15 مايو 2024
إيران تواجه ترامب في العراق
المؤشر الواضح في ما صدر من مراسيم (أوامر تنفيذية) من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حتى هذه اللحظة، يؤكد حرص الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، على تنفيذ وعوده الانتخابية بطريقة سريعة تشدّ مؤازريه من حوله، وتربك خطط أعدائه ومشاريعهم، وتعيد (حسب قناعاته) الهيبة الدولية لبلاده التي فقدت كثيراً من مكانتها الدولية خلال أكثر من عقدين؛ بسبب سياسات الرؤساء السابقين.
في موضوع إيران والعراق، الدولتين اللتين حصلتا على نصيبٍ بارزٍ خلال حملة ترامب وبعدها، وكانتا الأكثر تهديداً ووعيداً منه، وصلت إليهما رسالة الرئيس الأميركي وجديته في التعامل مع المتغيرات التي تحصل في البلدين منذ عام 2003.
صحيح أن ترامب لم يحدّد أية استراتيجية للتعامل مع موضوع العراق، لكنه كان أكثر وضوحاً في موضوع إيران؛ ففي وقتٍ شدد فيه، مراتٍ، على موضوع نفط العراق وضرورة التمكن من السيطرة عليه، باعتباره الاحتياطي الثاني عالمياً، وكجزء من ثمن دفعته الولايات المتحدة من أرواح جنودها وأموال دافعي الضرائب فيها لتخليص العراقيين من صدام حسين! وقد يكون هذا الأمر بوسائل عديدة لن تكون القوة العسكرية وإعادة احتلال العراق ضمن أولوياته مطلقاً، بينما كان ترامب في موضوع إيران ذا منحىً استراتيجيٍ أوضح، ربما يكون برأسَي سهمٍ لتوجّه واحد، الأول إعادة النظر في الاتفاقية النووية مع طهران، والثاني إيقاف تمدد إيران وانسياحها في العراق، وفي مناطق أخرى في الإقليم. وفي الحالتين، قد تبرز الحاجة لمواجهةٍ من نوع ما بين البلدين، أو عبر تحالفاتٍ إقليميةٍ باتت الحاجة لها أكثر إلحاحاً، بعد تعقيدات المشهدين، الأمني والسياسي، في العراق، ثم في اليمن والبحرين أيضاً.
بدا العراقيون المتحكمون بالعملية السياسية المتعبة والفاسدة أكثر تحسباً وتخوفاً من قدرة ترامب على تنفيذ وعوده بالنسبة لموضوع احتلال قوات أميركية خاصة آبار النفط العراقية. وبالتالي،
سحب البساط من تحت أقدام الحكومة العراقية، بما يعنيه من نهاية كل القوى التي تحكمت بالمشهد العراقي أكثر من 13 عاماً. لذلك، وكوسيلة لبيان حرصه على مصالح شعبه، خرج رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ليرد على تصريحات ترامب بالقول إن "نفط العراق للعراقيين، وأي كلام خلاف ذلك غير مقبول، ولا أتصور أن أي مسؤول في العالم يدّعي امتلاك شيء ليس له".
الأخطر بالنسبة لأقطاب العملية السياسية في العراق، وخصوصاً التي ترتبط، مباشرةً أو عبر واجهات، بإيران والمرشد الأعلى فيها، هو (عزم) الرئيس الأميركي ترامب التهيئة لطاقم حكم جديد في العراق، ليس ذا اتجاهات دينية، وغير مرتبط بأي شكل بولاية الفقيه. وسيقوم هذا الطاقم الحكومي الجديد باللازم، من أجل تصعيد الشعور الوطني للشعب العراقي ضد الوجود الإيراني في العراق. وبالتالي، يمكن لواشنطن دعم هذه الجهود والحكومة المقبلة، مستفيدة من الاتفاقية الأمنية بين البلدين، لتقليم أظافر طهران هناك، وبقائمة مفتوحة من الوسائل والخيارات.
من أجل هذا، عمدت إيران، وستستمر، في إجراء متغيرات جوهرية في العراق، ليكون ساحة المواجهة المتقدمة لأي خطوة أميركية، تستهدفها وتخرج العراق من قبضتها؛ وتجري تلك الإجراءات، بشكل سريع ودقيق، وتحت إشراف المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وسفير طهران في العراق وآخرين. وقد بدت بعض هذه الإجراءات واضحة ويمكن تحديدها من خلال متغيراتٍ ترافقت مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية. وأول هذه الإجراءات كان تعيين إيران الجنرال إيرج مسجدي كبير مستشاري سليماني سفيراً لها في العراق، وهو مؤشر ذو دلالات كبيرة على تمكين هذه الدولة من السيطرة على كل التحركات الأمنية والعسكرية والسياسية في العراق، وقد وصفه ساسة عراقيون في المنطقة الخضراء بـ "المندوب السامي"، في إشارة إلى تحكمه بكل شاردة وواردة في أروقة الحكم.
وتنفيذاً لنهج التحكم الأبرز، وربما المطلق، بالملف العسكري والأمني، عاد ملف الحشد الشعبي ليأخذ مساحته الأنفذ والأقوى، بمصادقة مجلس النواب العراقي بأغلبية النواب الحاضرين، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، على مشروع قانون دمج الحشد الشعبي بالقوات المسلحة، تزامناً مع بدء العمليات لتحرير الموصل، ثم إظهاره لاحقاً قوة مستثمرة للانتصارات التي حققتها القوات المسلحة العراقية في الجانب الأيسر من المدينة، من دون أن يغفل، متعمداً، القيام بانتهاكات إنسانية وحقوقية ذات طابع طائفي.
أيضاً، تصويت مجلس النواب العراقي على ترشيح قاسم الأعرجي وزيراً للداخلية، وهو الرجل الذي حارب ضد جيش العراق الوطني، إبّان الحرب العراقية الإيرانية، بعد هروبه إلى إيران، وهو رئيس كتلة منظمة بدر النيابية، وصاحب المواقف المتشددة تجاه الولايات المتحدة، وأكثر المدافعين عن الحشد الشعبي، وهو تعيين يعني سيطرة التوجه الإيراني تنفيذياً، وإحكام السيطرة على ملف الحشد الشعبي، ليكون القوة الأهم والضاربة في البلاد.
القضية الأبرز التي تحدّث عنها ترامب، وهي موضوع النفط العراقي، احتاطت له إيران،
وجعلت حقول النفط الرئيسة، في البصرة وميسان والقيارة وغيرها تحت سلطة مليشيات الأحزاب والفصائل المسلحة المرتبطة بها. وتبقى كركوك خارج دائرة التهديد، كونها الآن ضمن إدارة إقليم كردستان، وبإشراف الحكومة المركزية، ما يعني أنها لن تكون ضمن خطة المشروع الأميركي في احتلال الآبار النفطية. وسيجعل هذا الأمر برمته من المواجهة (إن وقعت) بين قوات أميركية غازية (تقدر تسريبات أن حجمها يصل إلى 25 ألف جندي أميركي) وبين الشعب العراقي (المليشيات وفصائل الحشد الشعبي).
أخيراً، تتمثل استعدادات إيران لمواجهة أميركا في العراق بتصفية مصادر القوة في القبائل العربية (السنيّة) في هذا البلد، وقد نجحت سابقاً في تدمير كل المدن والقصبات التي يشكلون فيها غالبية مطلقة، مثل تكريت وبيجي والرمادي والفلوجة وديالى، وربما الموصل، ولعل نموذج (سنّة) منطقة حزام بغداد أفضل هذه النماذج، حيث يتم، وبشكل منهجي مدروس وعنيف جداً، تدمير معظم المدن هناك، وقتل سكانها واعتقالهم وتشريدهم، بحجة ملاحقة تنظيم داعش، لكن الحقيقة تقول إن مليشيا الحشد الشعبي تنفذ أجندة التصفية الطائفية في المناطق الأقرب إلى العاصمة، بغداد، وتعتقد إيران أن أبناء هذه المناطق هم الأقرب خياراً لواشنطن، لتشكيل القوة الضاربة في عراق ترامب الموعود.
في موضوع إيران والعراق، الدولتين اللتين حصلتا على نصيبٍ بارزٍ خلال حملة ترامب وبعدها، وكانتا الأكثر تهديداً ووعيداً منه، وصلت إليهما رسالة الرئيس الأميركي وجديته في التعامل مع المتغيرات التي تحصل في البلدين منذ عام 2003.
صحيح أن ترامب لم يحدّد أية استراتيجية للتعامل مع موضوع العراق، لكنه كان أكثر وضوحاً في موضوع إيران؛ ففي وقتٍ شدد فيه، مراتٍ، على موضوع نفط العراق وضرورة التمكن من السيطرة عليه، باعتباره الاحتياطي الثاني عالمياً، وكجزء من ثمن دفعته الولايات المتحدة من أرواح جنودها وأموال دافعي الضرائب فيها لتخليص العراقيين من صدام حسين! وقد يكون هذا الأمر بوسائل عديدة لن تكون القوة العسكرية وإعادة احتلال العراق ضمن أولوياته مطلقاً، بينما كان ترامب في موضوع إيران ذا منحىً استراتيجيٍ أوضح، ربما يكون برأسَي سهمٍ لتوجّه واحد، الأول إعادة النظر في الاتفاقية النووية مع طهران، والثاني إيقاف تمدد إيران وانسياحها في العراق، وفي مناطق أخرى في الإقليم. وفي الحالتين، قد تبرز الحاجة لمواجهةٍ من نوع ما بين البلدين، أو عبر تحالفاتٍ إقليميةٍ باتت الحاجة لها أكثر إلحاحاً، بعد تعقيدات المشهدين، الأمني والسياسي، في العراق، ثم في اليمن والبحرين أيضاً.
بدا العراقيون المتحكمون بالعملية السياسية المتعبة والفاسدة أكثر تحسباً وتخوفاً من قدرة ترامب على تنفيذ وعوده بالنسبة لموضوع احتلال قوات أميركية خاصة آبار النفط العراقية. وبالتالي،
الأخطر بالنسبة لأقطاب العملية السياسية في العراق، وخصوصاً التي ترتبط، مباشرةً أو عبر واجهات، بإيران والمرشد الأعلى فيها، هو (عزم) الرئيس الأميركي ترامب التهيئة لطاقم حكم جديد في العراق، ليس ذا اتجاهات دينية، وغير مرتبط بأي شكل بولاية الفقيه. وسيقوم هذا الطاقم الحكومي الجديد باللازم، من أجل تصعيد الشعور الوطني للشعب العراقي ضد الوجود الإيراني في العراق. وبالتالي، يمكن لواشنطن دعم هذه الجهود والحكومة المقبلة، مستفيدة من الاتفاقية الأمنية بين البلدين، لتقليم أظافر طهران هناك، وبقائمة مفتوحة من الوسائل والخيارات.
من أجل هذا، عمدت إيران، وستستمر، في إجراء متغيرات جوهرية في العراق، ليكون ساحة المواجهة المتقدمة لأي خطوة أميركية، تستهدفها وتخرج العراق من قبضتها؛ وتجري تلك الإجراءات، بشكل سريع ودقيق، وتحت إشراف المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وسفير طهران في العراق وآخرين. وقد بدت بعض هذه الإجراءات واضحة ويمكن تحديدها من خلال متغيراتٍ ترافقت مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية. وأول هذه الإجراءات كان تعيين إيران الجنرال إيرج مسجدي كبير مستشاري سليماني سفيراً لها في العراق، وهو مؤشر ذو دلالات كبيرة على تمكين هذه الدولة من السيطرة على كل التحركات الأمنية والعسكرية والسياسية في العراق، وقد وصفه ساسة عراقيون في المنطقة الخضراء بـ "المندوب السامي"، في إشارة إلى تحكمه بكل شاردة وواردة في أروقة الحكم.
وتنفيذاً لنهج التحكم الأبرز، وربما المطلق، بالملف العسكري والأمني، عاد ملف الحشد الشعبي ليأخذ مساحته الأنفذ والأقوى، بمصادقة مجلس النواب العراقي بأغلبية النواب الحاضرين، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، على مشروع قانون دمج الحشد الشعبي بالقوات المسلحة، تزامناً مع بدء العمليات لتحرير الموصل، ثم إظهاره لاحقاً قوة مستثمرة للانتصارات التي حققتها القوات المسلحة العراقية في الجانب الأيسر من المدينة، من دون أن يغفل، متعمداً، القيام بانتهاكات إنسانية وحقوقية ذات طابع طائفي.
أيضاً، تصويت مجلس النواب العراقي على ترشيح قاسم الأعرجي وزيراً للداخلية، وهو الرجل الذي حارب ضد جيش العراق الوطني، إبّان الحرب العراقية الإيرانية، بعد هروبه إلى إيران، وهو رئيس كتلة منظمة بدر النيابية، وصاحب المواقف المتشددة تجاه الولايات المتحدة، وأكثر المدافعين عن الحشد الشعبي، وهو تعيين يعني سيطرة التوجه الإيراني تنفيذياً، وإحكام السيطرة على ملف الحشد الشعبي، ليكون القوة الأهم والضاربة في البلاد.
القضية الأبرز التي تحدّث عنها ترامب، وهي موضوع النفط العراقي، احتاطت له إيران،
أخيراً، تتمثل استعدادات إيران لمواجهة أميركا في العراق بتصفية مصادر القوة في القبائل العربية (السنيّة) في هذا البلد، وقد نجحت سابقاً في تدمير كل المدن والقصبات التي يشكلون فيها غالبية مطلقة، مثل تكريت وبيجي والرمادي والفلوجة وديالى، وربما الموصل، ولعل نموذج (سنّة) منطقة حزام بغداد أفضل هذه النماذج، حيث يتم، وبشكل منهجي مدروس وعنيف جداً، تدمير معظم المدن هناك، وقتل سكانها واعتقالهم وتشريدهم، بحجة ملاحقة تنظيم داعش، لكن الحقيقة تقول إن مليشيا الحشد الشعبي تنفذ أجندة التصفية الطائفية في المناطق الأقرب إلى العاصمة، بغداد، وتعتقد إيران أن أبناء هذه المناطق هم الأقرب خياراً لواشنطن، لتشكيل القوة الضاربة في عراق ترامب الموعود.