إلياس الفخفاخ/ تونس
24 يوليو 2020
+ الخط -

في أخر لحظات من عمره السياسي، أراد رئيس الحكومة التونسي المستقيل أو المجبر على الاستقالة، إلياس الفخفاخ، قلب الطاولة على الجميع، الرئاسة والبرلمان والقوى والأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة، وأن يحول نفسه إلى ضحية يجب الوقوف بجانبها، وان يرجع فشل حكومته إلى مؤامرات عدة لاحقتها منذ تشكيلها، وأن يشتت أذهان الرأي العام عن قضايا الفساد المتورط فيها، وأن يعطي رسالة للرأي العام التونسي والعالمي مفادها "اليأس" من إصلاح الوضع القائم والتسليم بالأمر الواقع، لأن الأزمات الاقتصادية القائمة أكبر من قدرة حكومته كما يقول، بل وأكبر من قدرات أي حكومة مقبلة كما يوحي، وأن الأزمة المالية العنيفة التي تمر بها البلاد كان من المستحيل احتواؤها من قبل حكومته، لأنها أزمة مزدوجة وعميقة، فالأوضاع الاقتصادية للبلاد صعبة جداً، وكل المؤشرات الاقتصادية في المنطقة الحمراء، والخلاصة أن تونس ذاهبة إلى "ستين داهية"، وأنه لا حلول في الأفق.

الفخفاخ خرج علينا اليوم الخميس بتصريحات "نارية" وغير مسبوقة من قبل مسؤول رفيع أراد منها أولا إثارة القلق في الشارع التونسي خاصة على أحواله المعيشية والرواتب والأجور، وثانيا إثارة الحنق على الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسة الرئاسة والسلطة التشريعية، وثالثا تخويف الجميع من مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي.

فرئيس الوزراء المقال أو المستقيل قال إنّ تونس مهددة بالإفلاس وعدم القدرة على سداد رواتب موظفي القطاع العام؛ بسبب صعوبات المالية العمومية، وتداعيات جائحة كورونا، والأزمة السياسية، وإنّ البلاد تواجه أزمة مالية غير مسبوقة، واصفاً الوضع الحالي بـ "المخيف"، وإنّ الخلافات السياسية التي تسبب فيها أصلا من شأنها تعزيز الأزمة.

وزيادة في ترهيب وتخويف الشعب التونسي استخدم الفخفاخ في تصريحاته كلمات من نوعية أن شركات حكومية وصلت إلى مرحلة الشلل الكلي والتوقف عن العمل قريباً، وأن هناك قلقا على الرواتب والأجور في ظل حاجة خزينة الدولة إلى نحو 16 مليار دينار، من بينها 5 مليارات دينار لتوفير الأجور ونفقات التصرف.

الفخفاخ متهم بالفساد المالي والمحسوبية واستغلال منصبه، ولذا تظل شهادته مجروحة ومشكوكا في هدفها وتوقيتها، فرئيس الحكومة المستقيل متهم بارتكاب عدة جرائم منها الفساد المالي وشبهة تعارض مصالح ومخالفة القانون والدستور وحصول شركات يساهم فيها على صفقات من الدولة تزيد قيمتها عن 25 مليون دولار، وعدم تخليه عن إدارة ثلاث شركات بعد توليه منصبه الرسمي، وكل هذه الملفات في أيدي القضاء، وإذا ثبًت القضاء تهمة تحقيق الفخفاخ إثراء غير مشروع واستغلاله النفوذ، فإن مصيره سيكون السجن، وقبلها انتهاء مستقبله السياسي للأبد.

قبل أن يعظ إلياس الفخفاخ، ليقل لنا ماذا فعلت حكومته لوقف هذا التدهور المالي الذي يتحدث عنه، ولماذا لم يصارح الرأي العام التونسي بهذا الوضع المخيف قبل أن يتولى منصبه، أم أن اجباره على الاستقالة من قبل البرلمان وحركة النهضة، وقبله اتهامه بالفساد المالي، ولد لديه رغبة قوية في الانتقام وقلب الطاولة على الجميع، ولماذا لم يتحرك بسرعة لوقف هذا التدهور قبل أن تصبح تونس ثاني دولة عربية مفلسة بعد لبنان في حال توقفها عن سداد ديونها الخارجية؟ 

تونس ليست دولة فاشلة كما يحاول الفخفاح الإيحاء به وتصويره، فالدولة لديها مصادر عدة لتوليد النقد الأجنبي منها السياحة وصادرات النفط والغاز والفوسفات وتحويلات المغتربين، ودينها الخارجي لا يزال في الحدود الآمنة، وعدد سكانها قليل، وثروة طبيعية ضخمة في باطن الأرض وربما في مياه البحر المتوسط مستقبلا.

فقط مطلوب استقرار سياسي، وجدية في مكافحة الفساد البالغ فاتورته السنوية نحو 3 مليارات دولار، واسترداد الأموال المنهوبة خاصة من قبل رموز نظام بن علي، وبعدها ستتحول تونس إلى أكثر دول المنطقة جذبا للاستثمارات الخليجية والأجنبية، والسياح من كل دول العالم.

المساهمون