إلى أن يرث حافظ الثاني أباه الأسد

06 يناير 2017
+ الخط -

يظن البعض، ومنهم عرب في معسكر عبادة الحكم الشمولي، بأن ما يقوم به فلاديمير بوتين من عمليات قرصنة هنا وهناك "شطارة وذكاء".

في تعبير ابن الشارع الغربي، ليس في الأمر شطارة ولا فهلوة ومعلمية، بل تجسيد لفكرة الدول المارقة والشمولية وعصابات قطاع الطرق.

المدرسة الروسية في الشطارة لها امتداداتها وتلامذتها في مشرقنا العربي. أكثر الأمثلة فجاجة عن تعاليم هذه المدرسة الروسية، عرفته سورية خلال السنوات الماضية. تعبيرات فتح "أسواق" النهب التي كان يقوم بها "بواسل الجيش العربي السوري" تعرفنا عليها كقراء ومتابعين في حمص بداية.

بات الآن لدى السوريين قاموسهم اللغوي الذي قد لا يشبه أي قاموس عربي في تعريف "بطولات وذكاء وشطارة" جنود "القائد الفذ والحكيم".

جلس في يوم من أيام الثورة السورية السيد المنصف المرزوقي مقابل أحد أبواق بشار يسأله عن "زينب الحصني"... بكل بساطة لدى أبواق بشار ما تعلموه من مدرسة البروباغندا الروسية، إذ إن "المحروقة والمدفونة ليست زينب الحصني...". وبشكل أبسط، لا يهم لمن تعود جثة السيدة التي سلمت لأهل زينب خطأ وبشكل رسمي من أجهزة أمن هذا النظام الذي لم يترك للأمثلة الفاشية من شيء يقارن بها.

في القاموس اللغوي ثمة مفردة "تعفيش". وعند الروس، تتعلق المسألة بقرصنة إلكترونية لا تختلف كثيرا سوى من حيث التقنيات المستخدمة. وبينما كانت الثلاجة والسجادة وقنينة الغاز تبدو محملة في سيارة عسكرية روسية بأطراف دمشق، كان الروس "أذكى" من "جيش بشار الإلكتروني" الذي قام على مبدأ واحد.

كل حركة أتى عليها نظام دمشق لم تكن سوى في طريق ممنهج وطويل للتعبير عن فداحة أن تحكم الدول والشعوب بمجموعة من عقول يسيطر عليها فهم غير سوي لمعاني البطولة وحماية الديار.

في زمن "التعديلات الدستورية" في سورية قبل بضعة سنوات، حددت فترة رئاسة رئيس الجمهورية بفترتين فقط...

لم تمر ساعات قبل أن يقول "الجيش الإلكتروني" كلمته:"وماذا يعني ذلك بسيطة، من هون لتصير فترة انتخابات حسب الدستور الجديد بيكون حافظ صار شاباً قادراً على الحكم...".

ببساطة الحديث عن حافظ الثاني ليرث سورية من أبيه بشار... هكذا بالضبط يقرأ عبيد سؤال:"شو البديل؟" كيف وبمن يجب أن تحكم الشعوب...

 فليس في الشعب السوري مؤهل سوى سليل عائلة شي الأجساد وقطع الألسن وحرق الأيادي بالأسيد، بعد القتل وإعدام سيدة سورية في ألمانيا بدل زوجها... واحتضان عبد الله أوجلان ثم بيعه... وترحيل كارلوس ليقع صفقة بيع أخرى في السودان...

سليل عائلة "تحب فلسطين" لكنها تحذر محتلها من أن "أمن إسرائيل من أمن سورية"... وتلاحق المقاومين بمن فيهم ياسر عرفات كـ"شخص غير مرغوب فيه" في 1983... وتعتقل كل سوري حمل السلاح منتظما في المقاومة الفلسطينية... هذا عداك عن التهجير للفلسطينيين وإعادة تسليم أبو العباس قائد جبهة التحرير الفلسطينية ليقتل في سجون أميركا في بغداد والتعذيب حتى الموت في فرع سمي باسم فلسطين...

وسنكتشف لاحقا بأن "الجيش العربي السوري" تحول إلى مليشيات قادمة من أفغانستان إلى العراق ولبنان وفاشيين غربيين... وهي تهمة رميت بها الثورة السورية منذ المؤتمر الصحافي الأول في مارس/آذار لبثينة شعبان...

نظام ينتظر توريث حافظ الثاني مستعد لأن يكون خادما أمنيا عند أقذر الأنظمة الأمنية حول العالم... وتكفي قصة المهندس السوري الكندي ماهر عرار لتدلل على وظيفة أجهزة نظام دمشق وبصفقات تتاجر بالبشر وكأنهم قطيع من الحيوانات المجترة... أو كمشة عصافير في قفص صيد مصطفى طلاس...

وعلى الرغم من كل الشطارة الإلكترونية التي وصلت حد تسويق النظام عبر أبواقه لفكرة "التفوق على أذكى باخرة تجسس ألمانية"، بقي أتباعه والمصفقون لبطولات تشريد الشعب السوري غير مدركين لكارثة ما صنعه عقل عبادة الفرد في سورية.

ولكي تفهم منهجية عقلية البلطجة والتشبيح عند "مفكري" الدفاع عن "القائد الفذ" لم يكتف صاحب الرواية بتسويقها على مدرج الجامعة، حيث يفترض أن تكون للأمم عقول مستقبلها، بل ذهب لقناته الرسمية مكررا 
روايته ومصدقها... تماماً كما صدق البعض بأن "روسيا جاءت تحتل  سورية لنقلم أظافر إسرائيل".

لا يهم الآن أن يناقش العقل، فقد فات الوقت على كثير من المنطق.

لماذا إذا لا يتباهى أبناء المدرسة الروسية بالتحول الفج إلى دولة ارتزاق وقطاع طرق وجمهوريات تشبيح وتعفيش؟ فذات يوم نسبوا بوتين إلى العائلة، أم نسينا رواية "بو علي تين"... مثلما أُطلق على سفاح صبرا وشاتيلا إيلي حبيقة نسب "أبو علي" في الصفوف الأمامية لهمروجات حسن نصر الله كانت زوجته وابنه يحتفلى بهم وكأنهم فعلا ممانعون... وهل من ذاكرة لتتذكر كيف أن المالكي، الذي أسس لكل هذا الخراب، والآتي على أساس "دبابة أميركية" تحول أيضا إلى حفلات استقبال "السيد" له؟ وهو، أي المالكي من اخترع لنا حكاية "أنصار يزيد والحسين" وسؤاله التهكمي عن "لماذا يجب أن يرحل الأسد؟" الذي بالمناسبة هو يشغل منصب الأمين العام القطري والقومي لحزب البعث العربي الاشتراكي المنحل في عاصمة المالكي...

في كل المسألة شيء غير طبيعي... استعراض القصير بأسلحة أميركية وتحت غطاء طائرات "العدو الصهيوني المتآمر على الرئيس الممانع"، دون أن يتعرض حتى لخرق جدار الصوت من باب رفع العتب يشي فعلا بأننا أمام شيء غير طبيعي...

إذا، يبدو أن عقلية دولة التعفيش بانتظار أن يصير حافظ الثاني في سن يسمح بإعادة تدوير ما يسمى "دستوراً" لكي تكتمل فصول عقلية اقتلاع أكثر من نصف الشعب السوري؛ لكي تستطيع أحلام المحتل الروسي فرض ما لم يستطع المحتل الأميركي في العراق فعله...

المعضلة هنا، وأمام اكتمال دولة قطاع الطرق، هم "آيات الله"... فباسم ماذا سيدعى الحشد للوقوف بوجه الروسي غدا؟... ويا للمفارقة العجيبة في زمن العجائب إذ وبلا عقل يصفق الجمع لخروج أوباما من السلطة وبقاء سيدهم، وهم يظنون بالفعل بأنهم "يعطون العالم درسا في الديمقراطية بعد تعديل الدستور السوري"... أفلم يقلها أحد المطبلين بعد أقل من أسبوعين على انتفاضة حوران: "
الوطن العربي قليل عليك... وأنت يجب أن تقود العالم يا سيادة الرئيس"...


 

دلالات