09 يونيو 2023
إيران خطر قائم وقادم
ينقل ضرب منشآت نفطية سعودية الخطر الإيراني خطوة كبيرة إلى الأمام، فالضربة تظهر قدرة تكنولوجية متقدمة، وهي استعراض للقوة في الهواء الطلق تعلن عنه إيران، أيا كانت الجهة التي نفذتها، أو المكان الذي انطلقت منها، فهي تعلن عن قدرة كبيرة غير متوقعة، بأن ترسل إيران عشرات الطائرات الصغيرة المسيّرة لمسافاتٍ تزيد عدة مئات الكيلومترات، ثم يصيب أغلبها أهدافه بدقة محدثًا دمارًا عظيمًا، ما يعني امتلاكها وقودا جافّا، وامتلاك قدرة السيطرة على الطائرات وتوجيهها، على الرغم من المسافات البعيدة. وبإضافة هذه القدرة الجديدة لقدراتها على صناعة صواريخ بعيدة المدى، وقدرتها على التخصيب النووي والغواصات وغيرها، ولو كانت بتكنولوجيا قديمة نسبيًا، فهذا كله يشير إلى قدرةٍ متزايدة، ترفع من شهيتها وعدوانيتها للسيطرة على الجهة المقابلة من الخليج. وهي لا تخفي هذه الأطماع، وتسعى إلى التدخل السافر عبر تشكيل جماعات موالية بلباس ديني في كل مكان. وقد كان الإعلان الأول للخميني تصميمه على تصدير الثورة، وكان هذا محرّض صدام حسين لمواجهته، قبل أن يصبح أقوى، ولكنه أفلح في تحجيمه، ولم يفلح في القضاء عليه، ثم خذل العرب بخذلان صدّام، ما دفعه للقيام بحماقة بمغامرة غزو الكويت، فكانت نهايته التي فتحت الباب لتمدّد إيران في العراق وغيره.
يخشى الغرب إيران ويريدها أن تلتزم حدودها ولا تتمدّد، فسياسة الغرب الثابتة أن ليس من
مصلحته قيام إيران قوية تسيطر على منابع مهمة للنفط ومنطقة جغرافية مهمة غنية بمصادر الطاقة، وإن سيطرت على الخليج فستتجه بعدها الى وسط آسيا. لذلك يسعى الأميركيون لتحجيمها، ولكنهم ليسوا مستعدين للذهاب إلى حرب معها، شرط إبقائها تحت ضغط وحصار. وقد خالف أوباما هذه السياسة وأبرم معها اتفاقًا هو لصالحها بالكامل، ويسعى ترامب بطريقته الفوضوية لإرغامها على إبرام اتفاق جديد يلزمها بوقف دائم للتخصيب النووي.
أصبحت إيران تختنق بسبب الحصار المزمن، وسيخنقها حصار الرئيس الأميركي، ترامب، أكثر. ولذا هي تريد إرغامه على الرجوع إلى اتفاق 2015 النووي بأي ثمن، فاتفاق سلفه الرئيس أوباما هو لصالحها بالكامل، لأنه يحدّد وقف التخصيب بعشر سنوات فقط، وقد مضى منها أربعة، وستعود بعدها إلى التخصيب الحر. وهذا ما يرفضه ترامب، ويريد إجبارها على إبرام اتفاق نووي جديد، يشترط وقف التخصيب الدائم، وهذا ما لا تريده إيران الطامحة لامتلاك سلاح نووي. وسنرى مستقبلًأ من سيصرخ أولا في لعبة عض الأصابع هذه.
تعلم إيران أن ترامب لا يريد الدخول في حربٍ ولو محدودة في الخليج، إذ ليست الحرب في صالحه، ولكنه قد يدخلها إن نجح في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد عام. ولذا تسعى إيران إلى إجباره على العودة إلى اتفاق 2015 قبل الانتخابات، وهي تدفع الأمور في الخليج نحو حافّة الهاوية. ولذا اعتدت على ناقلة نفط إماراتية، واحتجزت أخرى، من دون أن تجرؤ الإمارات على التفوه بكلمة، بل أنكرت ملكيتها الناقلتين واحتجزت ناقلة نفط انكليزية وأجبرت سلطات جبل طارق الانكليزية على إطلاق سراح ناقلة النفط التي احتجزوها، والتي تابعت طريقها لتفرغ حمولتها في بانياس السورية، متحدّية العقوبات الأميركية، وضربوا مطاراتٍ عديدة للسعودية نفذها الحوثيون. وأخيرا وجهوا ضربتهم المؤلمة للسعودية، ولم يتجرأ الأميركان ولا السعوديون على التصريح أن إيران هي الفاعل، بل يزعمون أنهم لا يعرفون من أين أتت، ولا من هو الفاعل!
يأتي خطر إيران الدائم من أن النظام الحاكم فيها ديني (ثيوقراطي) مذهبي متزمت، لا تقل مخاطره عن أي نظام ديني آخر. وهو نظام مستبد معادٍ للديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة المتساوية، يطبق قواعد وأحكاما عفا عليها الزمن، وسيطبق أحكامه على أي منطقة يسيطر عليها، وينبش قبور التاريخ بعد 14 قرنا من الصراع الديني السني الشيعي، فتدخل المنطقة في أتون حربٍ ستمتد عقودا، وتبقى ما بقي نظام الولي الفقيه الذي اخترعته لتحكم الأرض باسم السماء. وفي إيران ذاتها، بدّد النظام الديني موارد البلاد الكبيرة، وقدرتها العلمية، في الإنفاق العسكري والتدخل التخريبي في المنطقة، وحوّل إيران من قوة موجبة، تحتاجها المنطقة لمواجهة إسرائيل، وأميركا معها، إلى قوة تخريب أثارت سباق تسلّح يبدّد موارد دول المنطقة وطاقاتها، وأدخلت الحروب إلى داخل الإقليم، ما زاد أطماع الآخرين به.
تقيم إيران الفوضى أينما حلت، لأن الفوضى تخدمها، فعلى الرغم من أنها سيطرت على العراق
بمساعدة قوى الاستكبار (أميركا) التي تعلن حربها عليها، وهذه مفارقة مضحكة مبكية. وعلى الرغم من مضي أكثر من 16 عاما على سيطرتها على العراق لا يزال هذا البلد العربي خرابا، على الرغم من غنى موارده المادية والبشرية التي تؤهله لأن يكون البلد الأول في المنطقة في كل شيء، وإيران ماضية في نهب العراق أيضا إضافة إلى تخريبه، وقامت بتخريب اليمن منذ بدأت تسلّح الحوثيين وتمدهم بالمال قبل أكثر من عقدين، وهي ماضية في تخريبها. وفي سورية، كان من مصلحتها أن يتعنّت بشار الأسد في مارس/ آذار 2011، بدعمٍ مطلق منها، ويرفض أي حل سياسي، أو شبه سياسي، وأن يعلنها حرب دمار وفق مبدأ كل شيء أو لا شيء، ويستخدم أكبر قدر ممكن من العنف منذ اليوم الأول، ما أدّى إلى مقابلته بعنفٍ مماثل، وتحوّل الصراع السياسي إلى حربٍ بالأسلحة، ما تسبّب بخراب سورية، وتشريد نصف شعبها وتفريغها من كادراتها ورؤوس أموالها وتهديم كل شيء فيها. وتحوّل الصراع إلى مسلح هو بالضبط ما جعل نظام الأسد بحاجة ماسّة لإيران، وأن يلبي، في النهاية، كل شروطها، فاستباحت إيران سورية، وأحضرت مئات آلاف المرتزقة، ليقاتلوا دفاعا عن نظام الأسد، وتعمل على إقامتهم فيها ومنحهم الجنسية السورية، وتعمل على نشر التشيع وشراء العقارات وإقامة المراقد الشيعية. وأصبح نفوذها داخل مؤسسات النظام أوسع بكثير، وأصبح النظام والروس أيضا بحاجتها وحاجة مرتزقتها على الأرض، ومصلحتها باستمرار الصراع في سورية واستمرار الخراب. ولذا لن تعود سورية دولةً، طالما بقيت إيران، وبالطبع طالما بقي الأميركان وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) والروس وغيرهم من مرتزقة على طرفي جبهتي الصراع.
وبالعودة إلى ضربة السعودية، فهل سيرد ترامب على تحدّي إيران؟ أو هل سيرغم "البنتاغون" (وزارة الدفاع) ترامب على الرد بطريقةٍ تحفظ ماء وجه أميركا أمام التحدّي الإيراني؟ وإن لم ترد أميركا، ما هي الخطوة التصعيدية التي ستقوم بها إيران متحدّية ترامب مرة ثانية وثالية، وهي تقول له: إما أن تعود إلى اتفاق 2015 أو سنصعّد ونهدّد، ونحرجك ونسيء لسمعتك ونؤثر على فرص انتخابك لرئاسة جديدة، ونحن نعلم أنك لن تستطيع الدخول في حرب معنا... أما نحن العرب فنجلس منتظرين، نتابع لعبة عض الأصابع هذه، لنرقب من سيصرخ أولًا!
أصبحت إيران تختنق بسبب الحصار المزمن، وسيخنقها حصار الرئيس الأميركي، ترامب، أكثر. ولذا هي تريد إرغامه على الرجوع إلى اتفاق 2015 النووي بأي ثمن، فاتفاق سلفه الرئيس أوباما هو لصالحها بالكامل، لأنه يحدّد وقف التخصيب بعشر سنوات فقط، وقد مضى منها أربعة، وستعود بعدها إلى التخصيب الحر. وهذا ما يرفضه ترامب، ويريد إجبارها على إبرام اتفاق نووي جديد، يشترط وقف التخصيب الدائم، وهذا ما لا تريده إيران الطامحة لامتلاك سلاح نووي. وسنرى مستقبلًأ من سيصرخ أولا في لعبة عض الأصابع هذه.
تعلم إيران أن ترامب لا يريد الدخول في حربٍ ولو محدودة في الخليج، إذ ليست الحرب في صالحه، ولكنه قد يدخلها إن نجح في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد عام. ولذا تسعى إيران إلى إجباره على العودة إلى اتفاق 2015 قبل الانتخابات، وهي تدفع الأمور في الخليج نحو حافّة الهاوية. ولذا اعتدت على ناقلة نفط إماراتية، واحتجزت أخرى، من دون أن تجرؤ الإمارات على التفوه بكلمة، بل أنكرت ملكيتها الناقلتين واحتجزت ناقلة نفط انكليزية وأجبرت سلطات جبل طارق الانكليزية على إطلاق سراح ناقلة النفط التي احتجزوها، والتي تابعت طريقها لتفرغ حمولتها في بانياس السورية، متحدّية العقوبات الأميركية، وضربوا مطاراتٍ عديدة للسعودية نفذها الحوثيون. وأخيرا وجهوا ضربتهم المؤلمة للسعودية، ولم يتجرأ الأميركان ولا السعوديون على التصريح أن إيران هي الفاعل، بل يزعمون أنهم لا يعرفون من أين أتت، ولا من هو الفاعل!
يأتي خطر إيران الدائم من أن النظام الحاكم فيها ديني (ثيوقراطي) مذهبي متزمت، لا تقل مخاطره عن أي نظام ديني آخر. وهو نظام مستبد معادٍ للديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة المتساوية، يطبق قواعد وأحكاما عفا عليها الزمن، وسيطبق أحكامه على أي منطقة يسيطر عليها، وينبش قبور التاريخ بعد 14 قرنا من الصراع الديني السني الشيعي، فتدخل المنطقة في أتون حربٍ ستمتد عقودا، وتبقى ما بقي نظام الولي الفقيه الذي اخترعته لتحكم الأرض باسم السماء. وفي إيران ذاتها، بدّد النظام الديني موارد البلاد الكبيرة، وقدرتها العلمية، في الإنفاق العسكري والتدخل التخريبي في المنطقة، وحوّل إيران من قوة موجبة، تحتاجها المنطقة لمواجهة إسرائيل، وأميركا معها، إلى قوة تخريب أثارت سباق تسلّح يبدّد موارد دول المنطقة وطاقاتها، وأدخلت الحروب إلى داخل الإقليم، ما زاد أطماع الآخرين به.
تقيم إيران الفوضى أينما حلت، لأن الفوضى تخدمها، فعلى الرغم من أنها سيطرت على العراق
وبالعودة إلى ضربة السعودية، فهل سيرد ترامب على تحدّي إيران؟ أو هل سيرغم "البنتاغون" (وزارة الدفاع) ترامب على الرد بطريقةٍ تحفظ ماء وجه أميركا أمام التحدّي الإيراني؟ وإن لم ترد أميركا، ما هي الخطوة التصعيدية التي ستقوم بها إيران متحدّية ترامب مرة ثانية وثالية، وهي تقول له: إما أن تعود إلى اتفاق 2015 أو سنصعّد ونهدّد، ونحرجك ونسيء لسمعتك ونؤثر على فرص انتخابك لرئاسة جديدة، ونحن نعلم أنك لن تستطيع الدخول في حرب معنا... أما نحن العرب فنجلس منتظرين، نتابع لعبة عض الأصابع هذه، لنرقب من سيصرخ أولًا!