إهانة الدول أيضاً

03 يونيو 2015

بريمر في جولة قرب بغداد (19يونيو/2007/أ.ف.ب)

+ الخط -
الدول والجماعات، كما الأفراد، يشعرون بالمهانة، ويحسون بطعم الذل، وعندها ينفجر بداخلهم عنف رهيب، لا يتوقعه أحد. الدول والمجموعات والمجتمعات، كما الأفراد، تسعى للانتقام، وفي سعيها هذا، غالباً ما تدمر نفسها، وتدمر الآخرين، لأن المهانة والذل لا يتركان مكاناً للعقل ولا للفكر ولا للعدالة ولا للقانون.

اتفاقية فرساي المشؤومة سنة 1919 هي التي خلقت النازية، وعلى ضفاف الذل الذي شعر به الألمان، بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، نبت هتلر وتبعته أمة عريقة من الألمان إلى حتفها الأخير، هي وملايين البشر الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية، لو علم ذلك الذي كتب المسودة الأولى لاتفاقية الذل في قصر فرساي، أن هذه الوثيقة ستأتي على أرواح ملايين البشر، لما تحركت يداه، لكتابة بنودها المجحفة في حق الألمان.

لو فكر الحاكم الأميركي، بول بريمر، ساعة واحدة، قبل حل الجيش العراقي (العلماني) والجيد التدريب لما دفع آلاف الضباط العراقيين إلى صفوف القاعدة، ثم داعش الآن، ولما أعطى للتطرف سلاحاً فتاكاً، يعجز العالم عن مواجهته الآن. ماذا سيفعل جندي عندما تحتل بلاده وتهان أمته وتستباح كرامته وتهدد أسرته؟ إنه لا يعود بعدها يفكر في شيء، يحمل أي سلاح يجده في طريقه للانتقام لشرفه.

لو فكرت إيران وحكومة نوري المالكي ومليشيات التنظيمات الشيعية في الوحدة الوطنية، وفي خطورة الطائفية، لما عمدت إلى تقسيم العراق إلى سني من الدرجة الثانية، وشيعي من الدرجة الأولى، ولما وضعت بيضها كله في سلة طهران، وها نحن نرى، اليوم، ثمار ما زرعته هذه السياسة، وما أدى إليه القتل على الهوية في العراق. قطاعات واسعة من سنة العراق تقبل الآن بداعش وهمجيتها وبربريتها، ليس حبّاً فيها، ولكن، انتقاماً من إيران وحلفائها في العراق الذين جاءوا على ظهر دبابة الاحتلال، للانتقام من صدام، فأصابوا العراق في مقتل.

عندما رفض الاتحاد الأوروبي عضوية تركيا في ناديه المسيحي المغلق، شعر الأتراك بالإهانة، فاتجهوا إلى التصويت على حزب إسلامي معتدل، في بلد علماني، كان حكامه يحاربون الدين ورموزه. لو لم يرفض الاتحاد الأوروبي دخول تركيا المسلمة إلى بيت أوروبا القوي والغني، ما كان الأتراك سيعطون لحزب العدالة والتنمية كل هذا الوزن الانتخابي على مدار 14 عاماً. ومن حسن حظ الأتراك أن أردوغان لم يكن زعيماً قومياً متطرفاً، وإلا لكانت سياسته اتجهت إلى تقوية الجيش، وإلى التحريض على الغرب وثقافته وحضارته. الشعوب لا تهان، وعندما تشعر بالإهانة، لا أحد يمكن أن يتوقع ردود فعلها.

لا يوجد حل سحري بعد أن يخرج مارد الكراهية من القمقم، الحوار يجب أن يسبق الإهانة، والسياسة يجب أن تسبق العنف، والشراكة يجب أن تحل محل الإقصاء، وتوزيع الثروات والسلطات، ولو بطرق غير متساوية، أفضل من أخذ كل شيء، ثم خوض حرب شاملة تأتي على كل شيء.

الأراضي والسلطات والثروات والامتيازات التي نحصل عليها بالقوة، ونضطر إلى خوض الحروب الدائمة، من أجل حمايتها، أشياء ليست لنا الملكية الحقيقية لأي شيء، هو في اعتراف الآخر لك بحيازته.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.