إنسومنيا [2]

12 اغسطس 2015
ويخنق في صدره صرخة (Getty)
+ الخط -

يتقلّب في فراشه. الساعة تشير إلى الواحدة وسبع وعشرين دقيقة، من بعد منتصف الليل. يغمض عينَيه، ربما يفلح هذه المرّة. "ربما أغفو. سوف أبقيهما مغلقتَين". يشعر بنفَسه وقد بدأ يتقطّع. يفتح عينَيه. يخشى من الاختناق، في حال لم يفعل. كأنهما متنفّسه. يتناول هاتفه الخلويّ. إنها الثانية والنصف تماماً من بعد منتصف الليل. "ثلاث ساعات. ما زال أمامي ثلاث ساعات". يضعه جانباً، كأنه يريد التخلّص منه. لا بدّ من أن يحاول من جديد. "ماذا لو انقطع نفَسي في غفوتي؟ ماذا لو لم أستيقظ؟".

يستلقي على ظهره. يغمض عينَيه من جديد، ويأخذ نفساً عميقاً محاولاً الاسترخاء. تتسارع في رأسه أحداث يومه الطويل. يشعر بجسده وقد بدأ يتشنّج. هناك، في ذلك الوادي السحيق يجد نفسه وحيداً. اختفى شقيقه. يحاول مناداته، من دون جدوى. صوته يختفي بدوره. الجبال تحاصره. يشعر باختناق. يفتح عينَيه. على حافة السرير، يجلس وقد ألقى قدمَيه على أرضيّة الغرفة الباردة. يتسارع نبضه ويرتجف جسمه ويتعرّق.

إنها الرابعة فجراً. كأن الصباح لن يحلّ أبداً. يخرج من غرفة النوم. لا شكّ في أن زوجته ستصحو، إذا استمرّ في تقلّبه وكوابيسه. يفتح شبّاك غرفة الجلوس ويشعل سيجارة. بقبضته يضرب الحائط، ويخنق في صدره صرخة.

يتمدّد على الأريكة، قبل أن يقفز سريعاً ويجلس على حافتها. يتسارع نبضه من جديد. "حسناً. لن أستلقي". يقع نظره على ذلك المجسّم القابع على طاولة العمل، بالقرب من مكتبته التي كدّس فيها فوق كتبه القديمة أخرى جديدة، لم ينجح في قراءة أي منها أخيراً. يراقب المجسّم الذي تأخّر في تسليمه، أسبوعاً كاملاً. لأكثر من ستّ عشرة ساعة يومياً، يركّز على تفاصيله.. عبثاً. يحنق.

يشعر بأن ثمّة ما يسحب روحه في داخله، إلى الأسفل. زميلته في العمل نصحته بمراجعة طبيب، عندما رأته قبل أيام شاحباً وقد فقد تركيزه. "طبيب؟ لست بحاجة إلى طبيب. إنه مجرّد قلق. لا بدّ من أن نحصل على المشروع. تركيزي مشتّت هذه الفترة". زوجته أيضاً أصرّت على ذلك، وقد رأته جدّ متوتّر. لكنه قاطع. "الأمر لا يستأهل. إنه مجرّد إرهاق عابر".

***

قبل يومَين، عُثِر على جواد جثّة هامدة في سيارته. طلقة واحدة اخترقت صدغه. كانت كافية لترديه. وأضيفَ رقماً إلى قائمة عشرات الذين وضعوا حداً لحياتهم في الشهر الأخير. وأضيفَ حرفَين أوّلَين إلى قائمة طويلة من الأحرف الأولى، في نشرة قوى الأمن الداخلي الأخيرة. أعيدَ إنهاؤه لحياته - كما حال الآخرين - إلى ظروف صعبة تشهدها البلاد. وانتهى بيان الجهات المختصّة، ونُشِر "الخبر المثير" في أكثر من وسيلة إعلاميّة.

أحدٌ لم يُشر إلى مجرّد اكتئاب نفسيّ تمكّن منه، في حين ظلّ يهرب. هو لم يُدرك أن الهرب لن يطول.

اقرأ أيضاً: إنسومنيا
المساهمون