وتبدو طهران، منذ التوصّل إلى الاتفاق النووي مع الدول الست، ساعية للتركيز على ضرورة تقوية العلاقات مع دول المنطقة عموماً، ومع الدول المجاورة لها على وجه الخصوص، وطرح كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومساعده عبد اللهيان في مناسبات مختلفة رغبة طهران في التعاون مع "الجار قبل الدار" بحسب مصطلحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أيام.
هذه الرغبة الإيرانية قابلتها دعوة من وزير الخارجية القطري خالد العطية، إلى "حوار جاد" لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة. وقال العطية في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس"، أمس الثلاثاء: "يجب أن يكون لدينا حوار جاد مع جيراننا الإيرانيين، وأن نطرح مخاوف الطرفين، ونحلها معاً، فإيران جارتنا في المنطقة ويتعيّن علينا العيش معاً". وأشار العطية إلى أنه لا تزال هناك بعض أوجه الاختلاف مع إيران، وهو ما يعزز الحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لبناء الثقة بين الطرفين، بما في ذلك "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".
وتمنّى وزير الخارجية القطري "أن تنظر إيران إلى سورية من خلال الشعب السوري لا عبر نظام وحشي"، مؤكداً أن "كل هذه الشائعات التي تروّج بأن قطر تدافع عن المتشددين أو تدعم المتطرفين في سورية لا أساس لها من الصحة". وفي إطار تلميح إلى احتمال حصول تغييرات جذرية قد تطاول سورية مثلاً، قال العطية إن "هناك فرصة حالياً للعمل مع إيران بشأن قضايا أخرى" غير الاتفاق النووي.
أما عن التحركات التي تشهدها إيران، فإن وصول بوغدانوف إلى طهران في اليوم التالي لاجتماعات الدوحة، أعطى لقاءاته التي جرت خلف أبواب مغلقة، أهمية كبيرة. وكان عبد اللهيان قد أعلن بعد اجتماعه مع بوغدانوف، لوكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية، أنه بحث والمسؤول الروسي موضوع المبادرة إزاء ما يجري في سورية، وهي المبادرة التي قدّمتها طهران للأمم المتحدة في وقت سابق وتتضمّن أربعة بنود، إذ تنصّ على وقف إطلاق النار في سورية من قِبل كل الأطراف، وفرض سيطرة ورقابة على الحدود لمنع مرور ودخول أي مسلحين أو أي دعم للتنظيمات في الداخل، فضلاً عن فتح الممرات لعبور المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية للمدنيين في المناطق المنكوبة، أما بندها الأخير فينصّ على تشكيل طاولة حوار سوري ــ سوري تُشكّل بعدها مباشرة حكومة وحدة وطنية.
اقرأ أيضاً: حوارات الدوحة... يوم شرق أوسطي طويل بتطمينات وتوافقات
كذلك تحدث عبد اللهيان في لقاء مع قناة "العالم" الإيرانية عن إجراء تعديلات جديدة في المبادرة الإيرانية لتصبح أكثر انسجاماً مع التطورات في سورية، ولم يقدّم آنذاك تفاصيل هذه المستجدات، لكن محللين يتوقّعون تغييراً في البند الرابع من هذه المبادرة، ولا سيما أن الاجتماع الإيراني الروسي بحث ما حمله بوغدانوف من وزير خارجية بلاده سيرغي لافروف، والذي اجتمع بأهم المسؤولين الإقليميين، القادرين على التأثير بشكل أو بآخر في صورة الوضع في سورية مستقبلاً.
ويقول الديبلوماسي السابق في الخارجية الإيرانية هادي أفقهي، إن في المبادرة الإيرانية تحوّلاً استراتيجياً جديداً سيشهد عليه الكل قريباً، معتبراً أن مرونة بعض الأطراف العربية والغربية إزاء ما يجري في سورية، والتصريحات الصادرة من الدوحة والتي أكدت على ضرورة اختيار طريق الحل السياسي لإيجاد مخرج للأزمة السورية، تستدعي هذا التحوّل.
ويؤكد أفقهي، في حديث لـ"العربي الجديد"، تبادل الرسائل مع إيران عبر روسيا، متوقّعاً ألا تشمل المبادرة في الوقت الحالي خيار رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، لكن قد تطرح طهران، حسب رأيه، إجراء عملية استفتاء على دستور سوري جديد، تُجرى على أساسه انتخابات برلمانية جديدة، ومن بعدها انتخابات رئاسية يشارك فيها عدد من المرشحين. ويرى أن التحوّل في بعض المواقف الإقليمية إزاء سورية، فضلاً عن توصّل طهران للاتفاق النووي مع الغرب، قد يسمحان بتطبيق هذه المبادرة أو على الأقل إعطائها منحى أكثر جدية.
اللقاءات التي تُعقد في طهران خلال هذه المرحلة تصب في السياق نفسه، فالمعلم الذي وصل إلى طهران أمس الثلاثاء، التقى بوغدانوف في أحد الفنادق الإيرانية الواقعة غربي العاصمة لتبادل وجهات النظر حول هذه المبادرة وحول تعديلاتها.
إلا أن تطبيق المبادرة ونجاح هذا الهدف يتطلبان تعاوناً إقليمياً بالضرورة، وإيران تدرك هذا الأمر وتعمل على تحقيقه، ومن هذا المنطلق عرضت طهران إجراء حوار إيراني خليجي الشهر الماضي خلال جولة ظريف الإقليمية في العراق، الكويت وقطر، وهو ما سبق لـ"العربي الجديد" أن كشفته ولمّح إليه ظريف في مقال نشره قبل أيام.
وتحاول طهران طرق أبواب أخرى، وهذا ما بدا واضحاً في رسالة ظريف الموجّهة لجيران البلاد العرب والتي نُشرت في صحف عربية تحت عنوان "الجار ثم الدار"، وطرح ظريف خلالها فكرة تأسيس مجمع أعلى للتعاون الإسلامي يفتح حواراً إقليمياً، أي أن إيران تبحث عن خيار وجود مجلس رسمي يشملها ويشمل الدول الخليجية على وجه الخصوص لتحويل طرح المبادرات إلى برنامج عمل مشترك ستكون سورية على رأس عناوينه.
ولكن مع تكثيف الاهتمام الإقليمي والدولي أخيراً بضرورة طرح الحلول السياسية لما يجري في سورية، ستركّز طهران على تعديل مبادرتها لتتقارب ووجهات النظر الأخرى، ولتكون جزءاً من الحل لا من المشكلة حسب ما يرى مراقبو الساحة الإيرانية.
اقرأ أيضاً: المبعوث الروسي يبحث مبادرة حول سورية في طهران