إهدار ثروات اليمن: توجه حكومي لبيع حقول نفطية

21 ابريل 2020
الصراع يكبّد القطاع النفطي خسائر باهظة (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت مصادر مطلعة عن توجه الحكومة اليمنية لبيع ما نسبته 50% من أكبر الحقول النفطية في البلاد، المتمثل في قطاع 18 التابع لشركة صافر الحكومية في المناطق الشرقية في محافظتي مأرب والجوف.


يأتي ذلك وسط ظروف صعبة يمر بها اليمن بسبب الصراع الدائر في البلاد، إلى جانب الانشغال الدولي والمحلي بالتصدي لفيروس كورونا وتنفيذ إجراءات احترازية واسعة لمكافحته.

وتمتلك شركة صافر الحكومية القطاع النفطي 18، والذي يعد أكبر الحقول النفطية في اليمن، إذ تعمل الحكومة اليمنية على إعادة الإنتاج كاملا من هذا الحقل الذي يشمل مأرب والجوف بكامل طاقته منذ العام الماضي دون جدوى حتى الآن، مع الاكتفاء بإنتاج وتصدير ما يقرب من 15 ألف برميل في اليوم من قطاع يتجاوز إنتاجه نحو 100 ألف برميل يومياً.

وأكدت المصادر، التي رفضت الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد"، أن بعض الأطراف في الحكومة اليمنية لم تسمها تسعى لاستغلال الانشغال الجاري بفيروس كورونا واستكمال المفاوضات التي جرت أخيراً في العاصمة الأردنية عمان، وتجري حاليا مباحثات مع شركات نفطية دولية عاملة في اليمن لإنهاء عملية البيع لأكبر حقول النفط وأحد أهم مصادر الدخل في البلاد.

وتتحدث مصادر أخرى مطلعة في وزارتي المالية والنفط، عن أن حكومة معين عبد الملك، تسعى من خلال هذه الخطوة إلى جانب بحث خطوات أخرى تتفاوض عليها مع أطراف دولية أخرى للحصول على قرض بقيمة 2.5 مليار دولار لوضعها كوديعة في البنك المركزي في عدن بعد تباطؤ السعودية في تجديد الوديعة، مقابل ذهاب عائدات النفط الخام لسداد القرض.

وكان وزير النفط والمعادن في الحكومة اليمنية، أوس العود، قد كشف في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي عن توجه وزارة النفط لطرح بعض القطاعات النفطية للاستثمار أمام الشركات الأجنبية.

ويصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتياز في اليمن إلى 105 حقول، منها 13 حقلاً تخضع لأعمال استكشافية و12 حقلاً منتجاً و81 حقلاً قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب. ويبلغ عدد الشركات العاملة في مجال الاستكشاف في اليمن حوالي تسع شركات وهناك تسع شركات إنتاجية.

وتذكر إحصائية رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن المخزون النفطي في اليمن يقدر بنحو 11.950 مليار برميل منها 4.788 مليارات برميل نفط قابلة للاستخراج بالطرق الأولية والحالية.

ويستهجن الباحث الاقتصادي والاختصاصي في مجال الطاقة، عبد الواحد العوبلي، ما تنوي الإقدام عليه شركة صافر النفطية الحكومية، لأن القطاع (18) النفطي وفق حديثه لـ"العربي الجديد" حقل جاهز ومنتج ولا يحتاج لشريك أجنبي على الإطلاق. 

وشكك العوبلي في الطريقة التي تتبعها "صافر" في عملية التفاوض "لأنها تجري بصورة غير قانونية، فالمفروض أن يتم الإعلان عن مناقصة بهذا الشأن وفحص العروض المقدمة، وفوق كل ذلك موافقة المؤسسات الرسمية القانونية مثل البرلمان والذي لا يزاول كما هو معروف نشاطه منذ بداية الحرب في اليمن".

وأدت الحرب الدائرة في اليمن منذ خمس سنوات إلى توقف العمل في حقول إنتاج النفط والغاز وإغلاق مرافئ التصدير، وخسارة اليمن وفق تقديرات حكومية نحو 50 مليار دولار كان ممكناً أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية.


وكان الإنتاج يصل إلى حوالي 127 ألف برميل يوميا في المتوسط قبل الحرب في 2014، حيث يعتبر النفط المحرك الرئيسي لاقتصاد اليمن، ويمثل 70% من موارد الموازنة، ونسبة كبيرة من موارد النقد الأجنبي، وفق تقارير حكومية.

ويرى الخبير النفطي، محمد مطلق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الوضع الطبيعي في صناعة النفط يتطلب اللجوء للشركات الأجنبية الكبيرة في هذا المجال لسببين رئيسين: توفير التمويل والخبرات التكنولوجية لإجراء عمليات الاستكشاف والتنقيب والتي قد تحمل، حسب قوله مخاطر عدم النجاح.

وفي ما يخص السبب الأول المتعلق بالتمويل، يوضح مطلق أن هذه العملية تحتاج إلى إجراءات شاقة وطويلة وتكلف ملايين الدولارات.

ويعاني اليمن من قرب نفاد الوديعة السعودية المخصصة للاستيراد والتي انتهت عملياً بعد إجراء البنك المركزي بعدن أخيراً آخر عملية مصرفية للاستيراد، الأمر الذي يجعل البنك بدون احتياطي نقدي من العملات الأجنبية في ظل ما تواجهه البلاد من أزمة غذائية وتراجع المخزون السلعي في الأسواق في بلد يعتمد بشكل رئيسي على الاستيراد من الخارج.


في السياق، يرى الباحث الاقتصادي، جمال سلام، أن هناك صراعاً شديداً في الحكومة اليمنية المنقسمة بين طرفين، طرف يقوده رئيس الحكومة القريب جداً من السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، وآخر محسوب على أطراف في الرئاسة اليمنية.

وقد تندرج هذه العملية وفق حديث سلام لـ"العربي الجديد" ضمن هذا الصراع، خصوصاً في الظروف التي تمر بها مأرب التي تشهد معارك شديدة على تخومها بين القوات الحكومية والحوثيين، إضافة إلى السيول والفيضانات التي اجتاحت بعض مناطقها الأسبوع الماضي.

وتقف الإمارات التي تسيطر على أغلب المواقع الاقتصادية في اليمن ومن أهمها مواقع إنتاج وتصدير النفط والغاز خصوصاً الحقول المنتشرة في المحافظات الجنوبية من اليمن، عائقاً أمام عودة الشركات الأجنبية المتعاقدة مع الحكومة اليمنية لإدارة حقول الإنتاج والتصدير.

من جانبها، تتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بتعمد تدمير الاقتصاد الوطني اليمني والمنشأة العامة والبنية التحتية، على خلفية الاستهداف الأخير الذي تعرضت له محطة ضخ النفط (بي إس2) في منطقة صرواح بمحافظة مأرب شمال شرقي اليمن.

ويعد خط تصدير النفط المرتبط بحقل صافر في مأرب إلى منطقة التصدير في ميناء رأس عيسى في الحديدة غرب اليمن، متوقفاً منذ 2015 بسبب عرقلة الحوثيين تشغيله، والقيام بتفريغ الأنبوب من النفط وجعله عرضة للصدأ والاندثار.

واعتمدت الحكومة مطلع العام الماضي ميناء "النشيمة" في محافظة شبوة (جنوب شرق) كبديل مؤقت لعودة إنتاج وتصدير النفط الخام بعد توقف أنبوب التصدير صافر - رأس عيسى وموانئ تصدير أخرى تخضع لسيطرة الإمارات مثل ميناء بلحاف في شبوة.

واعتبرت وزارة النفط والمعادن في بيان اطلعت عليه "العربي الجديد"، استهداف محطة الضخ الخاصة بأنبوب صافر النفطي بمثابة عمل تخريبي وكارثة على طريق الاستنزاف المتواصل لمقدرات الدولة، باعتبارها من أهم المكتسبات الاقتصادية اليمنية.

وقال عضو تكتل اللجان النقابية للمنشأة النفطية في مأرب (شمال شرق)، أسعد مهدي، لـ"العربي الجديد" إن القذائف التي أصابت محطة الضخ (بي إس2) أدت إلى تدمير أجزاء واسعة منها، ما يؤدي إلى صعوبة إعادة تشغيلها في المستقبل.

وقدر مهدي تكلفة إعادة بناء المحطة بنحو 20 مليون دولار، في وضع صعب يمر به اليمن من أزمة اقتصادية ومالية متفاقمة ومن صعوبة إعادة تشغيل مختلف المؤسسات والمنشآت الاقتصادية وإعادة التصدير المتاح للنفط والغاز.

من جانبه، يرى الباحث في مركز الدراسات والأبحاث النفطية في صنعاء، أمين العليي، خلال حديث لـ"العربي الجديد" أن حكومة معين عبد الملك لم تسجل أي موقف تجاه العبث المتواصل لدولتي التحالف السعودية والإمارات والذي يفوق عبثهما معظم أطراف الصراع، من باب المندب إلى المهرة وسقطرى، إضافة إلى تقويض الحكومة في إدارة المواقع والمنشآت الاقتصادية.

وحذر العليي من خطورة استخدام الاقتصاد الوطني كورقة في الحرب والصراع الدائر في البلاد، إذ تسبب ذلك في تدهور الأوضاع المعيشية وتوقف صرف مرتبات موظفي القطاع العام وانتشار الجوع.

وأضاف أن بلاده تواجه أزمة قد تكون أخطر من الحرب والصراع، وهي تفشي فيروس كورونا وتبعاته الكارثية التي أصابت اليمن بأضرار اقتصادية ومعيشية بالغة.

المساهمون