إنجرليك... قاعدة عسكرية تضبط إيقاع العلاقات التركية ــ الأميركية

30 يوليو 2015
عاد الأميركيون إلى قاعدة إنجرليك (الأناضول)
+ الخط -
بعد أكثر من عام على توسّع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) واستيلائه على مناطق واسعة في العراق وسورية، أُنجز الاتفاق شبه النهائي بين تركيا والولايات المتحدة، والذي قضى بفتح الأتراك قاعدة إنجرليك أمام الطائرات الأميركية، في مقابل "إنشاء منطقة عازلة، واعتبار الرئيس السوري بشار الأسد عدواً استراتيجياً". ولم تستجب تركيا في المرحلة السابقة للطلبات الأميركية، على الرغم من تشكيل الولايات المتحدة تحالفاً دولياً كبيراً لضرب "داعش"، وإعرابها أكثر من مرة عن حاجتها إلى قواعد عسكرية في تركيا. ويقضي الاتفاق، أيضاً بفتح جميع القواعد التي تتبع للقيادة الجوية الثانية في الجيش التركي، المتمركزة في دياربكر للحالات الطارئة، والتي يتبعها إضافة إلى إنجرليك، كل من قاعدة دياربكر ومالاطيا وباتمان، جنوب البلاد.

تمنح قاعدة إنجرليك الكثير من الميزات لطيران التحالف، ولا تبعد عن مدينة الرقة السورية، أكبر وأهم المدن التي يسيطر عليها "داعش" أكثر من 400 كيلومتر. بذلك لن تضطر طائرات التحالف للإقلاع من القواعد العسكرية في الخليج، وقطع ما بين 1200 و2000 كيلومتر للوصول إلى مناطق سيطرة التنظيم في شمال سورية والعراق. بالتالي سيكون من الممكن استخدام ضعفي إلى ثلاثة أضعاف عدد الطائرات التي يستخدمها التحالف الآن، والغارات الجوية التي تقوم بها الآن، بفضل إنجرليك، كما سيخفف الإقلاع من إنجرليك حاجة طائرات التحالف إلى التزود بالوقود في الجو عبر طائرات التزويد الضخمة، مما سيخفف تكاليف الغارات وسيرفع من فعاليتها، وتتمكن حينها الطائرات من التحليق فوق أهدافها لفترة أطول.

وتقع القاعدة في منطقة إنجرليك، التي تبعد عن مدينة أضنة، خامس أكبر المدن التركية، 8 كيلومترات، كما تبعد 56 كيلومتراً عن ساحل البحر المتوسط، وبقيت منذ إنشائها عام 1951 محل مساومات حادة بين أنقرة وواشنطن.

اقرأ أيضاً: لاجئون سوريون ينتظرون إعلان "المنطقة الآمنة"

وكان مجلس الأمن القومي الأميركي، قد اقترح بناء القاعدة، بعد إعادة تقييمه للاستراتيجية الأميركية الدفاعية في الحرب الباردة، إثر نجاح الاتحاد السوفييتي السابق، في تفجير قنبلته النووية الأولى في عام 1949. وبناءً عليه تمّ التواصل مع أنقرة لبناء القاعدة في أضنة، التي لا تبعد عن موسكو أكثر من 1500 كيلومتر، في مقابل منح تركيا بعض المعاهدات الدفاعية والمساعدات العسكرية.

إلا أن حكومة عدنان مندريس رفضت ذلك في حينه، مشترطة الحصول على العضوية الكاملة في حلف شمال الأطلسي في مقابل استخدام قاعدة إنجرليك. وبالفعل تمّت الموافقة على ذلك، لتصبح القاعدة نقطة تمركز لحوالي 1500 جندي أميركي، يؤمّنون المساندة لطائرات وقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في المنطقة، وشكّلت أيضاً نقطة انطلاق لطلعات تجسسية فوق الأراضي السوفييتية، توقفت بعد مقتل الطيار الأميركي، غاري باورز، في عام 1960.

عادت إنجرليك لتصبح مكان مساومة آخر بعد الحظر الذي فرضته واشنطن على تصدير السلاح إلى أنقرة، إثر دخولها الأراضي القبرصية عام 1974، لترد حكومة سليمان دميريل على ذلك في عام 1975، بإلغاء الاتفاقيات مع واشنطن، واستعادة القاعدة والسماح باستخدامها فقط ضمن عمليات الأطلسي حتى رفع حظر توريد السلاح. استجابت واشنطن ورفعت الحظر على القاعدة، كما تمّ الاتفاق على معاهدات جديدة تؤكد ملكية القاعدة للأتراك مع السماح للأميركيين باستخدامها عام 1980. وهي الاتفاقيات التي ما زالت سارية حتى الآن.

وبعد طيّ صفحة الحرب الباردة، استخدمت الطائرات الأميركية والبريطانية القاعدة، للقيام بطلعات دورية لتأمين منطقة الحظر الجوية فوق شمال العراق بين نهاية حرب الخليج في 1991 وغزو العراق في 2003.
كما أصبحت إنجرليك، بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، المنصة الرئيسية لمهمات الدعم الجوي للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد "حركة طالبان" في أفغانستان، لترفض تركيا خلال غزو العراق في 2003، السماح للولايات المتحدة باستخدامها كقاعدة لانطلاق الغارات الجوية الأميركية ضد العراق. لكنها بقيت أهم خط إمداد لوجستي للقوات الأميركية حتى خروجها من العراق، وتمّ عبرها نقل أكثر من 60 في المائة من احتياجات الجيش الأميركي في العراق، وانتشر الأميركيون بشكل كبير في إنجرليك وميناء إسكندرون في ولاية هاتاي (لواء إسكندرون) وبلغ عددهم نحو 5000 موظف، بين مهندسين وعسكريين وعمال، لتأمين نقل الإمدادات عبر طائرات الشحن الأميركية "سي 17".

وعلى الرغم من أن إنجرليك تُعتبر ثاني أكبر قاعدة مهمة للقوات الأميركية خارج أراضيها، بعد قاعدتها في ألمانيا، فإنها ليست القاعدة التركية الوحيدة التي تستخدمها القوات الأميركية في تركيا. وتبعاً لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية عام 2004، تُعتبر قواعد باتمان وموش (جنوب شرق تركيا) وجيغلي بالقرب من إزمير، قواعد نشطة بالنسبة لسلاح الجو الأميركي، من دون احتوائها على موظفين أميركيين دائمين. كما تحتضن قاعدة إزمير 117 موظفاً أميركياً، ولم يذكر التقرير باقي القواعد، لأنها صغيرة لكنه حدّد وجود نحو 14 قاعدة جوية تركية، تُعتبر مركزاً نشطاً ومهماً للأميركيين في تركيا.

اقرأ أيضاً: أكراد سورية واختبار التقارب الأميركي التركي في العملية العسكرية
المساهمون