إيران بعد خطاب ترامب: تمسك بالنووي وتلويح بخيارات متعددة

15 أكتوبر 2017
الإيرانيون معنيون أولاً بتحسين ظروفهم المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -
حاولت إيران في ردها على خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي شرح فيه استراتيجية بلاده الجديدة إزاء إيران، أن تظهر وجود خيارات متعددة أمامها في حال قرر أي طرف الانسحاب من التزاماته المنصوص عليها في الاتفاق النووي، مع تأكيدها الالتزام بهذا الاتفاق، ليبدو أن أي تحرك لها سيكون وفق تطور الخطوات الأميركية، فيما كان لافتاً أن هذا الخطاب أدى بشكل أو بآخر إلى جمع الإيرانيين في غالبيتهم حول محور واحد.

استند الخطاب إلى ثلاث نقاط رئيسة، الأولى هي تلك التي تخص الاتفاق النووي، الذي رآه ترامب عاراً، ولم يصادق على التزام إيران ببنوده، بما يجدد العمل به من قبل الطرف الأميركي، وهذا يعني أنه وضع الكرة في ملعب الكونغرس الذي سيدرس خلال ستين يوماً إمكانية إعادة فرض العقوبات النووية أو تعديل التشريع المرتبط بدور واشنطن في الاتفاق.
وإلى ذلك الحين، بدا من الموقف الأول تجاه الخطاب، والذي جاء على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن طهران ستبقى ملتزمة باتفاقها، وستستمر بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كونها الطرف المشرف عليه، مع التأكيد على وجود خيارات أخرى على الطاولة إذا ما قرر أي طرف الانسحاب من التزاماته.

وفي هذه النقطة تباينت بعض آراء الساسة في الداخل، فالمحسوبون على الحكومة المعتدلة والمقربون منها ومن الطيف الإصلاحي يعولون على دعم الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، بما يعقّد خطط ترامب، ويجعل الإدارة الأميركية بمظهر المتخلي عن المعاهدات الدولية، والاتفاق النووي واحد منها. كما ركز روحاني خلال تلقيه أوراق اعتماد سفراء دول أوروبية في طهران أمس السبت، على أن تمزيق الاتفاق النووي سينعكس سلباً على المنطقة برمتها، كونه ساهم بتحقيق استقرار نسبي خلال الفترة الماضية، حسب رأيه.
في المقابل، يصر الطرف الأكثر تشدداً على أن الموقف الأميركي ليس جديداً من نوعه، وأن ما كشف عنه ترامب يؤكد مجدداً أن الولايات المتحدة غير أهل للثقة. هؤلاء سيستفيدون من قوانين البرلمان الإيراني للضغط على الحكومة في حال قرر الكونغرس فرض العقوبات مجدداً.

أما النقطة الثانية في خطاب ترامب، فكانت تلك التي تخص منظومة إيران الصاروخية ودور الحرس الثوري إقليمياً. في هذا الجانب أجمع الكل على موقف سياسي مؤيد للحرس كمؤسسة عسكرية "تدافع عن الأمن القومي الإيراني"، وتحارب تنظيم "داعش"، مع تأكيد روحاني على إصرار بلاده على تطوير صواريخها وأسلحتها كونها دفاعية. ويبدو أن العديدين في مراكز صنع القرار في إيران يعلمون أن للغرب مواقف موالية للولايات المتحدة في هذا الجانب بالذات، لكنهم يدركون أيضاً أن ترامب استخدم منفذاً خاطئاً لتحقيق مراده ألا وهو بوابة الاتفاق النووي. ومن المتوقع أن تبقي إيران على سياساتها في برامجها العسكرية والصاروخية وحتى الإقليمية.

وفي هذا السياق، رأى عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني محمد جمالي، أن "خطاب ترامب يبعث على الشفقة، ولم يحمل أي جديد لإيران"، قائلاً إن بلاده اعتادت على تصريحات من هذا القبيل حتى في زمن حكومات أميركية سابقة. وقال جمالي في حديث مع "العربي الجديد"، إن المسؤولين في إيران يدركون أن هذه التصريحات ستؤدي لعزلة أميركية، معتبراً أن كل هذا التصعيد يأتي بسبب الدور الذي تمارسه إيران في الإقليم وبسبب تقدّمها اقتصادياً وسياسياً.
وعن الحرس الثوري، أوضح أن "العقوبات التي تسعى واشنطن لفرضها عملياً، ليست الأولى من نوعها، فقد تعرضت شخصيات ومؤسسات وكيانات على ارتباط بالحرس لعقوبات سابقة، لكن على الكل أن يعلموا أن الحرس الثوري هو من وقف بوجه تقسيم سورية والعراق، وأدى لتراجع داعش فيهما"، حسب قوله. أما مرحلة ما بعد خطاب ترامب، فأكد جمالي أن لدى بلاده العديد من السيناريوهات، والتي تعتمد في تطبيقها على تنفيذ الخطط الأميركية، مشيراً إلى أنه سيكون لطهران رد مناسب لكل شيء، سواء نووياً أو سياسياً أو عسكرياً.


كذلك، فإن البرلمان الإيراني قادر على اتخاذ خطوات تصعيدية دستورياً، فقد صوّت النواب في وقت سابق على قانون تحت عنوان مواجهة السياسات الأميركية الإقليمية، يفرض على الحكومة آليات تعامل محددة مع واشنطن، ويرفع موازنة الحرس الثوري وفيلق القدس، الذي يتسلم زمام أمور العمليات الخارجية.
وعن هذا الأمر، قال جمالي إن البرلمان له الحق بأخذ رد فعل، وسيدين رسمياً خطاب ترامب، ولكن القرارات ستعتمد على الخيارات الأميركية المقبلة، مؤكداً أن الحرس الثوري سيكون قادراً على تجاوز العقوبات الاقتصادية التي تستهدفه.

وفي الجانب الثالث من خطاب ترامب، بدا واضحاً أن الرئيس الأميركي يعول على مسألة انتقاده للنظام في إيران، ولما وصفه بانتهاكات حقوق الإنسان فيها. وفي هذا الإطار انتقد بعض المسؤولين الإيرانيين ومنهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف ما جاء في هذا الصدد، لا بل ركزوا على المواقف التي دعمت التصريحات الأميركية، والتي خرجت من إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين، فاعتبر ظريف في تغريدة على "تويتر" أن الدول الإقليمية التي تنتقد النظام في إيران هي التي لا تستند لأسس ديمقراطية.

ورأى أستاذ الدراسات الأميركية في جامعة طهران، محمد مرندي، أن ترامب الذي قدّم هذه النقاط، لم يطرح تفاصيل أي استراتيجية جديدة، على عكس ما روّج هو وإدارته طيلة الفترة الماضية، بل إنه طرح مواقف ليست جديدة من نوعها على الرغم من التصعيد الواضح. وأعلن مرندي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إيران ستتعامل خلال الفترة المقبلة مع الأمر استناداً إلى ما سيقوم به ترامب، والذي اختار أن يحاصر إيران عبر الاتفاق النووي، الذي عملت روسيا والصين والاتحاد الأوروبي لسنوات طوال للتوصل له ولن تتخلى عن دعمه، كما ستستند إلى تقارير الوكالة الدولية التي ما زالت تؤكد التزام إيران بما عليها في الاتفاق.
وأشار مرندي إلى أن "إيران ترى تخبطاً في الإدارة الأميركية، وسياساتها الراهنة جعلت الأطياف السياسية تصطف في جبهة واحدة وهذا لم يحدث منذ زمن، بالتالي سيتجه الكل في الداخل لاتخاذ موقف مشترك حين يتعلق الأمر بالحرس الثوري، لا بالاتفاق النووي فقط".

شعبياً، ترك خطاب ترامب صداه كذلك، واستطاع من خلال الألفاظ التي استخدمها أن يجعل الإيرانيين يقفون على الطرف المساند لحكومتهم ولاتفاقها النووي الذي رفع عنهم العقوبات، فهؤلاء معنيون بالدرجة الأولى بتحسين الظروف المعيشية. ولكن الأهم من ملف الحرس والصواريخ، ترك استخدام ترامب في خطابه لمصطلح "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي" أثره البالغ لدى معظم من تابعوا الخطاب، وانتظروا الاستراتيجية الجديدة التي توقعوا أن تهددهم في المستقبل، فأدى إلى توحيد الشارع على اختلاف توجّهاته ضد السياسة الأميركية التي رأوا أنها تجاري السياسة السعودية بالذات. وفي هذا الصدد، قال ظريف على "تويتر": "الجميع يعرفون أن صداقة ترامب قابلة للبيع لمن يعرض أعلى سعر. والان نعرف أن جغرافيته هي كذلك أيضاً".

المساهمون