قالت سلطة مكافحة الاحتكار في إسرائيل أمس إنها قد تلغي اتفاقا يسمح لشركتين: إسرائيلية وأميركية بتطوير أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، واستدعت السلطة ممثلي مجموعة ديليك الإسرائيلية ونوبل إنرجي الأميركية التي تتخذ من تكساس مقرا لها أول من أمس، وأبلغتهما أنها ما زالت "تدرس إعلان عملية شراء حقل لفيتان صفقة غير قانونية".
وأوصت السلطة بإنهاء ما تصفها بأنها سيطرة مفرطة على احتياطات الغاز الرئيسية من جانب الشركتين اللتين تملكان معا 85% من حقل لفيتان الإسرائيلي العملاق.
وحسب مصادر إسرائيلية، "جاء قرار المسؤول عن منع الاحتكارات في إسرائيل بوقف اتفق
التسوية الأصلي مع نوبل إنرجي وديليك، والقاضي بمنح الشركتين احتكارا كاملا لإنتاج الغاز من حقلي لفيتان وتمار في عرض البحر المتوسط، بسبب مخاوف الدولة من إبقاء قطاع الغاز الإسرائيلي، المقدرة أرباحه المالية في الحقلين بـ180 مليار دولار، في يد الشركتين، وذلك على ضوء الانتقادات التي وجهت للاتفاق الذي أبرمته الحكومة مع ديليك ونوبل في العام الماضي، بشرط بيع حصتيهما من حقلي غاز صغيرين.
ووفقا لمعارضي اتفاق الاحتكار السابق، وفي مقدمتهم البروفيسور يرون زليخا، فإن القرار الجديد يهدف بالأساس إلى منع وضع تسيطر فيه شركة واحدة، عبر اتفاق الاحتكار المذكور، على قطاع الغاز من جهة، ويؤدي لاحقا إلى رفع أسعار الغاز والكهرباء على المدى البعيد.
وجر القرار الجديد عاصفة في إسرائيل، بسبب تداعياته الكبيرة حول "حقوق" المواطنين والجمهور بشكل عام من الموارد الطبيعية التي تدّعي إسرائيل بعد العثور عليها بأنها ملك لها، وبالتالي فإن تدخل مسؤول سلطة منع الاحتكار البروفيسور دافيد جيلا جاء لمنع سيطرة طرف اقتصادي أيا كان على احتياطي الغاز المذكور، ويترك الدولة واقتصادها تحت رحمة شركات الاحتكار مثل نوبل إنرجي وديليك.
في المقابل أعلنت الشركتان المتضررتان من القرار، عزمهما التوجه إلى القضاء، ليس فقط في إسرائيل، وإنما إذا اقتضى الأمر في المحافل القضائية الدولية، مما من شأنه أن يعرقل نشاط التنقيب عن الغاز واستخراجه من حقل لفيتان، لسنوات طويلة، وقد يؤثر سلبا على الاقتصاد الإسرائيلي الذي بدأ يستفيد من ثمار هذا القطاع.
وقال ممثل نوبل إنرجي وديليك، جدعون تدمور، إن هذا القرار أصلا ليس من صلاحيات سلطة مكافحة الاحتكار، وإنه سيكون على الحكومة الإسرائيلية أن تحسم الأمر وتتخذ القرار اللازم، الذي هو أصلا من اختصاص وزارة المالية، وليس من اختصاص سلطة الاحتكار.
ووفقا لتدمور، فإن الإجراء الحالي يعني وقف كل النشاط في حقل لفيتان وعدم مواصلة تطويره، مما سيؤثر سلبا على المكانة الجيوسياسية والاقتصادية لإسرائيل منذ اكتشاف حقول الغاز.
وبحسب تدمور أيضا، سيؤثر هذا القرار، في حال وافقت عليه الحكومة الإسرائيلية، سلبا على كل اتفاقيات بيع الغاز لكل من تركيا واليونان والأردن وحتى مصر.
في المقابل، قالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إن الحكومة الإسرائيلية كانت أبدت ضعفا إزاء شركات الاحتكار، وإن وقف هذا الاحتكار والتوجه نحو مراقبة أسعار الغاز، سيوفر على الجمهور الإسرائيلي نحو 100 مليار شيكل، بينما ستخسر الدولة 4 مليارات شيكل من الضرائب المستحقة لها.
وكانت إسرائيل سمحت لرجل الأعمال الإسرائيلي، يتسحاق شوبا، صاحب شركة ديليك والمساهم الرئيسي في شركة نوبل إنرجي، بالقيام بأعمال التنقيب عن الغاز والنفط، في سياق السياسة الاقتصادية التي وضعها نتنياهو، وكانت تقضي بخصخصة القطاع الخاص منذ توليه الحكم عام 1995، لعدم قدرة الحكومة الإسرائيلية مع بدء أعمال التنقيب على تحمل تكاليف أعمال التنقيب، التي كلفت شركتي ديليك ونوبل إنرجي حتى الآن 6 مليارات دولار.
وكان حقل الغاز المعروف باسم لفيتان، قد اكتشف في عرض البحر المتوسط في عام 2010 على مسافة 130 كم عن ميناء حيفا، وادعت إسرائيل أنه يقع ضمن "المياه الاقتصادية" لإسرائيل، وتقدر كمية الغاز الموجودة في هذا الحقل بـ453 مليار متر مكعب. وتم في أعقاب استمرار أعمال التنقيب في يوليو/تموز 2014 تحديث التقديرات لكميات الغاز في هذا الحقل بـ622 مليار متر مكعب. أما احتياطي الغاز في الحقل المذكور فتم تقديرها في العام نفسه بـ540 مليار متر مكعب.
وتم قبل عدة أشهر من العام الحالي 2014 التوقيع على مذكرة تفاهمات بين إسرائيل والأردن، تقوم إسرائيل بموجبها ببيع الأردن 45BCM نحو 8.5% من الغاز في حقل لفيتان لمدة 15 عاما، بسعر 7.5 دولارات للوحدة (BTU). وتم التوصل إلى الاتفاق بوساطة أميركية، عبر إقامة شركة تابعة لنوبل إنرجي التي ستشتري الغاز من الحكومة الإسرائيلية، وذلك بناء على رغبة الحكومة الأردنية إبرام صفقات بشكل مباشر مع إسرائيل.
يتسحاق تشوبا
الطرابلسي المولد الذي بات رجل الغاز في إسرائيل، يعتبر يتسحاق تشوبا من أكبر رجال الأعمال في إسرائيل، وقد قدرت ثروته في مارس/آذار 2014 عبر صحيفة فوربس العالمية بـ3.4 مليارات دولار. وهو يملك أكبر شركة لبيع المحروقات في إسرائيل، وهي شركة ديلك التي تمكن
السيطرة الكاملة عليها في عام 1998، بعد أن كانت تملكها عائلة ريكناتي الإسرائيلية. ومنذ شرائه شركة ديلك والسيطرة عليها، دخل تشوبا عالم الطاقة في إسرائيل، بعد أن كان نشاطه الأساسي في قطاعي البناء والعقارات.
ويتحساق تشوبا إسرائيلي ليبي الأصل، إذ ولد في مدينة طرابلس عام 1948 وقد هاجر أهله إلى فلسطين. ووفقا للمعلومات المتوفرة، فإنه بدأ حياته العملية بعد الخدمة العسكرية متعهدا للبناء في وزارة الأمن الإسرائيلية، ثم أقام شركات بناء خاصة.
في عام 1988 انتقل للعيش والعمل في الولايات المتحدة الأميركية في قطاع العقارات في نيوجيرسي ومنهاتن. ثم عاد إلى إسرائيل في عام 1990 وانخرط في الحركة العمرانية الكبيرة التي انطلقت في تلك السنوات، لتوفير احتياجات استيعاب هجرة مليون روسي إلى فلسطين.
وظل تشوبا يعمل في قطاع العقارات والبناء إلى أن تمكن- كما أسلفنا- في عام 1998 من شراء أسهم شركة ديلك للوقود والبترول، وانخرط في مشاريع التنقيب عن البترول والغاز شراكة مع شركة نوبل إنرجي الأميركية. وفي عام 2009 تم الإعلان لأول مرة عن العثور على احتياطي الغاز في حقل "تمار1" مقابل الشواطئ الإسرائيلية. وقدرت كميات احتياطي الغاز آنذاك بـ270 مليار متر مكعب.
فتحت هذه الأنباء شهية تشوبا والشركة الأميركية، واستطاعت عبر استغلال ضعف الحكومة الإسرائيلية ونزوعها إلى الخصخصة من الحصول على تصاريح لمواصلة أعمال البحث والتنقيب عن الغاز. وفي عام 2010 تم العثور على الغاز في حقل لفيتان بحجم 700 مليار متر مكعب. وتبع ذلك العثور على حقول غاز "دولفين" و"تنين" و"بلوك12" في قبرص.