09 نوفمبر 2024
إيران.. لا شيء يدوم
من الصعب تصوّر أن سقوط النظام الإيراني بات قريباً، كما أن من الصعب تصوّر أن هذا النظامٍ باقٍ إلى الأبد. "لا شيء يدوم" هكذا تقول حكمة فارسية قديمة. ليست الأحداث في إيران منفصلةً عن مثيلاتٍ لها في سنوات ما بعد ثورة عام 1979، فغالباً ما كانت تحصل، سواء عن قصدٍ أو لا، مساهمة في تنفيس اضطراب اقتصادي أو سياسي أو حتى اجتماعي. لا يعني ذلك كله أن الجميع سيستيقظ غداً، ويجد أن حكام طهران قد غادروها.
في الواقع، الجميع، بمن فيهم الإيرانيون، يبحثون عن تغييرٍ ما. يعلم الرئيس حسن روحاني أن "الجمود قاتل والحركة تحرّر". وإذا كان هو، وقبله بنحو عقدين الرئيس محمد خاتمي، قد سعيا، في سياقات محدّدة، إلى فتح مجالات جديدة للإيرانيين، تسهيلاً لـ"ديمومة الثورة"، فإن ذلك دونه أثمان باهظة. قلّة من يدركون أن هامشاً ضيقاً يقع بين "التغيير لأجل الاستمرارية" و"التغيير المُفترض أن يؤدي إلى ضعضعة أسس النظام وسقوطه". ليس هذا الهامش تفصيلاً، بل هو أساس أي فعلٍ سياسي وردٍ فعل عليه، فضلاً عن أنه المجال الذي تلعب فيه إيران منذ 1979.
في الماضي، كانت كل تلك التغييرات أكثر سلاسة من الآن، خصوصاً في سنوات التسعينيات التي رافقتها مرحلة انتقالية خاطفة، بين سقوط الاتحاد السوفييتي (1991)، واستطراداً انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، وبين أحداث "11 سبتمبر" في 2001 التي ضربت الولايات المتحدة. في تلك الحقبة، كانت إيران جاهزة، أقله بوجود خاتمي في السلطة، لمواكبة أي تطوّر في علاقاتها مع الغرب، من دون المسّ بجوهر النظام أو وجوديته. تغيّر ذلك كله فعلياً بعد "11 سبتمبر"، وتصنيف إيران، مع العراق وكوريا الشمالية، في "دول محور الشرّ" عام 2002، وفقاً للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. ما أدى لاحقاً إلى عودة التشدّد الإيراني، عبر الرئيس محمود أحمدي نجاد، إلى السلطة.
لم ينهِ ذلك كله مسألة داخلية: الاقتصاد. الإيرانيون، ليسوا بخير اقتصادياً، خصوصاً أن الموارد الإيرانية، وموقع البلاد الجيوبوليتيكي، كفيلة بجعل إيران إحدى أغنى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تاريخها شاهد على ذلك، من إمبراطوريات وأديان قامت فيها. مخطئ من يظنّ أن العقوبات الغربية، الأميركية تحديداً، غير مؤثرة. تأثيرها ظهر في مشهد، وفي الوعود المقطوعة غير المنفّذة للمصارف الإيرانية. وبعيداً عن نظريات المؤامرة التي تتمسّك بها الأنظمة لتبرير فشلها في معالجة مشكلاتها الداخلية، إلا أن في إيران هناك مشكلة كبرى، لا تستلزم تفكيرا كثيرا لتحليلها.
في البلاد مشكلة شبابية واسعة. بات الشباب على مسافة بعيدة جداً عن "آباء ثورة 1979"، من دون التمرّد عليهم بعد، أو أنهم يحاولون. هؤلاء مرتبطون بالعالم الخارجي بصورة أكبر مما هو معروف. الشباب الإيراني ليسوا فقط المحاربين في مختلف بلدان الشرق الأوسط، ولا نسخة عن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بل منهم كثيرون من الذين نزلوا إلى الشوارع في الأعوام الماضية، وأقفلوا طرقات طهران، ابتهاجاً بالاتفاق النووي 2015، وبفوز روحاني بولاية رئاسية ثانية في 2017. هؤلاء الذين استند إليهم ثوار 1979 لإطاحة نظام الشاه، ينتظرون سانحتهم للقيام بثورتهم الخاصة.
قد لا تكون هذه الثورة ثورة على النظام برمّته، وقد تكون تطويرية أو تصحيحية، منعكسة بالتالي على الحيّز الجغرافي العاملة في إطاره. فتصدير الثورة في 1979 سيلحقه تصدير تصحيحها أو تطويرها. الأساس أن الإيرانيين لن يعودوا خطوة إلى الوراء. هناك أمر ما قد كُسر، والعنف المضاد لن يؤدي سوى إلى تسريع عملية التطوير أو التغيير، إلى حدّ "إطاحة النظام". لا يملك الإيرانيون امتيازاً للغوص في حربٍ أهلية طويلة، تهزّ استقرار الخليج وطريق الحرير الجديد، لكنهم يملكون هذه اللحظة حالياً، قبل أن تتملكهم الظروف لاحقاً.
في الواقع، الجميع، بمن فيهم الإيرانيون، يبحثون عن تغييرٍ ما. يعلم الرئيس حسن روحاني أن "الجمود قاتل والحركة تحرّر". وإذا كان هو، وقبله بنحو عقدين الرئيس محمد خاتمي، قد سعيا، في سياقات محدّدة، إلى فتح مجالات جديدة للإيرانيين، تسهيلاً لـ"ديمومة الثورة"، فإن ذلك دونه أثمان باهظة. قلّة من يدركون أن هامشاً ضيقاً يقع بين "التغيير لأجل الاستمرارية" و"التغيير المُفترض أن يؤدي إلى ضعضعة أسس النظام وسقوطه". ليس هذا الهامش تفصيلاً، بل هو أساس أي فعلٍ سياسي وردٍ فعل عليه، فضلاً عن أنه المجال الذي تلعب فيه إيران منذ 1979.
في الماضي، كانت كل تلك التغييرات أكثر سلاسة من الآن، خصوصاً في سنوات التسعينيات التي رافقتها مرحلة انتقالية خاطفة، بين سقوط الاتحاد السوفييتي (1991)، واستطراداً انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، وبين أحداث "11 سبتمبر" في 2001 التي ضربت الولايات المتحدة. في تلك الحقبة، كانت إيران جاهزة، أقله بوجود خاتمي في السلطة، لمواكبة أي تطوّر في علاقاتها مع الغرب، من دون المسّ بجوهر النظام أو وجوديته. تغيّر ذلك كله فعلياً بعد "11 سبتمبر"، وتصنيف إيران، مع العراق وكوريا الشمالية، في "دول محور الشرّ" عام 2002، وفقاً للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. ما أدى لاحقاً إلى عودة التشدّد الإيراني، عبر الرئيس محمود أحمدي نجاد، إلى السلطة.
لم ينهِ ذلك كله مسألة داخلية: الاقتصاد. الإيرانيون، ليسوا بخير اقتصادياً، خصوصاً أن الموارد الإيرانية، وموقع البلاد الجيوبوليتيكي، كفيلة بجعل إيران إحدى أغنى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تاريخها شاهد على ذلك، من إمبراطوريات وأديان قامت فيها. مخطئ من يظنّ أن العقوبات الغربية، الأميركية تحديداً، غير مؤثرة. تأثيرها ظهر في مشهد، وفي الوعود المقطوعة غير المنفّذة للمصارف الإيرانية. وبعيداً عن نظريات المؤامرة التي تتمسّك بها الأنظمة لتبرير فشلها في معالجة مشكلاتها الداخلية، إلا أن في إيران هناك مشكلة كبرى، لا تستلزم تفكيرا كثيرا لتحليلها.
في البلاد مشكلة شبابية واسعة. بات الشباب على مسافة بعيدة جداً عن "آباء ثورة 1979"، من دون التمرّد عليهم بعد، أو أنهم يحاولون. هؤلاء مرتبطون بالعالم الخارجي بصورة أكبر مما هو معروف. الشباب الإيراني ليسوا فقط المحاربين في مختلف بلدان الشرق الأوسط، ولا نسخة عن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بل منهم كثيرون من الذين نزلوا إلى الشوارع في الأعوام الماضية، وأقفلوا طرقات طهران، ابتهاجاً بالاتفاق النووي 2015، وبفوز روحاني بولاية رئاسية ثانية في 2017. هؤلاء الذين استند إليهم ثوار 1979 لإطاحة نظام الشاه، ينتظرون سانحتهم للقيام بثورتهم الخاصة.
قد لا تكون هذه الثورة ثورة على النظام برمّته، وقد تكون تطويرية أو تصحيحية، منعكسة بالتالي على الحيّز الجغرافي العاملة في إطاره. فتصدير الثورة في 1979 سيلحقه تصدير تصحيحها أو تطويرها. الأساس أن الإيرانيين لن يعودوا خطوة إلى الوراء. هناك أمر ما قد كُسر، والعنف المضاد لن يؤدي سوى إلى تسريع عملية التطوير أو التغيير، إلى حدّ "إطاحة النظام". لا يملك الإيرانيون امتيازاً للغوص في حربٍ أهلية طويلة، تهزّ استقرار الخليج وطريق الحرير الجديد، لكنهم يملكون هذه اللحظة حالياً، قبل أن تتملكهم الظروف لاحقاً.