لا تهدأ حياة الفنان اليمني، إيبي ابراهيم، عند حدّ واحد فقط. يتقاطع مع يومياته بالتواءات وتجارب مختلفة، يكون التجريب فيها دوماً عنصراً ملهماً. فمن الرسم والتشكيل والتجهيز البصري والتصوير الفوتوغرافي والإخراج السينمائي إلى الغناء.
تحدّيات كافية لتظهر حساسيته المفرطة عن حياة تتغيُّر ملامحها في كل لحظة. هنا في الحدّ الممكن والمتاح، يتعامل إيبي بأريحية تامة مع تجاربه. فهي على تنوعها، تسوّق لشخصية تتفاقم في رأسها أسئلة لزجة، لم يستوعبها أي قالب فني مُحدَّد الهوية بعد.
فمنذ أشهر، جدد الشاب الثلاثيني مع أصدقائه، فرقتهم الموسيقية "كبريت". فرقة تحاول أن تجد مساحتها في "الأندرغراوند" العربي في برلين، المكان الأكثر صخباً وملاءمة لاحتمالات الفنون والتجريب. أطلقت "كبريت" أغنيتها الجديدة "خليني" على يوتيوب، وذلك بعد سلسلة أغان في ألبوم عنوانه "ممكن بوكرا". خلق هذا التنوع لإيبي شخصية مفارقة لا تمتنع عن تجاوز كل الخطوط الحمراء، وذلك في عالم تتزايد همومه ويضيق زمنه، خصوصاً أن إيبي لا يزال يحمل اليمن معه في كل أعماله.
تحدّيات كافية لتظهر حساسيته المفرطة عن حياة تتغيُّر ملامحها في كل لحظة. هنا في الحدّ الممكن والمتاح، يتعامل إيبي بأريحية تامة مع تجاربه. فهي على تنوعها، تسوّق لشخصية تتفاقم في رأسها أسئلة لزجة، لم يستوعبها أي قالب فني مُحدَّد الهوية بعد.
فمنذ أشهر، جدد الشاب الثلاثيني مع أصدقائه، فرقتهم الموسيقية "كبريت". فرقة تحاول أن تجد مساحتها في "الأندرغراوند" العربي في برلين، المكان الأكثر صخباً وملاءمة لاحتمالات الفنون والتجريب. أطلقت "كبريت" أغنيتها الجديدة "خليني" على يوتيوب، وذلك بعد سلسلة أغان في ألبوم عنوانه "ممكن بوكرا". خلق هذا التنوع لإيبي شخصية مفارقة لا تمتنع عن تجاوز كل الخطوط الحمراء، وذلك في عالم تتزايد همومه ويضيق زمنه، خصوصاً أن إيبي لا يزال يحمل اليمن معه في كل أعماله.
يؤكد إيبي أن هذه التجارب كونت معاني إيجابية في داخله. يقول لـ"العربي الجديد": "لا أزال ممتنّاً لتنوُّع هذه المعاني، ومستمرّاً في اكتشاف طرقٍ لتكوين أعمال فنية جديدة تعبر عن ما أريد قوله في الوقت الحالي. التنويع ليس بالسهل للفنان، إذ أرى العديد من الفنانين يعلقون أحياناً في زاوية يصعُب الخروج منها. ليس هذا بالمشكلة عندي. ولكني أرى العالم منوعاً، وأفضّل العبث به في مجالات عدّة. آخر محاولاتي كانت بالكتابة، وأحسُّ بسعادة غامرة أن كتاباتي البسيطة حازت على إعجاب من هم حولي. يثيرني هذا الإعجاب ويشجعني، ويدفعني على الخوض في مغامرة طويلة مع الكتابة الأدبية باللغة العربية إذا أمكن ذلك".
يكتب إيبي ويغني، ويلامس عبر كلماته الألم الشخصي والحب في تناقضاته. يؤكد أن تجربته أشبه بأداة توصله بالأشياء التي تغمره بالسعادة. فالفن كان على الدوام أمله الوحيد في الاقتراب من "جوانيّة" مؤرّقة ومنشغلة بالأفكار. عاش إيبي طفولة مربكة، تنقل خلالها بين مدن اليمن والعراق وليبيا والإمارات، "اعتدتُ منذ الصغر على لهجات مختلفة وبيئات متنوعة. درست إدارة الأعمال الدولية، لأنّني لم أكن متاكّداً مما أريده فعلاً. مراهقتي كانت صعبة وغريبة. وكانت طفولتي إلى حدّ ما مهمّشة، لأني تنقلت كثيراً، وكان غياب والدي عن المنزل ملحوظاً جداً، ولكن مع ذلك، كانت تتوفر لنا حريات واسعة. أعتقد أن فكرة التمرد في داخلي أتت من هذه المرحلة".
يشير إيبي إلى أن "الفن كان مساعدي وصديقي الأوَّل في فترة ما. وفي فترة لاحقةٍ، أصبح عاملاً أساسياً في استقراري كفردٍ في أوروبا، ووسيلةً للتعبير عن غضبي وحزني. وأحياناً أصبح وسيلة جهاد ونضال للتعبير عن معتقدات وأفكار، لا يمكن الإقرار بها جهاراً في اليمن".
يوضّح إيبي أن "الفن قويّ للغاية، ويؤثّر بنا بأشكاله المتعددة، ويؤدي وظائف فردية وجمعية، يمكنها أن تحرر الإنسان". لكن هذه التجربة في مدينته الأولى صنعاء، كانت أشبه بصراخٍ في هاوية. حاول إيبي إنقاذ تجربته عبر إفراد صوته في فضاءات عالمية، مكنّته من زيارة عواصم كبرلين وباريس ونيويورك. وارتبطت أعمال إيبي دوماً بهويّته اليمنية، من دون أن تشل حركته في خوض عوالم ناشئة ومختلفة، لا بل جديدة عليه تماماً ومختلفة.
ويوضح إيبي أن الفضول حثه أولاً للتعرُّف إلى الفن اليمني، لكنه لم يجد متحفاً أو كتباً تحتوي على معلومات عن الفن الحديث في اليمن، "للأسف كان من الصعب أن أجد معلومات. بالتأكيد كانت هناك حركة فنية في اليمن في السبعينات والثمانينات، لكن المعلومات غير متوفرة بشكل واسع. أحياناً، أشعر أن جزءاً كبيراً من التاريخ المعاصر للفن اليمني لم يُوثَّق. الفكرة هذه مخيفة"، يقول بحزن.
بالنسبة لإيبي، كان التضييق الفكري في المجتمع اليمني مُحفزّاً رئيسياً لاستخدامه أفكاراً ذات إيحاءات جريئة، "لو كنا منفتحين، كانت المواضيع التي سأناقشها في فنوني مختلفة تماماً. الجماعات الإرهابية والمتشددة دينياً والأنظمة الاستبدادية يجب أن تخاف من الفنان، لأن قدرته عظيمة. الفن يتواصل مع المشاعر مباشرة من دون أي حواجز. أحس بخطورتي بسبب لقبي كفنان".
يتأثر إيبي بصباحات فيروز، وبفنانين من العصر الذهبي كأم كلثوم وأسمهان ونجاة الصغيرة. كان مشغولاً في سنواته العشرينية بمطربين وفنانين وكتاب من الغرب، لكنه اليوم، يتواصل مع الإرث الفني العربي ومخزونه الثقافي بتصالح تام. يقول: "أتأثر بشخصيات أفهمها أكثر، وأحسّ بكلامها، وأعيش زعلها وخصامها وغضبها، مثل محمود درويش ونوال السعداوي وعبدالله البردوني ومي زيادة، أحياء كانوا أو موتى، لا يهم. أحس بهم حين أكتب أي شيء في هذه الأيام".
يتنقل إيبي كل عام بين مدن العالم، باحثاً عن هويات أرقه وأسئلته الحثيثة، لكنه يوسّع عبرها نطاق الحنين إلى برلين، إذ نشأت بينه وبين هذه المدينة علاقة خاصة. "إنها مدينتي حقاً"، يقول، ويشير إلى أن علاقته بصنعاء لن تتبدل، فهي "حب أبدي" يعود إليه كل يوم، مع قهوته العدنيّة السوداء التي كانت "ثيمة" أساسية استخدمها في أحد معارضه الفنية. حالياً، وبينما يتحضر إيبي لإقامة فنية جديدة، يمدّد بعضاً من فراغ وقته في متعة الأنستغرام، إذ يؤكّد أنه "وسيلة باهرة لتوصيل أعمال الفنان لجمهور أكبر".