إنذار البصرة: رفض التغلغل الإيراني وتمسك بالمطالب

09 سبتمبر 2018
من تظاهرات البصرة الأخيرة (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

دخلت الاحتجاجات في العراق شهرها الثالث، وسط تصاعد الغضب الشعبي من تردي الأوضاع المعيشية واستمرار الأزمة السياسية نتيجة ارتهان القوى المحلية لإرادات خارجية، لكن الإنذار الأهم أتى من البصرة، بعدما تسارعت التطورات في المحافظة خلال الأيام الماضية وبلغت ذروتها مساء الجمعة، عقب تركز الاحتجاجات على المصالح الإيرانية ومراكز القوى المؤيدة لها، لتكون الإشارة الأبرز إلى مدى وجود موجة شعبية ترفض التغلغل الإيراني في المحافظة. وترجم الغضب باقتحام وإحراق القنصلية الإيرانية، ومقرّات لمليشيات مدعومة من إيران، فضلاً عن إطلاق شعارات معادية للوجود الإيراني مثل "إيران برة برة، البصرة تبقى حرة".
ولم يجد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي يسابق الوقت للحصول على ولاية ثانية من خلال ضمان الكتلة النيابية الكبرى، أمامه أمس سوى إقالة قائد عمليات البصرة الفريق الركن جميل الشمري بالتزامن مع إعادة فرض حظر التجول في المحافظة أمس السبت وسط حالة من الاستنفار الأمني. كما لم يتردد العبادي، خلال الجلسة النيابية الطارئة التي عقدت أمس السبت، في التحذير من تحول الاحتجاجات في محافظة البصرة إلى نزاع مسلح، مقراً في الوقت نفسه بأن جميع مطالب المحتجين هناك محقة. وأكد أن البصرة تواجه تحديات عديدة وأن مطالب أهل المحافظة محقة، كاشفاً عن أن الحكومة قررت تعويض الضحايا المدنيين والعسكريين الذين سقطوا في التظاهرات. 

في موازاة ذلك، سعى وزيرا الداخلية قاسم الأعرجي والدفاع عرفان الحيالي إلى النأي بنفسَيهما عن مسؤولية قمع الاحتجاجات وسقوط الضحايا خلال احتجاجات أول من أمس الذين ارتفع عددهم إلى سبعة بحسب ما أعلن مسؤول في دائرة صحة محافظة البصرة جنوب العراق، رفض الكشف عن اسمه.
وقال الأعرجي إن وزارة الداخلية أصدرت أوامر واضحة بحماية المتظاهرين منذ بداية شهر يوليو/تموز الماضي. وأكد أن الوزارة فرضت عقوبات على كل من اعتدى على المتظاهرين أو ترك موقعه في حماية المؤسسات الحكومية، متعهداً بإجراء تغييرات لعدد من القادة الأمنيين لاستيعاب الموقف. أما وزير الدفاع فأكد أن القوات المسلحة العراقية ليست مخولة بإطلاق النار على أي مواطن "كون الجيش ابن الشعب والمدافع عنه" على حد تعبيره.

وفيما أعلنت قيادة عمليات البصرة، فرض حظر على التجوال في المحافظة، اعتباراً من الساعة الرابعة من عصر أمس السبت وحتى إشعار آخر، قال ضابط في قيادة عمليات المحافظة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "القوات الأمنية بمختلف صنوفها، دخلت حالة استنفار قصوى، حيث تم توزيع القطعات الأمنية في الشوارع والجسور والمناطق التي تشهد تظاهرات، كما تم فرض أطواق أمنية في محيط الدوائر الحساسة في عموم مناطق المحافظة". وأكد، أنّ "الوضع في المحافظة هادئ يشوبه حذر شديد، بينما توجد تحركات سياسية من قبل مسؤولين، يسعون إلى لقاء قادة من التظاهرات ووجهاء عشائر لامتصاص حدّة الغضب الشعبي".

ويدرك المسؤولون العراقيون أن الموجة الرافضة للتدخل الإيراني في الشؤون العراقية عموماً، وأوضاع البصرة على وجه الخصوص ليست وليدة اللحظة، بل مثّلت تراكمات لـ15 عاماً تلت الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وفقاً لما أكده أحد الناشطين في احتجاجات البصرة، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الجميع يعلم مدى سطوة ونفوذ الإيرانيين، والفصائل المسلحة المرتبطة بهم في البصرة. وأضاف أن "كل شيء يذهب للإيرانيين، الاستثمارات، والعقود، والعمالة، والنفط، والعملة الصعبة"، موضحاً أن "هذه الأمور حوّلت البصرة من محافظة غنية بالنفط إلى واحدة من أفقر المناطق في المنطقة". ونفى "وجود أية جهة قامت بتحريض المتظاهرين على اقتحام القنصلية الإيرانية في البصرة"، مؤكداً أن "الأفعال التي جرت، والشعارات التي أُطلقت، ما هي إلا غيض من فيض، لما يحمله أهالي البصرة من استياء ضد إيران". وتابع: "تتعرّض بعض قيادات الاحتجاجات لضغوط كبيرة من قبل مليشيات مرتبطة بإيران"، مشيراً إلى أن "بعض الناشطين تلقوا تهديدات بالتصفية في حال استمر حراكهم الاحتجاجي".

وتابع الناشط نفسه، قائلاً إن "قيام مليشيات وعصابات مسلحة بإعدام عدد من المتظاهرين، بإطلاق نار مباشر في الرأس يمثل دليلاً واضحاً على أننا بدأنا ندفع ثمن عدائنا لإيران". وذكرت وسائل إعلام محلية أنّ "الشرطة العراقية في البصرة، عثرت فجر أمس السبت، على جثث ثلاثة شباب أصيبوا بطلق ناري في الرأس"، مضيفة أنّ "جثة الشاب الرابع وُجدت مرمية في منطقة تنومة بالمحافظة". وجاء ذلك بعد ساعات على تهديدات أطلقها زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي ضد المتظاهرين. وكان الخزعلي دعا أنصاره إلى "الاستعداد لتنظيم تظاهرات ضد الحركة الاحتجاجية في البصرة"، مؤكداً في كلمة نقلتها وسائل إعلام تابعة له أن "مليشيات الحشد الشعبي ستتدخل لضبط الأوضاع في البصرة"، مضيفاً أنه "لن نسكت وسنتدخل بقوة".

إلا أن تهديدات المليشيات بالتدخل في البصرة مرفوضة جملة وتفصيلاً بالنسبة إلى رئيسة منظمة "الأمل" الإنسانية، القيادية في "تحالف المادة 38 من الدستور"، هناء أدور، التي قالت إن "تحالفها لن يسمح بأي حال من الأحوال بتدخل المليشيات في البصرة". وأكدت في حديث مع "العربي الجديد" أن "القمع المستخدم من قبل المليشيات والقوات العراقية غير مسموح به إطلاقاً".



وأشارت أدور إلى "إجراء اتصالات بوزارة الداخلية العراقية، والسلطة القضائية، ومفوضية حقوق الإنسان، لإبلاغها عن الانتهاكات بحق المتظاهرين"، رافضة "تعرّض المحتجين للاعتقال من قبل القوات العراقية والمليشيات". وشدّدت على "ضرورة محاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين"، موضحة أن "القانون يحاسب على استخدام القسوة من قبل الأمن". ورحّبت أدور بـ"إقالة قائد العمليات الأمنية في البصرة من منصبه"، مطالبة بأن "تشمل هذه الإجراءات قرارات أخرى لضبط عمل المليشيات".

وقرر العبادي، أمس، بصفته القائد العام للقوات المسلحة إقالة قائد عمليات البصرة الفريق الركن جميل الشمري، على خلفية الاحتجاجات الأخيرة في البصرة، بحسب بيان للمتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول، جاء فيه أن "العبادي كلف الفريق رشيد فليح بدلاً منه". وفور استلامه منصبه، وعد فليح في تصريح صحافي مقتضب بأنه "سيعمل على استتباب الأمن والتعاون المشترك بين المواطنين والقوات الأمنية".

بدوره، رحّب مجيد الركابي، وهو من قيادات التظاهرات في البصرة بأية عملية أمنية للسيطرة على الأوضاع في المحافظة، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "المحتجين خرجوا منذ شهرين للمطالبة بالحقوق، ولا علاقة لهم بأية أطراف سياسية".

ورفض الاتهامات التي بدأت تسوقها بعض الأحزاب والمليشيات ضد المتظاهرين، مبيناً أن "هذه الشائعات تمثل مقدمة لقمع التظاهرات"، لافتاً إلى "وجود تواصل مستمر بين متظاهري البصرة، وإصرار على مواصلة التظاهر". وأوضح أن "بعض الأطراف انزعجت كثيراً من الرفض الشعبي للوجود الإيراني في البصرة".

بدوره، أكد عضو البرلمان السابق، حيدر الملا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ترداد بعض الشعارات المناوئة لإيران، أو قيام البعض بأعمال خلال التظاهرات لا يمكن أن يكون مبرراً لقمعها"، مبيناً أن "حق التظاهر مكفول دستورياً، في حال وجدت مظلومية". وأضاف: "يقيناً أن المظلومية الحقيقية موجودة في البصرة منذ سنوات عدة"، موضحاً أنه "لا يمكن لأي طرف سياسي أو مليشياوي منع البصرة أو أية محافظة أخرى من التظاهر". وتابع: "في العقل الجمعي لا يمكن ضبط إيقاع تظاهرات يشارك فيها الآلاف"، مؤكداً أن "المحتجين خرجوا للمطالبة بالماء والخدمات، لا لشيء آخر".

وتوقع الملا أن "تحدث صدامات بين المتظاهرين وأطراف مقربة من إيران في البصرة، بعد أن أصبح العراق أداة بيد المليشيات والعصابات المنظمة"، مشيراً إلى أن "مليشيا الحشد الشعبي التي تحمل السلاح المنفلت، أصبحت من أكبر المشاكل التي تواجه البصرة، وبقية مدن الجنوب". ولفت إلى أن "هذه المليشيا تحمل السلاح خارج إطار الدولة، وخارج إطار القانون"، موضحاً أن "تدخل الحشد الشعبي في أزمة البصرة سيزيد الطين بلة، في ظل تزايد الرفض للتغلغل الإيراني هناك". وتوقع الملا أن "يتوسع نطاق التظاهرات ليشمل محافظات جنوبية أخرى تعاني من أزمات، وضغوط تمارسها مليشيات"، مضيفاً أن "كل أبناء الشعب مهيأون للقيام بالتظاهرت".

إلى ذلك، قال عضو تنسيقيات احتجاجات ذي قار (جنوب) زيد الناصري، إن "رفض التغلغل الإيراني في جنوب العراق لا يقتصر على البصرة"، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سكان المحافظة (ذي قار) يضيقون ذرعاً من هيمنة المليشيات المدعومة من إيران على المشهد الأمني". وأوضح أن "التظاهرات المطالبة بالحقوق ستتواصل على الرغم من التضييق الذي تمارسه بعض الفصائل التي وضعت نفسها بموقع الدفاع عن إيران"، مبيناً أن "الأيام المقبلة ستشهد انطلاق تظاهرات واسعة مؤيدة لاحتجاجات البصرة، ومطالبة بتحسين الخدمات". وحذّر رئيس اللجنة الأمنية في محافظة ذي قار، جبار الموسوي من "تداعيات تأخر تشكيل الحكومة الجديدة"، مؤكداً خلال تصريح صحافي أن "هذا الأمر سينعكس على مسألة الاستجابة للمطالب الشعبية المستمرة".



المساهمون