إيران تنقل المواجهة إلى الأمم المتحدة: تراجع خيار الحرب ولا انفراجة قريبة

23 سبتمبر 2019
روحاني: الوجود العسكري الأجنبي خطر على السلام بالمنطقة(فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
تبتعد مؤشرات الحرب في المنطقة شيئاً فشيئاً، مع ما يبرز من جنوح مختلف الأطراف نحو تفادي هذا السيناريو وحصر المواجهة بالسياسة والاقتصاد، على الرغم من تواصل الاتهامات الموجهة إلى إيران والتهديدات والتهديدات المضادة. وقد برز في هذا السياق أمس الأحد، تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي قال إنّ المهمة المتعلقة بإيران هي "تفادي الحرب"، وهي السياسة التي اعتمدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ البداية. لكنّ تراجع احتمالات الحرب لا يوحي بأنّ انفراجة قريبة تلوح في الأفق، لا سيما مع إعلان ترامب، أمس الأحد، أنّ لا خطط لديه للقاء مسؤولين إيرانيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وجاء ذلك في وقت قررت فيه طهران على ما يبدو نقل المواجهة الدبلوماسية مع واشنطن إلى داخل أروقة الأمم المتحدة، إذ من المنتظر أن يعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الخميس، خلال مشاركته في أعمال الدورة الـ74 للجمعية العام للأمم المتحدة، عن مبادرة بشأن مضيق هرمز، بحسب ما أعلن أمس الأحد.
وقال ترامب، أمس، إنه لا خطط لديه للقاء مسؤولين إيرانيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأوضح في تصريح صحافي أدلى به من واشنطن، قبيل توجهه إلى ولاية تكساس، رداً على سؤال حول احتمال إجراء محادثات مع روحاني، خلال أعمال الجمعية العامة: "كل الخيارات على الطاولة، ولا يمكن استبعاد أي شيء، لكن لا نية لدي لعقد أي لقاء مع الإيرانيين".

من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مقابلة مع برنامج "فوكس نيوز صنداي"، إن المهمة المتعلقة بإيران هي "تفادي الحرب"، مشيراً إلى أن القوات الأميركية الإضافية التي تقرر إرسالها لمنطقة الخليج يوم الجمعة هي "للردع والدفاع". وأضاف بومبيو أنه على ثقة من أن الرئيس الأميركي سيتخذ إجراء إذا لم تنجح إجراءات الردع هذه وأن القيادة الإيرانية تدرك ذلك. وتابع "أنا والرئيس ترامب نريد إعطاء فرصة للدبلوماسية مع إيران، ولا نعتقد بإمكانية إقناعها بالتصرف كدولة طبيعية". وفي مؤشّر على أنّ الأمم المتحدة ستكون ساحة الحرب الدبلوماسية في الأيام المقبلة بين طهران وواشنطن، قال بومبيو "نأمل أن تتخذ الأمم المتحدة موقفاً قوياً من إيران"، مضيفاً "الشعب الإيراني يريد التوصل إلى حلّ سلمي وعدم مشاركة نظامه في الإرهاب والفوضى".
ويتزايد اليقين بين المسؤولين الأميركيين بأنّ ترامب لن يقدم على أي خطوة عسكرية اتجاه إيران. وهو ما أعادت صحيفة "نيويورك تايمز" الإضاءة عليه، في تقرير على موقعها الإلكتروني، أول من أمس السبت، مذكرةً بالضربة الأميركية التي كانت ستوجهها واشنطن لطهران في 20 يونيو/ حزيران الماضي رداً على إسقاط الأخيرة طائرة مسيرة أميركية، لكنّ ترامب ألغى الضربة في الدقائق العشر الأخيرة قبل توجيهها. وقالت الصحيفة في تقريرها الذي نقلت فيه تفاصيل جديدة عن مسؤولين أميركيين بشأن ذلك اليوم، إنه بعد ثلاثة أشهر على حادثة إسقاط الطائرة الأميركية وقرار ترامب وقف الضربة العسكرية، يخشى حلفاء للرئيس الأميركي من أن اتباع هذا النهج قد اعتبر من قبل إيران على أنه دليل ضعف، مما شجعها على مهاجمة منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية، في 14 سبتمبر/ أيلول الحالي. ولفتت الصحيفة إلى أنّ ترامب قال إنّ قراره كان تعبيراً عن ضبط النفس بعد أن كانت دولته قد أهدرت الكثير من الأرواح والأموال في حروب الخارج، لكنه يجد نفسه اليوم في الموقف نفسه الذي كان فيه في شهر يونيو الماضي، إذ كان في حالة صراع مع عواقب استخدام القوة وعواقب تجنبها، في حين أنّ إيران تتهم الآن بالقيام باستفزاز أكثر جرأة ويبدو أنّ المخاطر أكبر، وفق "نيويورك تايمز".

في هذه الأثناء، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس الأحد، إنه سيعلن، خلال الأيام المقبلة في الأمم المتحدة (يرجح أن يكون الخميس)، عن مبادرة لتأمين أمن الخليج ومضيق هرمز، من دون أن يكشف عن تفاصيلها، مضيفاً خلال كلمة له بمناسبة الذكرى الـ39 للحرب الإيرانية العراقية، بثها التلفزيون الإيراني، أنّ المبادرة ستحمل شعار "تحالف الأمل والسلام في هرمز". ومن المقرر أن يتوجه الرئيس الإيراني، اليوم الإثنين، إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وأضاف روحاني، خلال حفل استعراض للقوات المسلحة الإيرانية في طهران، أن "منطق إيران هو أن تؤمن دول المنطقة أمن مياهها"، معتبراً الوجود العسكري الأجنبي "خطراً على أمن الطاقة والسلام في المنطقة". وقال إنّ "أميركا أينما حلّت، ضربت أمن تلك المنطقة ونشرت الفوضى، سواء في أفغانستان أو الخليج الفارسي". ودعا روحاني الولايات المتحدة الأميركية إلى مغادرة المنطقة والابتعاد عنها ووقف إرسال الأسلحة إليها "إذا ما كانت تريد حقاً أمن هذه المنطقة".


وفيما تتصاعد الاتهامات ضدّ إيران بالضلوع في الهجمات على "أرامكو"، اعتبر روحاني أنّ ربط أحداث المنطقة بإيران "تكرار لأكاذيب سابقة"، معلناً "إننا نمد يد الصداقة والأخوة إلى جميع الجيران، ومستعدون للتغاضي عن أخطائهم في الماضي".
وفي السياق، قال الرئيس الإيراني إنّ "العدو الصهيوني وأميركا يستغلان الخلافات في المنطقة لبث الفرقة بين شعوبها". وذكر أنّ بلاده "ستتجاوز هذا المنعطف الصعب والضغوط الاقتصادية"، موضحاً "لن نستسلم... ولن نقبل الذلّ... وسنواصل الصمود والمقاومة". وأكّد "لن نعتدي على حدود الدول الأخرى، ولن نسمح لأحد أيضاً بأن يعتدي على حدودنا".
وأشار روحاني إلى أنّ "الأعداء لا يتجرأون على اتخاذ قرار الحرب في مواجهة القوات المسلحة الإيرانية"، مضيفاً في السياق نفسه أنّ "أعداء" بلاده "اختاروا اليوم الحرب الاقتصادية والإرهاب الاقتصادي ضدّ الشعب الإيراني".

في موازاة ذلك، حذّر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في مقابلة مع قناة "سي بي إس" الأميركية، أمس، واشنطن من مغبة شنّ حرب على إيران، قائلاً إنها "يمكن أن تشن حرباً في المنطقة، لكنها لن تكون من ينهيها".
من جهته، اعتبر رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، في كلمة له في ميناء "بندر عباس" المطلّ على الخليج، بحضور قادة عسكريين، الحديث عن سعي إيران لـ"تشكيل هلال شيعي" لتعزيز نفوذها بأنه "ذرائع صبيانية ومؤامرة لإهدار طاقات المسلمين"، متهماً "أميركا والكيان الصهيوني بأنهما سبب التوترات في المنطقة".
ورأى لاريجاني أنّ التحالف البحري العسكري الذي تعمل واشنطن على إقامته لضمان أمن مضيق هرمز والخليج "وسيلة جديدة لنهب المنطقة"، مضيفاً أنّ أمن هذا المضيق "يرتبط بأمن بقية الممرات في العالم". وأضاف أنّ إيران تعتبر هذا التحالف "بداية علمية لضرب أمن المنطقة"، مؤكداً أنّ القوات المسلحة الإيرانية "لن تسمح بالتلاعب بأمن الخليج والمغامرة به".
في المقابل، قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية، أمس، إنّ بلاده ترغب في علاقة جيدة مع إيران، لكن طهران تقابل ذلك بالموت والدمار، مضيفاً أنه إذا ثبت إطلاقها صواريخ من أراضيها في حادث "أرامكو"، فإنّ ذلك يعتبر "عملاً حربياً"، قبل أن يستدرك، أنّ لا أحد يريد الحرب، ولكن إن استمرت طهران في ذلك، فإنها تخاطر بإمكانية عمل عسكري.
وأشار الجبير إلى أنّ بلاده "دائماً ما تمدّ يدها للإيرانيين، لكن طهران تقابل ذلك بالموت والدمار"، مضيفاً أنّ السعودية "تريد إيران دولة طبيعية، وأن تتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى ودعم الجماعات الإرهابية، نريد علاقة جيدة مع إيران، نريد التجارة معهم". وحول حادث "أرامكو"، جدّد الجبير التأكيد على تحميل إيران مسؤوليته، قائلاً "نحمل إيران المسؤولية لأنها صنعت وسلمت الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت السعودية". وتابع: "لكن شنّ هجوم من أراضيهم، إن كان ذلك ما حدث، ينقلنا إلى وضع مختلف... سيعتبر هذا عملاً حربياً".
في الأثناء، وفي ظلّ كل هذه الاتهامات لطهران، تحدّثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن تحذيرات حوثية من خطط إيرانية لمهاجمة السعودية مجدداً. وكشفت الصحيفة أنّ قياديين في جماعة أنصار الله (الحوثيين) حذروا دبلوماسيين أجانب من أن إيران تتأهب لشنّ هجوم آخر على السعودية. ونقلت الصحيفة عن أشخاص وصفتهم بالمطلعين على الموضوع، قولهم إنّ قادة في جماعة الحوثي حذروا من هجوم جديد متوقّع عقب الضغط عليهم من قبل إيران لأداء دور في الهجوم الجديد. وقالت الصحيفة إنه لا يمكن تحديد حجم الخطر المتوقع، وإنّ مزاعم الحوثيين قوبلت بشكوك من قبل مسؤولين غربيين، لكن كلاً من السعودية والولايات المتحدة حصلت على تلك المعلومات، كما قال أشخاص تم إطلاعهم على التهديدات.
وقد عززت السعودية من أمنها للردّ على أي هجوم محتمل، كما أوضح للصحيفة أشخاص على علم بتحركات السعودية الأخيرة. ويقلق مسؤولون سعوديون من تنفيذ هجوم آخر على صناعة البلاد النفطية، أو مطاراتها المدنية، بما في ذلك مطار الرياض. لكنّ المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، نفى السبت المعلومات حول ما إذا كانت الجماعة قد أوصلت تحذيرات لدبلوماسيين غربيين بشأن هجمات إيرانية متوقعة، فيما لم يرد متحدث باسم بعثة إيران في الأمم المتحدة على طلب من "وول ستريت جورنال" للتعليق على الموضوع.

واتهمت الولايات المتحدة والسعودية الحوثيين بالادعاء زيفاً أنهم نفذوا الهجمات على السعودية، وبأنهم قاموا بالتغطية على الهجوم الذي نفذته طهران، وهو ما تنفيه إيران والحوثيون.
وقالت الصحيفة إنّ هناك خلافات داخل جماعة الحوثيين حول مسألة اصطفافها مع طهران، وإنّ السعودية والولايات المتحدة والأمم المتحدة سعت لتمكين القادة الحوثيين الذين يودون النأي بأنفسهم عن طهران. ويرى بعض قادة الحوثيين أنّ إيران هي أملهم الوحيد لتحقيق نصر في الحرب مع السعودية، بينما يرى آخرون أن تمتين العلاقات مع طهران خطأ، وفق الصحيفة الأميركية، التي أضافت أنه في حال تبينت صحة التحذيرات التي أطلقها الحوثيون، فإنه يمكن الإشارة إلى حدوث قطيعة بين إيران والحوثيين، أو على الأقل مع بعض الأجنحة داخل الجماعة.
وكانت الإمارات قد حذّرت من قدرة الحوثيين على مهاجمة دبي أو أبوظبي، في وقت تهدد التوترات المتصاعدة من أزمة النفط السعودية بالتوسع إلى الإمارات. وقال مسؤولون إماراتيون لصحيفة "ذا تليغراف" البريطانية إنه "في حال استهدف الحوثيون المراكز السياحية والتجارية العالمية في الإمارات، فإنهم لن يستهدفوا بذلك الإمارات فحسب، وإنما العالم". وكان الحوثيون قد هددوا الإمارات الأسبوع الماضي بالانتقام من مشاركتها في حرب اليمن، وجاءت التهديدات بعد أن أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ على منشأتي "أرامكو". وفي السياق، فقد تمّ أمس تحويل مسار رحلتين في مطار دبي، للاشتباه بنشاط طائرة مسيرة. وقال متحدث باسم مطارات دبي إنه جرى تحويل مسار رحلتين كان من المقرر هبوطهما في مطار دبي الدولي أمس الأحد، موضحاً أنّ "وصول الرحلات تعطل لفترة وجيزة في مطار دبي الدولي، بعد ظهر اليوم (أمس) من الساعة 12:36 حتى الساعة 12:51 بتوقيت الإمارات، بسبب ما يشتبه بأنه نشاط طائرة مسيرة، مما أسفر عن تحويل مسار رحلتين"، من دون مزيد من التفاصيل.