حملت الانتخابات الإيرانية بشقيها، البرلماني وعلى صعيد مجلس الخبراء، مفاجآت بالنسبة لبعض مناطق البلاد دون أخرى، إذ نجح مرشحون من تيار "الاعتدال والإصلاح" في تحقيق فوز منشود منذ سنوات، لا سيما في دائرة العاصمة طهران، وهي الأثقل في كلا المجلسين. ولعلّ خروج ما يقارب 62 في المئة من المواطنين الإيرانيين القادرين على الانتخاب في كل أنحاء البلاد، و50 في المئة من الناخبين في طهران، للاقتراع في الانتخابات التشريعية بدورتها العاشرة، وانتخابات مجلس خبراء القيادة بدورتها الخامسة، هو ما غيّر التوقعات، لأنهم سجلوا نسب مشاركة عالية نسبياً.
مع العلم أن البرلمان الإيراني يتكوّن من 290 مقعداً، 30 منهم لطهران، وقد حُسم في الجولة الانتخابية الأولى، التي جرت يوم الجمعة الماضي، مصير 226 مقعداً، فيما تبقى 64 مقعداً، في انتظار تنافس مرشحيهم في جولة الإعادة، إذ لم يحصل عدد من المرشحين في بعض المناطق على نسبة الاقتراع المشترطة دستورياً، التي يجب أن تزيد عن ربع عدد أصوات الناخبين في تلك الأماكن، ومنها مدن في محافظات أذربيجان الشرقية والغربية وخوزستان وغيرها. ومن المفترض أن يتنافس 128 شخصاً على المقاعد المتبقية، خلال شهر أبريل/ نيسان المقبل.
وفقاً للنتائج النهائية للمرحلة الأولى، لا يمكن البتّ بالبرلمان الجديد من ناحية ثقل تركيبته السياسية، لا سيما أن مرشحين محافظين ومعتدلين وإصلاحيين على حدّ سواء، تمكنوا من الوصول إليه، كما تفوق منتمون لتيار دون آخر في مناطق دون سواها، وهو ما يجعله حتى الآن برلماناً مكونا من التيارات الثلاثة (محافظون، ومعتدلون، وإصلاحيون)، رجّحت الكفة المعنوية فيه للاعتدال أولاً وللإصلاح ثانياً، كونهما نالا حصة طهران، واستطاع الإصلاحيون استعادة بريقهم الذي فقدوه منذ احتجاجات عام 2009.
كما يُعتبر نواب دائرة طهران، الذين حسموا الأمر منذ الجولة الأولى، من المنتمين للتيار الإصلاحي والمعتدل، كون لائحة الأمل المكوّنة من 30 اسماً، التي قدّمها التيار الإصلاحي برئاسة مرشحه محمد رضا عارف، وضمت شخصيات معتدلة من التيار المحافظ، قد حصلت على الحصة برمتها.
لكن وكالة أنباء "إيسنا" الرسمية اعتبرت أن الوجوه في تركيبة البرلمان الجديد، قد تغيّرت عن سابقتها بنسبة 70 في المئة، والسبب هو احتفاظ 67 نائباً فقط بمقاعدهم، وهؤلاء ممن كانوا موجودين في الدورة التشريعية الأخيرة.
اقرأ أيضاً: إيران: أبرز الفائزين والخاسرين في الانتخابات التشريعية
أما عن نسب توزع المقاعد بين الإصلاحيين والمحافظين والمرشحين من المستقلين، فقد اختلفت من موقع لآخر، وينتظر الكل إجراء الجولة الثانية، التي قد تزيد من ثقل أحد هذه التيارات. وبحسب موقع "بايش أونلاين"، ففي المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية، حصل المرشحون المحافظون على 43.5 في المئة من المقاعد، بينما وصل الإصلاحيون إلى 38.5 في المئة منها، فضلاً عن حصول المستقلين على حصة 18 في المئة تقريباً.
كما صنّف "بايش أونلاين" النتائج حسب المقاعد، وجاء في تقريره الخاص أن 78 مقعداً ذهبت للمحافظين، و83 للإصلاحيين، و60 للمستقلين، وخمسة مقاعد للأقليات الدينية، والتي تساوي جميعاً 226 هي عدد المقاعد التي حسمت من الجولة الأولى.
وبوجود الاختلافات البسيطة بين مكان وآخر، وبالنظر للأسماء الفائزة، تؤكد تصريحات المسؤولين الرسميين في البلاد، على تشكيل برلمان جديد مركب ومختلط، يختلف ثقل أعضائه سياسياً بحسب الدائرة التي يمثّلونها، فكما حصد الإصلاحيون والمعتدلون كافة مقاعد طهران، تقدم المحافظون في مدن أخرى.
هذا الأمر، يجعل البرلمان العتيد أكثر انسجاماً، وأكثر مرونة وقرباً من الحكومة الحالية برئاسة المعتدل حسن روحاني، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال حصول تشديد أو تدقيق من قبل البرلمان على قضايا دون أخرى، ومنها القضايا الاقتصادية التي ستطرح في خطط حكومية لاحقة، وهو ما لوحظ خلال دورات سابقة، إذ رغم أن المحافظين سيطروا على البرلمان لثلاث دورات متتالية، تولى الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد ثمان سنوات منها، لكن المشهد لم يخل من التجاذبات التي اشتدت في كثير من الأحيان.
وعن تركيبة البرلمان الجديدة، قال وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي، عقب إعلانه عن النتائج النهائية، إن "هذا المجلس مكوّن من ثلاثة أضلاع، محافظة وإصلاحية ومعتدلة، حصل كل واحد من هؤلاء على مقاعد تراوح أعدادها بين 30 و35 مقعداً، لكن المرحلة المقبلة ستُرجّح الكفة لواحد دون آخر".
أضاف فضلي في حوار مع التلفزيون المحلي الإيراني، أن "الأغلبية في طهران صوّتت للاعتدال والإصلاح، وهو ما جعل التنافس خلال هذه الدورة يختلف عن سابقاتها، والتي انحصرت إما بين محافظ وإصلاحي، أو بين محافظ ومحافظ".
في السياق، قال المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" في إيران غلام علي دهقان، لوكالة "إيسنا"، إن "محور الاعتدال بات جزءاً رئيسياً من المعادلة السياسية الإيرانية"، وعلّق على مشاركة مرشحي الاعتدال والإصلاح في لوائح مشتركة، معتبراً أنه "لم يكن لديهم أي خيار، وهذا بسبب عدم منح الأهلية من قبل مجلس صيانة الدستور لعدد كبير من مرشحيهم". كما اعتبر أن "فوزهم الساحق في طهران جاء بسبب مشاركة واسعة من الفئة الشابة، التي لا تفضّل الخطاب المتشدد".
أما صورة مجلس خبراء القيادة، المكوّن من رجال دين مسؤولين عن عمل المرشد الأعلى وعزله، وتعيين خلف له، فقد نجح أعضاء لائحة "رفاق الاعتدال" التي ترأسها أكبر هاشمي رفسنجاني في دائرة طهران، في الحصول على غالبية مقاعد المدينة البالغة 16 من أصل 88.
كما انحصر التنافس في البلاد بين مرشحين من قائمة "رفاق الاعتدال" ومرشحين من قائمة "جامعتين" المحافظة، التي تشمل أعضاءً من جبهة "مدرسي حوزة قم العلمية" وجبهة "رجال الدين المناضلين". والجدير بالذكر أن بعض الأسماء المرشحة كانت مشتركة وموجودة في كلا القائمتين.
وقد حصل 35 شخصاً على مقاعدهم في الخبراء، وهم من الأسماء المشتركة بين كلا الجبهتين، كما حصل أفراد من "جامعتين" على 28 مقعداً، والاعتدال على 18 مقعداً، وهناك سبعة غير مصنفين، لكن اللافت كان خروج أسماء بارزة من السباق، ومنهم رئيس مجلس الخبراء الحالي محمد يزدي، ورجل الدين المعروف محمد تقي مصباح يزدي.
وقد علّق عضو مجلس الخبراء أحمد خاتمي على هذه النتائج، وهو الذي نجح في احتلال أول مرتبة عن منطقة كرمان، وحصل على كرسيه بسهولة وهو مرشح عن المحافظين في قائمة "جامعتين"، فذكر أنه من المؤسف خروج شخصيات كمصباح يزدي، ومحمد يزدي، لكنه اعتبر أن مجلس الخبراء ليس مكانا لتصنيفات حزبية، وإنما هو مكون من تيارات تؤيد الثورة الإسلامية وجمهوريتها وتحافظ على مبادئها، حسب تعبيره.
ومع وجود هذه التركيبة، إلا أن تصدّر رفسنجاني للمشهد في طهران، ونجاح عدد من أعضاء قائمته في محافظات أخرى، يجعل تيار الاعتدال الذي يقوده بشكل عملي في الوقت الراهن الرئيس حسن روحاني، يتصدّر مراكز صنع قرار هامة في البلاد، وسيكون الكل بانتظار استحقاق قادم، لا تقل أهميته عن هذا الأخير، ألا وهو الاقتراع الداخلي لانتخابات رئاسة الخبراء، والتي سيتنافس فيها أبرز وأهم الأعضاء، قد يكون رفسنجاني على رأسهم، بالإضافة لوجود احتمالات أخرى من قبيل محمود هاشمي شاهرودي، وأحمد خاتمي، ومحمد إمامي كاشاني وابراهيم أميني نجف أبادي.
اقرأ أيضاً: المرأة الإيرانية تحجز مقاعد أكثر في البرلمان الجديد