تأثر بهذه الإجراءات بعض أحزاب قوى 8 آذار وشخصيات مستقلة فيه، من سياسيين وإعلاميين وناشطين، اعتادوا على مساهمات دورية، شهرية أو نصف سنوية، أو حتى تأتي وفقاً للمناسبات.
وفي هذا الإطار أيضاً، يشير عدد من المقربين من حزب الله إلى أنّ هذه الأزمة تدفع حارة حريك أيضاً إلى إعادة دراسة الكثير من خطواتها ومشاريعها على كافة المستويات، "ومن ضمنها المشاركة في الحرب السورية". بات واضحاً بالنسبة لقيادة الحزب أنّ واقع الأمور في سورية، تحديداً في دمشق وريفها، لم يعد يستوجب وجوداً عسكرياً بالغ الحجم، فتقوم بدراسة إمكانية سحب مجموعات مقاتلة من العاصمة السورية ومحيطها، بحجة أن "النظام السوري وجيشه باتا قادرين على الإمساك بالأرض والمناطق وإحكام سيطرته عليها". بالتالي، تجري إعادة تسليم مناطق النفوذ العسكري لحزب الله في سورية، إلى النظام هناك. وعلى الرغم من كون ذلك يحصل تحت عبء الأزمة المالية، ستوحي هذه الخطوة، بالشكل، بأنّ نظام الأسد عاد وتماسك، ما يعزّز ثقة الجيش في قيادته ويمنح الأخيرة أيضاً المزيد من نقاط القوة في المفاوضات الخارجية والداخلية. ولهذه الخطوة تأثير إيجابي أيضاً في بيئة الحزب وبين مقاتليه، باعتبار أنّ العودة من سورية ستترافق برفع إشارات النصر، أي أنّ الصورة ستوحي بأن الحزب انتصر في سورية، ما يرفع معنويات مجموعاته المقاتلة وأنصاره على حدّ سواء.
معركة الحدود
إلا أنّ سياسة التقشّف وتأثيراتها لا تتناسب مع واقع الميدان العسكري عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية. فعند سلسلة الجبال الشرقية التي تفصل البلدين، تتمركز مجموعات من الجيش السوري الحر وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فتخرق الطوق الأمني الذي فرضه الحزب حول منطقة البقاع (شرق لبنان) الممسوك بجزء كبير منه من قبل حزب الله.
نفذت هذه المجموعات المسلحة تباعاً عمليات على مراكز الجيش ومواقع لحزب الله وهدّدت مراكزهما، عبر عمليات اقتحام او استهداف صاروخي، أو حتى من خلال كمائن رصدت تحركاتهما العسكرية. يحسم مسؤولون في الحزب أمام عدد من زوارهم أنّ "المعركة عند الحدود صعبة وطويلة"، خصوصاً أنّ الظروف والوقائع برهنت أن لا قدرة على حسمها.
وتشير التقارير الداخلية إلى سوء حال مقاتلي حزب الله في هذه المنطقة الجردية التي باتت تغطّيها الثلوج. فأصبح المقاتلون عاجزين عن الحركة مع اشتداد موجات الصقيع وقطع بعض طرق الإمداد في جرود القلمون السورية وجرود بعلبك- الهرمل من جهة لبنان. ويترافق العجز العسكري في هذه المنطقة مع تراجع حال المقاتلين الصحية وإصابتهم بأمراض وأعراض جمّة، باتت القيادة "تقدّر حجمها" وتفهم تبعاتها على المستوى الشخصي والجماعي لدى أفرادها. ينطبق هذا الواقع أيضاً على مقاتلي المجموعات السورية، الأمر الذي دفعها من جهة أخرى إلى البحث عن مخارج ملائمة لتنتقل من القلمون إلى مناطق أخرى أكثر أمناً. وأمام إدراك الجميع، بمن فيهم قيادة الحزب، أنّ حجم حرب الاستنزاف القائمة على الحدود الشرقية أصبح كبيراً وتبعاته خطيرة، انطلقت المفاوضات على مشروع تأمين ممرّ للمجموعات السورية المقاتلة باتجاه حمص ومنها إلى حلب. فتمت المفاوضات بين الفصيلين الإسلاميين المقاتلين (جبهة النصرة و"داعش") والنظام السوري. وتؤكد مصادر مختلفة أنّ "القيادة السورية أوصلت لقياديين في جبهة النصرة وداعش رسائل عن استعدادها لفتح الطريق أمام عناصرها للخروج من القلمون باتجاه شمال سورية، ليتوقف الأمر عند طلب الفصيلين ضمانات من حزب الله"، الأمر الذي تعذّر حصوله حتى الآن.
ويشير أحد المطلعين على أجواء حارة حريك إلى أنّ قيادة الحزب لا تثق مطلقاً في خيار تفريغ القلمون من مقاتليها، ولا تعتبره مخرجاً ملائماً، تحديداً "لجهة عدم الثقة في رغبة النصرة وداعش الانسحاب من القلمون"؛ لما تشكله هذه المنطقة من ورقة للضغط المتكرر على الحزب والدولة اللبنانية. فتخشى قيادة حزب الله أن تكون من خلال مفاوضات مماثلة، قد أوقعت نفسها في مأزق سياسي وإعلامي، ولو أنه سبق للحزب أن فاوض الجيش السوري الحرّ لتبادل أسرى بين الطرفين.
العسكريون المخطوفون
يمكن لاتفاق مماثل، في حال تمّ، أن ينهي الكثير من الملفات الأمنية والسياسية العالقة، ويضع حداً للتوترات المتكررة في المنطقة الحدودية. لعلّ أبرز هذه الملفات، قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى كل من "النصرة" و"داعش"، خصوصاً مع تأكيد هذين الأخيرين على أن يتم إطلاق سراح العسكريين لدى الاتفاق على تأمين المخرج المناسب لها من القلمون.
كما من شأن هذا الاتفاق في حال حصل، تخفيف الضغط عن مناطق بعلبك، حيث نفوذ حزب الله ومناطق حاضنته الشعبية التي تتعرض أسبوعا تلو الآخر لاقتحامات مجموعات سورية، أو حتى لإطلاق الصواريخ على المناطق السكنية فيها. ولا تزال المعارك المتفرقة التي حصلت في كل من قرى بريتال ونحلة ويونين والنبي شيت التي تعرّضت لهجمات متكررة في الأشهر الأخيرة، وصلت إلى حد سيطرة المقاتلين السوريين على أحد مواقع الحزب وأسر عدد من جنوده.
ويبقى الأهم أنّ إقفال ملف الحدود الشرقية، من خلال انسحاب المسلحين السوريين من القلمون، ينهي بشكل أو بآخر، التوتر بين عرسال (الداعمة للثورة السورية والحاضنة لمقاتليها، وحيث تم خطف العسكريين اللبنانيين في أغسطس/آب الماضي)، ومحيطها المحسوب على حزب الله.