وكانت الأزمة بدأت بين هذه الأطراف بقيام مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية بقصف قاعدة "كي وان" في كركوك شمالا، ما تسبب بمقتل أميركي وإصابة آخرين بالقصف، مرورا بالرد الأميركي الذي تمثل بقصف مقرات المليشيا (كتائب حزب الله) على الحدود العراقية السورية، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من عناصرها، تلا ذلك محاصرة عناصر وأنصار المليشيات لمبنى السفارة الأميركية ببغداد في محاولة لاقتحامها، وأخيرا قتل الولايات المتحدة لزعيم فيلق القدس قاسم سليماني ونائب زعيم مليشيات "الحشد" أبو مهدي المهندس المدرجين على لائحة الإرهاب الأميركية بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي، الجمعة الماضية.
ومنذ بداية الأزمة اكتفت حكومة إقليم كردستان بإصدار بيان استنكار للهجوم على السفارة الأميركية، معتبرة أن التجمع والتظاهرات حقوق دستورية مكفولة، شريطة أن لا تؤدي للعنف والتصرفات غير المسؤولة.
أما القوى الكردية فقد حرصت على النأي بنفسها من خلال محاولة عدم الانحياز إلى أي من طرفي الصراع لأنها تتمتع بعلاقات صداقة متينة مع واشنطن تعود إلى مرحلة ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وهو أمر منعها من التعليق على القصف الأميركي لمقرات المليشيات، كما أن لديها علاقات تاريخية مع رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية عادل عبد المهدي الداعم لتمدد نفوذ الفصائل المسلحة، وكذلك مع زعماء مليشيات، إذ يعتبر رئيس تحالف "الفتح" (زعيم مليشيا بدر) هادي العامري من السياسيين المقربين من الأكراد، ما تسبب بعدم توجيه انتقادات شديدة لقادة المليشيات الذين قادوا محاولات اقتحام السفارة.
وأخيرا غابت القوى الكردية يوم أمس عن جلسة التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به القوى السياسية المرتبطة بإيران لإخراج القوات الأميركية من العراق.
منطقة اللا اصطفاف
عضو في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، قال لـ"العربي الجديد"، بأن القوى الكردية "شبه متفقة على عدم زج نفسها بالصراع الحالي ومحاولة البقاء بمنطقة اللا اصطفاف مع الإيرانيين ومن معهم من القوى السياسية ببغداد وقادة الفصائل المسلحة أو مع الأميركيين"، موضحا أن التصعيد الأخير لم يكن مقبولا بنظر الأكراد لأنه قد يتسبب بدخول العراق إلى حلبة الصراعات الخارجية.
وكشف المصدر عن أن القوى الكردية "تعارض خطوة إخراج القوات الأميركية وتتعامل مع القواعد الأميركية في الإقليم حاليا على أنها عامل استقرار للإقليم وحماية لها". لكنه أقر بأن هناك إجماعا كرديا من مختلف القوى السياسية على البقاء بعيدا عن خطوط التماس ومحاولة عزل الإقليم عما يجري بشكل أو آخر.
وهاجم عضو البرلمان عن تحالف "الفتح" (الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي") فالح الخزاعي السياسيين الذين التزموا الحياد، أو رفضوا اقتحام السفارة الأميركية ببغداد من قبل أنصار المليشيات، قائلا في تغريدة على "تويتر"، إن "بعض السياسيين والتافهين لا يقبلون بدخول السفارة الأميركية ليس من باب الاحترام للبعثات الدبلوماسية، إنما خشية من كشف ملفاتهم التي توثق نشاطاتهم التآمرية".
وأضاف الخزاعي أن "أميركا اعتدت على شبابنا المرابط في الحدود ضد داعش، ويجب أن يكون الرد بحجم الدماء الطاهرة لأبناء الشعب العراقي".
وعلى الرغم من صمت القوى الكردية عن حصار السفارة الأميركية في بغداد من قبل أنصار وعناصر المليشيات، إلا أن موقف نواب وسياسيين كرد كان واضحا فيما يتعلق برفض إخراج القوات الأميركية من العراق في الوقت الحاضر.
رفض إخراج القوات الأميركية
ورفض عضو البرلمان العراقي عن "الاتحاد الوطني الكردستاني" حسن آلي مطالبات بعض القوى بإخراج القوات الأميركية من البلاد، مؤكدا خلال تصريح صحافي أن الأوضاع الأمنية في العراق "ما تزال غير مستقرة"، وأن "تنظيم داعش ما يزال يشكل خطرا كبيرا".
وبين آلي أن "التنظيم الإرهابي ينشط في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإربيل"، مشيرا إلى "وجود حاجة ضرورية إلى استمرار وجود القوات الأميركية وفقا للاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق وأميركا".
ولفت إلى أن الوجود الأميركي في العراق سيساهم في حفظ التوازن بين المكونات، ومن شأن هذا التواجد أن يمنع سيطرة طرف عل حساب الأطراف الأخرى، مبينا أن الحديث عن رحيل القوات الأميركية يمكن أن يجري بعد استعادة القوات الأمنية عافيتها، وحل المشاكل في المناطق المتنازع عليها.
في سياق مماثل، اعتبر عضو مجلس النواب السابق محمود عثمان أن الأميركيين جاءوا إلى العراق بموجب اتفاقيات سابقة بين الإدارة الأميركية والحكومة العراقية، موضحا في حديث لـ "العربي الجديد" أن أمر إخراج القوات الأميركية أو إبقائها منوط بالسلطة التشريعية.
ولفت عثمان إلى أن البرلمان هو السلطة التي تمتلك حق الحديث عن مستقبل الوجود الأميركي في العراق، مشيرا إلى أن الاميركيين سيغادرون في حالة قررت أغلبية مجلس النواب ذلك.
أما عضو "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ريبين سلام فقال إن تنظيم "داعش" لا يزال يشكل خطرا على المناطق المتنازع عليها، مؤكدا أنه "لولا وجود القوات الأميركية في قاعدة "كي وان" العسكرية في كركوك لسقطت المدينة خلال ساعات".
وبين سلام أن حزبه مع بقاء القوات الأميركية في العراق "بسبب الحاجة الماسة إليها"، موضحا أن القوى الكردية تحترم أميركا وإيران ولا تفضل أحدهما على الآخر، إلا أنها ترفض زج العراق في سياسة المحاور.
بالمقابل، قالت رئيسة كتلة "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، في البرلمان فيان صبري إن الكتل الكردية لم تشارك في جلسة الأحد، موضحة في تصريح صحافي أن نوابا سنة لم يحضروا أيضا.
كما أكد عضو البرلمان عن حركة "الجيل الجديد" الكردية سركوت شمس الدين أن أغلب النواب الأكراد والسنة لم يحضروا الجلسة الاستثنائية للتصويت على إخراج القوات الأميركية، موضحا أن هؤلاء النواب لديهم آراء مغايرة، وهي عدم قناعتهم بجدوى خروج الجنود الأميركيين.