أليماً، يحلّ عيد الأمّ هذا العام، على أمهات مصريات كثيرات وعلى أبنائهنّ القابعين في زنازينهم. رسائل ثلاث تنشرها "العربي الجديد" في هذه المناسبة، على أمل أن يلتمّ شمل هؤلاء النسوة المفجوعات وفلذات أكبادهنّ قبل حلول الواحد والعشرين من مارس/آذار المقبل.
- الرسالة الأولى -
من سجن وادي النطرون، كتب المعتقل الشاب أيمن علي لوالدته بعد ﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ برفض الطعن وتأكيد الحكم ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ 15 سنة...
" ﺃﻣﻲ. ﺍﻟﺴﻼﻡ عليكم. ﺃﺧﺒﺎﺭﻙ ﺇﻳﻪ؟
أسأل الله أن يربط على قلبك، ويثبتك كما ثبت أم موسى.
ﺃﻧﺎ مش فاهم ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻲ ﺣﺼﻞ، كنا متوقعين إنه يقبل. بس قدر الله وما شاء فعل. الحمد لله على كل حال.
أنا مش عارف هصبر على الابتلاء ده إزاي؟ بس عارف إن ربنا لطيف بعباده، وإنه لا يكلف نفساً إلا وسعها وما تتحمل. كل الأسباب خلصت. مفيش غير قدرة ربنا اللي باقية. كان نفسي أكمل في (هندسة) بس كده شكلها خلاص!
الحمد لله إحنا أحسن من ناس كتير. على الأقل بنشوف بعض. في ناس محبوسة في بلاد تانية، وأهلها ميعرفوش عنها حاجة.
أمي، محدش اختار شكله، ولا أهله، ولا عيشته.
ﺭﺑﻨﺎ اﻟﻠﻲ اﺧﺘﺎﺭ ﻟﻨﺎ. فنفوض أمرنا ﻟﻪ ﻭنسلم لحكمه، وندعي إنه يخفف علينا. وإن شاء الله هيخفف. وربنا عارف إن معملتش حاجة، ولا آذيت حد، ولا في نيتي أأذي حده.. فده يكفيني".
- الرسالة الثانية -
تروي سندس جمال عن أخيها عمر جمال المعتقل في سجن العقرب...
"فى ملحمة طابور مجمع سجون طرة اليوم أوقفتني سيدة وبلهفة سألتني
- إنتي داخلة العقرب يا بنتي؟
- أيوة يا حاجة.
- طب هطلب منك طلب، ينفع تاخدي الصورة دي تورّيها للي داخلة ليه، لو شافو يقول!
- والله يا حاجة ممنوع صورة، ولا ورقة حتى، بس قوليلي اسمه هسألك.
- اسمه محمد صلاح فوزي من البدرشين من الجيزة. لو عرفتي مكانه، قوليله أمك بتدور عليك من يوم ما روحت الدرس وما رجعتش!!
- إمتى الكلام ده؟!
- من سنتين يا بنتي!
- سنتين!".
- الرسالة الثالثة -
خطاب من الشاعر الشاب المعتقل هيثم زهدي إلى أمه...
"تتتابع الأيام ويمر اليوم إثر اليوم والليلة بعد الليلة. وأنا بعيد. وفي كل يوم يتتابع ومع كل ليلة تمر لا يزداد الأمر بالنسبة لي إلا تعقيداً ولا أزداد أنا الآخر إلا خوفاً من ذلك اليوم الذي سأعود فيه. وتمر الأيام فيزداد التعقيد ويزداد معه الخوف. غير أنه لا بد من تلك اللحظة. نعم لا بد من تلك اللحظة التي أعود فيها، لأنه لا غنى لي أبداً عن حضنكم الحنون ولا عن ضمته الدافئة. ولأن تكون تلك اللحظة التي أتمناها بقدر ما أخشاها. لأن تكون اليوم أفضل من أن تكون غداً، لأن الغد لن يحمل في ثيابه إلا تعقيداً أشد، وخوفاً أشد.
وقد تسألين الآن في نفسك يا أمي: لماذا أكتب تلك الكلمات. وماذا أريد منها يا ترى بالتحديد؟! واسمحي لي أن أجيب بنفسي. إنني أعيش لحظة ارتمائي في حضنك حين أعود. حينما تفتحين ذراعيك عن آخرهما، وأن تبتسمي ابتسامتك المشرقة التي تملأ وجهك الذي لا يعلم إلا الله كم أشتاق إلى أن أتطلع في قسماته وملامحه.
أمي التي تعودت أن تحملني ولم أتعود أن أحملها أبداً. أمي التي تعودت أن أراها تحملنا جميعاً حتى وهي مثقلة بما ينوء به العصبة من أولي القوة. نعم. أمي التي تعودت منها أن تعطي دون أراها في يوم من الأيام تأخذ. نعم آن الأوان أن نتبادل الأدوار. ولكن من يملأ عندي هذا المكان الذي يفيض بالرحمة والمحبة والحنان إذا نحن تبادلنا أدوارنا؟! من يمسح على شعري فيصيبني في كل خصلة بخدر النعاس الذي أشتاق إليه؟! الإجابة: لا أحد!
ولسوف تظلين يا أمي معطاءة معطاءة. تفيضين على الناس جميعاً بالعفو والصفح والتسامح الجميل والرحمة والحنان والشهامة وتبثين في أوصالهم القوة حتى يومك الأخير في هذه الدنيا. أسأل الله أن يبارك لنا في عمرك وصحتك وأن يشفيك وأن يريك منا جميعاً ما تقر به عينك وترتاح إليه روحك ونفسك. فمن يمسح شعري إلا أنت. ومن يربت على كتفي ويحمل عني كل همٍّ سواك أنت يا أمي".
اقرأ أيضاً: مصر الانتهاكات.. حقوق الإنسان في قبضة الحكومة