرصة للإيرانيين للانتقام من تركيا عبر "داعش"، وهو أمر يبدو أنّ أطرافاً عدّة تعمل عليه: إيران بطبيعة الحال، فضلاً عن حزب "العمال الكردستاني"، بجناحيه التركي والسوري، وحزب "الاتحاد الوطني"، وهو التشويه الذي حوّل الأتراك إلى عدو الأكراد الأول، في وقت تحاول فيه إيران أن تظهر بصورة المنقذ.
وبناء عليه، بات كل من يطمح لإمكانيّة إحراز تقدّم في مسألة الأكراد بمساعدة تركيا، عرضة لضغوط وانتقادات، وفي مرمى نيران الجماعات المرتبطة بإيران، ويجري التقليل من شأنهم وتخوينهم، بشكل يومي.
يخفي حلفاء إيران، بقدر الإمكان، حقيقة متصلة بالموضوع، وهي أنه لولا تدخّل رئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، بشكل مباشر لدى الأميركيين لضرب أهداف "داعش" في محيط عين العرب، لكانت المدينة سقطت منذ مدة، كما يقومون بالتغطية على حقيقة أشد وضوحاً وهي أنّه لا إيران ولا روسيا ولا حزب "العمال الكردستاني" ولا حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، قدّموا بشكل فعلي، ما يساعد المقاتلين الأكراد على الصمود.
وتأتي قضيّة حصار مدينة عين العرب، فرصة إضافية للإيرانيين لضرب تركيا ومواقفها الرافضة لمساعدة الأكراد في محاربة "داعش"، ويتمنى الإيرانيون، بلا شكّ، أن تطول معارك "داعش" والأكراد في المدينة ليستثمروها بشكل أكبر.
في المحصّلة، ربّما تتدخل تركيا لئلا تدع جهودها في صنع السلام الداخلي على مدى سنوات، تتلاشى، لكنّ التدخل التركي مرهون بابتزاز الأكراد السوريين لدفعهم إلى تقديم تنازلات. والأكيد أنّ سمعة تركيا، داخلياً وخارجياً، تأثّرت بسبب عين العرب، إذ اندلعت أعمال عنف واحتجاجات غير مسبوقة منذ سنوات، قتل فيها أكثر من 35 شخصاً، وباتت في موقف محرج خارجياً. وهذا ما عبّر عنه "المفكر" الفرنسي، برنار هنري ليفي، بقوله إنه "إذا تركت تركيا مدينة عين العرب تسقط في أيدي "داعش"، فيتعين طرح مسألة انتمائها إلى الحلف الأطلسي".
وليس مستبعداً أن تتضمّن الخطط التركيّة مسألة قطع الطريق على ما يفعله الإيرانيون والروس والنظام السوري، الذين لم يقدموا رصاصة واحدة للمقاتلين الأكراد، بل اكتفوا ببيانات التنديد. تدرك تركيا جيداً قيمة طرد "داعش" من عين العرب، وأن من شان ذلك أن يخدمها ويخدم علاقاتها بالأكراد في كل مكان.
ومن غير المستبعد أيضاً، أن يقوّض موقف تركيا الحالي خططها الرامية إلى التوسع في النفوذ باتجاه العالم الإسلامي، وكسب أصدقاء ومؤيدين لمشروعها، وعلى رأسهم الأكراد. أما إيران، التي لها يد عليا في توجيه الكثير من أحداث المنطقة، فإنّها تعتقد وبناء على تصريحات مسؤوليها، أنّ النوايا الأميركيّة والغربيّة تجاه "داعش" مريبة، فهم يريدون محاربته وإضعافه لكن من دون القضاء عليه، لأنهم إن فعلوا ذلك سيجعلون ملايين العراقيين هدفاً لانتقام المليشيات العراقيّة المرتبطة بإيران في المستقبل.
تتقاطع مشاريع إيران وتركيا في العراق وسورية بشدة، تريد أنقرة إخراج الأسد من الحكم، في حين تريد طهران بقاءه. تريد الأولى كذلك أن تحكم سيطرتها على شريط الحدود الذي يربطها بسورية، لتحصين وضعها من خطط إيرانية وسورية لضرب استقرارها بواسطة الأكراد، في حين تريد إيران عدم منح تركيا ذلك الشريط، في حين أنّ ضحايا تلك المشاريع المتضادة هم الأكراد والعرب في كلا البلدين.