إياد حافظ..اليوم موسيقى وغدا دولة!

05 ابريل 2015
العلم الفلسطيني رمز الثورة والفن والارتباط بالوطن(فرانس برس)
+ الخط -
عاش إياد حافظ مرحلة طفولته وشبابه في مخيم اليرموك وترعرع في أزقته وحواريه الضيقة، وكان منذ صغره يعزف آلة الأورغ الصغيرة التي اشتراها له والده وهو في عمر الـ10 سنوات، وشكل مع إخوته وأبناء مخيمه فرقاً موسيقية تغني لفلسطين والثورة الفلسطينية. وبابتسامة تعيده بالذاكرة إلى تلك الأيام يقول الدكتور إياد: لقد كانت أياماً كلها حب لفلسطين وللثورة الفلسطينية في حواري المخيم وأزقته، ولم يكن يخلو بيت من كاسيت لفرقة العاشقين التي غنت لفلسطين وحب فلسطين، وما أن بلغ سن الثامنة عشرة حتى درس في معهد دمشق المتوسط DTC ليتخرج فيه مساعد مهندس، لكن الشاب الذي تعلق قلبه بعالم الموسيقا والمسرح لم يشبع المعهد طموحه فيمّم وجهه شطر المعهد العالي للموسيقى الفنون المسرحي.
ففي أحيان كثيرة تحتاج المواهب الجديدة إلى المناخ الملائم والمناسب، كي تكشف عن مخزونها والطاقات التي تحبل بها في مجالات اهتمامها، وهي حالة الدكتور إياد حافظ، الذي لم يكن لطموحه حدود في دراسة علوم الموسيقا وفنونها، فكان توجهه نحو تعميق تلك الرغبة وعدم وضع حد لآفاقه المشرعة على كل الآفاق.
كان لقاء الدكتور إياد الأول مع الموسيقار صلحي الوادي مؤسس الأوركسترا الوطنية السورية وأحد أعمدة الفكر الموسيقي العربي، وكيف طرح عليه أن يكون عازف آلة الباسون، وهي من الآلات النفخية الصعبة التي تتطلب جهدا ومهارة في إتقان العزف عليها، وبدأ مشواره كعازف باسون، وقد كان العازف الأول في الأوركسترا الوطنية السورية لآلة الكونترباسون، ويذكر أيضا كيف كان يدرس ويحضر ويثابر، وهو في طريقه من المخيم إلى دار الأوبرا، المقطوعات الموسيقية. ويضيف الدكتور إياد أن المفارقة كانت تكمن في حجم الضجيج والصخب الذي يملأ المخيم وأزقته والذي كان بالنسبة له حالة إبداعية لو جُمعت الأصوات الصادرة من أبواق السيارات وصخب الأطفال في الحواري وأصوات أصحاب المهن التي تخرج من محلاتهم وصوت بائع الغاز أو الكاز والباعة الجوالين لشكلت كونشرتو بديعاً، كل ذلك سينتهي بدخوله دار الأوبرا لتبدأ كما يقول سيمفونية جديدة مختلفة عن تلك التي تُعزف في أزقة المخيم.
هذا هو الجو النفسي العام، الذي عاش فيه إياد حافظ، والذي منحه طاقة وتيقظا وقدرة على استكناه الموسيقى في الطبيعة وفي الأصوات.
في عام 2002 حصل بعد تخرجه على منحة لإكمال الدراسات العليا في إيطاليا، ويقول الدكتور إياد إن المنحة كانت باتجاه روسيا، ولكن القدر ومشيئة أحد زملائه الذي حول الإيفاد من روسيا لإيطاليا، وكان هو بصدد دراسة اللغة الألمانية ويعد نفسه للسفر لألمانيا، لكن القدر غير كل شيء وكانت الوجهة نحو إيطاليا.
ويضيف أنه لو عادت الأيام وكان أمام خيارين ألمانيا أو إيطاليا لاختار إيطاليا لما وجده في هذا البلد من فنون وعلوم صقلته معرفيا وأكاديميا.
حزم حقائبه وترك خلفه زوجته التي كانت تحمل بين يديها طفلهما ذا الـ 38 يوماً والذي وكان يتصل مرارا وتكرارا ليسمع صوته، وبعد الكفاح والدراسة والعمل المتواصل في عدد من المهن لأن المنحة المرسلة لم تكن تفي بمتطلبات المعيشة، استطاع إياد لم شمل أسرته لتبدأ قصة نجاح جديدة معه، وحصل على المايسترو بقيادة الكورال وأقام عدداً من الكونشرتو في أماكن عديدة وأثبت وجوده في الساحة الأكاديمية الإيطالية.
وبعد الإصرار على المضي في مشوار التحصيل العلمي حصل على قبول في الدكتوراة البحثية من جامعة سابينزا روما، كلية الآدب والفلسفة، وقد درس في قسم تاريخ وتحليل الثقافة الموسيقة الإنشاد الديني وأثره على المجتمع وتطوره، ونال البحث الذي قدمه على تقييم درجة الشرف من قبل اللجنة باعتباره بحثا جديدا من حيث المنهج والنتائج التي توصل إليها، وقد كُرم من قبل عدد من الجهات الرسمية لأهمية هذا البحث.
تجدر الإشارة أن د.إياد كان من مؤسسي أوركسترا شباب فلسطين، الأوركسترا الوطنية الفلسطينية، وكان المشارك في أول حفل للأوركسترا في مدينة القدس الذي حمل عنوان "اليوم أوركسترا وغداً دولة" .
ويصف الدكتور إياد رحلته الطويلة والشاقة للمشاركة في ذلك الحفل التأسيسي في فلسطين، عندما أقلعت طائرته من مطار ليوناردو دافنشي باتجاه عمان، كانت مشاعره مختلطة بين الحنين والشوق والخوف من عدم السماح له بالدخول لأنه لم يكن بعد قد حصل على الجنسية الإيطالية، وبالفعل وقع المحظور وتم منعه من الدخول لولا العناية الإلهية التي ساعدته وساعدت معه بعض رفاقه من حملة الوثائق الفلسطينية، وما أن دخل وأمضى اليوم الأول حتى قال لرفاقه أريد الذهاب للمسجد الأقصى، في البداية كلهم عارضوه خوفا من تكرار ماحدث معهم بالأمس، ولكنه أصر واتجه للمسجد الأقصى ودخله والدمع في عينيه من الفرحة ومن هول المكان وعظمته، وفي طريق العودة أصر على الذهاب لمنزلهم في عكا وذهب مع بعض الأصدقاء هناك وأمضى يوما يصفه بأنه من أجمل أيام العمر.
وعندما عاد لإيطاليا أحضر معه، كأي فلسطيني، حجارة وترابا من عكا، وأحضر معه "يرغول" من فلسطين حيث هو الآن بصدد أن يجعل هذه الآلة التراثية الفلسطينية تدخل في قائمة اليونسكو للتراث الموسيقي العالمي. وقد شارك أيضا مع الأوركسترا في حفلاتها في الخارج، واليوم يقف في قاعات جامعة روما سابينزا مستذكرا مخيم اليرموك وذكرياته ويعتصر قلبه ألماً لما حل بمدينة الياسمين.
يحمل د. إياد حافظ الجنسية الإيطالية، وقد عمل أيضا عضواً في المجلس البلدي لمدينة بيروجيا الإيطالية لمدة 5 سنوات عن مقعد الاجانب، وأسس مع مجموعة من الناشطين الإيطاليين مجموعة فلسطيني بييروجيا التي كان لها دور بارز في الدفاع عن الحق الفلسطيني المشروع وإبراز عدالة القضية الفلسطينية.
يقول إياد "يولد كل إنسان في وطن إلا الفلسطيني يولد وطنه داخل قلبه"، ويطمح يوماُ أن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة العربية كي يسخر طاقاته وإمكاناته الأكاديمية والعلمية في خدمة المجتمع.
المساهمون