تحوّلت قضية استمرار مسعود البرزاني في منصبه رئيساً لإقليم كردستان لفترة جديدة، إلى الحدث الأكثر سخونة بين الأكراد في العراق، في ظلّ مؤشرات تُفيد بأن هناك جهات داخل العراق وخارجه، تدفع بالقضية لتحويلها إلى صراع سياسي للاستفادة منه وإشغال الأكراد، وتُوجّه أصابع الاتهام في الموضوع إلى إيران تحديداً. مع العلم أنه يُحيط بموضوع الرئاسة واختيار رئيس جديد للإقليم إشكاليات قانونية، تتطلّب معالجتها من قبل البرلمان، الذي سيكون بحاجة بدوره إلى توافق بين جميع أطرافه، لبحث أي تعديل قانوني.
وأمضى البرزاني حوالي العشر سنوات في منصبه، بعد أن اختاره البرلمان كأول رئيس للإقليم في عام 2005، ثم أُجريت انتخابات لاختيار رئيس جديد، تنافس فيها عدد من المرشحين، وفاز فيها البرزاني مجدداً في العام 2009. ومع انتهاء ولايته الثانية في العام 2013، كان برلمان كردستان منشغلاً بوضع مشروع دستور للإقليم، وكان بانتظار طرحه على الاستفتاء العام ليدخل حيز التنفيذ.
لكن مطالبة الكتل السياسية بتعديل الدستور قبل إجراء الاستفتاء حوله، في ظلّ عدم تحقيق المناقشات حول الموضوع، أي تقدّم يسمح بالبت بإجراء انتخابات جديدة لرئاسة الإ قليم، سمح بالتوافق على تمديد ولاية البرزاني لعامين. إلا أن مشروع الدستور بأكمله طُوي ووُضع جانباً في يونيو/ حزيران 2014، بعدما دخل الأكراد في حرب هي الأعنف لهم مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كما أن هناك جبهة مفتوحة بين مقاتلي "البيشمركة" الكردية و"داعش"، على حدود تمتد بطول 1050 كيلومتراً، تبدأ من محافظة ديالى، شمال بغداد، وتنتهي في سنجار غرب العراق.
وقد منحت الحرب، البرزاني "شرعية شعبية"، كونه القائد العام لقوات "البيشمركة"، وبات دائم التواجد في جبهات القتال، ويُشرف على المعارك ويخطط لها. ما دفع بسياسيين أكراد بارزين من أحزاب مختلفة، إلى طرح فكرة بقاء البرزاني في رئاسة الاقليم لحين انتهاء الحرب ضد "داعش" في أقل تقدير.
اقرأ أيضاً: البشمركة تتقدّم.. واستعادة سنجار تنتظر الجيش العراقي
ويدور الآن صراع يتسيّده الحزب "الديمقراطي" الكردستاني، الذي يريد بقاء البرزاني رئيساً، متذرعاً بتعقيدات الوضع والحرب، حتى إن أعضاء الحزب، يعتبرون أن "زعيمهم بات يحمل نوعاً من الحصانة، التي تضعه بمكانة تفوق حتى كرسي رئاسة الإقليم".
من جهة أخرى، ترفض أحزاب أخرى "حصانة" البرزاني وتتمسك بالعملية الديمقراطية في الإقليم، وتطالب بإجراء انتخابات الرئاسة وعدم التهاون في الموضوع. وذكر علي بابير، "أمير" الجماعة الإسلامية، المُمثلة في البرلمان والحكومة في إقليم كردستان، أنه "يجب عدم تقديس شخص رئيس الإقليم أو أي شخص آخر، ولأي سبب كان".
وأضاف أن "بقاء البرزاني في منصبه في الوضع الراهن، إذا ما تمّ التفاهم عليه مع الأطراف ذات العلاقة، أمر اعتيادي لا بل أراه ضرورياً، أما اذا ما كان بقاءه في منصبه بخلاف القانون، فهذا الأمر معناه أنه موضع خلاف. وبرأيي لن يقبل رئيس الإقليم بانتهاك القانون".
وكان النائب في برلمان كردستان علي حمه صالح، رفض تمديد رئاسة البرزاني، وتعرّض إثر ذلك للضرب من نائبين زميلين له مؤيدين لرئاسة البرزاني، يوم الأربعاء 25 مارس. ورداً على تعرضه للضرب، وجه صالح رسالة إلى البرزاني، حمّله فيها جانباً من المسؤولية عن الفساد، الذي قال إنه بات مستشرياً بوضوح في مختلف القطاعات في كردستان.
وتابع صالح: "يمرّ إقليم كردستان بأزمة مالية، من المسؤول عن الوضع المالي لكردستان ولماذا وصل الحال إلى ما هو عليه، رغم أن الإقليم تلقّى مبالغ مالية كبيرة، منها نحو 74 مليار دولار من بغداد منذ عام 2003، كذلك حصل على 15 ملياراً أخرى من الواردات المحلية، إضافة إلى قروضٍ بمليارات الدولارات"؟
ونبّه البرلماني في رسالته، البرزاني، إلى وجود 429 ألفاً من متقاضي الرواتب، مسجلين على ملاك وزارة واحدة هي "البيشمركة"، لافتاً إلى أن الكثير من المسجلين لم يكونوا مقاتلين أو عسكريين يوماً، وإنما جرى تعيينهم ومنحهم رتباً عسكرية عالية تصل إلى رتبة لواء، بهدف الحصول على رواتب من المال العام، كنوع من المحسوبية وفي إطار الفساد.
في ظل هذا الوضع جعلت التوافقات السياسية في الإقليم وفي بغداد أيضاً، كافة الأطراف تتغاضى عن الخروقات القانونية وعمليات الفساد حتى كبر حجمه، وبات يعرقل عمل الحكومة وتقدم أي من القطاعات ومن الصعب السيطرة عليه.
وقدم النائب علي حمه صالح في رسالته إلى البرزاني مجموعة من المقترحات لتجاوز أزمة الرئاسة في الإقليم، ومنها: "إجراء انتخابات الرئاسة وفقاً للقانون، وإعداد دستور توافقي للتصويت عليه، أو تمديد ولاية رئاسة الإقليم، وهذا ما لا يقبل به أغلب الأطراف"، وفقاً له.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين في أربيل، عبد الحكيم خسرو، إن "قضية رئاسة إقليم كردستان العراق، تحمل بعدين: قانونياً وسياسياً، وكل من المجالين بحاجة إلى البحث والتوافق بشأنهما من قبل أطراف العملية السياسية في البرلمان والحكومة".
وأشار خسرو في لقاء مع "العربي الجديد"، إلى "ارتباط قضية انتخابات رئاسة الإقليم في أغسطس/ آب 2015، بموضوع دستور الإقليم، الذي أصدره البرلمان، رغم اعتراض بعض الأطراف على بعض بنوده". وأضاف "الإشكال أصله قانوني، لكن بعض الأطراف تعطي له بعداً سياسياً، وفي كل الأحوال يجب أن تجلس الأطراف كافة للتوافق حول الأمر".
وكشف أن "هناك أطرافاً عراقية وإقليمية، لا تريد استمرار البرزاني رئيساً لإقليم كردستان، لأنها تريد تحجيم دور الإقليم، بعد نجاح البرزاني في إبراز الإقليم ودوره على صعيد العراق وخارجه، في الحرب ضد داعش، وإرساله قوات مسلحة إلى عين العرب السورية لقتال المسلحين هناك، ونال بهذه الخطوة دعماً دولياً".
وأضاف "هناك حديث عن إيران وعن تركيا، بأنهما لا ترغبان باستمرار البرزاني رئيساً، لأنه لم يسمح بخضوع إقليم كردستان بشكل كامل للهيمنة الإيرانية أو التركية، خصوصاً إيران التي تعتقد أن البرزاني منع الشيعة من إحكام السيطرة على كل العراق، عندما تمسك ببقاء الدور السُنّي والكردي في العملية السياسية". ونبّه الوزير الأردني السابق، صالح القلاب، في مقالٍ نشره أخيراً من "مؤامرة إيرانية، بمشاركة أطراف كردية وعراقية، للنيل من رئاسة البرزاني وعرقله حصوله على دورة جديدة".
ووسط كل هذه المناقشات والجدال عبر الإعلام بين السياسيين الأكراد، لا يزال البرزاني المعني بالأمر، يلتزم الصمت ولم يعلن موقفه ما إذا كان يريد الترشح لدورة جديدة أو يفضل مغادرة المنصب. كما ذكرت تقارير نشرتها مواقع مدعومة من حزب البرزاني نفسه، أن "الأخير كثّف من الاجراءات الأمنية الشخصية، بسبب احتمال تعرضه للاستهداف".
اقرأ أيضاً: أكراد العراق: تقرير المصير بعد الانتهاء من "داعش"