إلى أين يقود بوتين العالم؟

10 ديسمبر 2015
+ الخط -
النزعة القومية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القادم من مدرسة الاستخبارات الروسية في زمن الاتحاد السوفياتي تكاد تقامر بمستقبل روسيا لتحقيق أمجاد وبطولات قومية في ظل أغلبية شعبية مؤيدة لطموحاته (يبدو أن دور الشعب الروسي أشبه ما يكون بالأغلبية الصامتة عند العرب)، والتي تتلخص في إعادة روسيا إلى موقع الاتحاد السوفياتي، كثاني دولة عظمى في العالم، بعد أميركا طبعا، في ظل انحسار موقع أميركا كدولة القطب الواحد، نتيجة وضعها الاقتصادي، بعد حروبها في أفغانستان والعراق والانهيار الاقتصادي الكبير عام 2008 وارتفاع المديونية الفيدرالية بشكل كبير.
الصين تبني وتعمل بصمت كبير وبذكاء منقطع النظير، وتكاد تتفوق على أميركا اقتصاديا، فعلى الرغم من وجود مشكلات عالقة لها مع أميركا كتايوان مثلا، وعلى الرغم من أنها تسطيع حسم الموقف عسكرياً، إلا أنها آثرت بناء الدولة والاقتصاد بدل صرف الموارد على العسكرة والتسلح، وربما كان من أهم أسباب ذلك وجود قيادة جماعية براغماتية وغير عسكرية، على عكس الحال في روسيا، حيث يتولى القيادة فيها بوتين، الزعيم الأوحد ذو الخلفية العسكرية.
يذكرنا الجنرال بوتين العسكري بقيادات عربية ثورية حالمة مثل عبد الناصر وصدام حسين، الذين تتلمذوا على العقيدة العسكرية الروسية، والتي تتقن الهروب إلى الأمام في مواجهة الأزمات العاصفة بروسيا، متجاهلاً مقتضيات بناء أركان الدولة، وحقيقة أنه لا يمكن لروسيا أن تعتمد التسلح بأسلحة الدمار الشامل والتقليدي معياراً وحيداً للقوة من دون توفر رديف لها من اقتصاد قوي مكافئ للجانب العسكري.
لا يزال الغرب يخشى من روسيا، وضم كثير من دول الاتحاد السوفياتي السابق وحلف وارسو، واستطاع مد نفوذه إلى كثير من دول الحلف، وآخرها أوكرانيا، ولم يعط الغرب الفرصة لروسيا لفترة استقرار وبناء اقتصاد قوي، وما سهل هذه المهمة وجود القيادة السياسية الروسية ذات الخلفية العسكرية لبوتين.
قيادة بوتين لروسيا كانت قوية وموحدة، لكنها آثرت التعامل مع التهديد الخارجي بالتركيز على إعادة بناء القوة العسكرية الروسية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بدل التركيز على الاقتصاد والتنمية أولوية قصوى للدولة، ودخل في مغامرات شعبوية، تركز على إثارة المشاعر القومية الروسية، وتوظيف الكنسية الأرثودكسية، وإعادة الاعتبار لروسيا وريثاً للاتحاد السوفياتي ثاني قوة عظمى على الأرض.
استطاع الغرب في صراعه مع روسيا توريطها وإشغالها بحروب مكلفة جدا على الموارد، كما في أوكرانيا وقبلها جورجيا والآن سوريا.
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تستطع روسيا بناء اقتصاد قوي مكافئ للدول المجاورة، كالصين وألمانيا وفرنسا واليابان، ولا زال اقتصادها يعتمد على البترول وتجارة السلاح كثاني دولة مصدرة له، وبعض المنتوجات الزراعية كالقمح وغيره، إلا أنه يبقى اقتصاداً ضعيفاً نسبياً مقارنة بأقطاب الاقتصاد العالمي، فأين مثلا مشاركة روسيا في الإنتاج الصناعي المدني في العالم؟ وما هو حجم حصتها منه؟ لا نكاد نرى منتوجاً روسياً في الأسواق؟
خسر الروبل 70% من قيمته واقتصاد روسيا في أسوأ حالاته مع انخفاض أسعار البترول، ولا يمكن مقارنة الاقتصاد الروسي بالاقتصاد الصيني، مثلاً، على الرغم من الموارد الهائلة الأكثر عند روسيا، والدول عندما تركز في صرف موازناتها على التسلح بدل التنمية تضعف وتتراجع. وغورباشوف أدرك معادلة أن الاستمرار في حرب النجوم، مثلاً، سيقضي على الاتحاد السوفياتي، وحاول الإصلاح، إلا أن منظومة الاتحاد السوفياتي، آنذاك، كانت غير قابلة لذلك، وفعلا انهار الاتحاد السوفياتي لأسباب عديدة.
باختصار، مكانة روسيا الدولية مرشحة لمزيد من التراجع والانحدار، ولن تشفع لها قوتها العسكرية العملاقة لوحدها، ونأمل أن لا يقود بوتين العالم إلى حرب كونيةٍ، كما فعل هتلر وأمثاله من القادة في لحظة جنون العظمة وانسداد الأفق أمامه.
avata
avata
محمد الفريحات (الأردن)
محمد الفريحات (الأردن)