إقلاع طائرة بولتون

24 مارس 2018
+ الخط -
"لا يصل عددكم جميعاً إلى 800 ألف شخص، تعالوا اسكنوا في الولايات المتحدة". عبارة ردّدها جون بولتون أمام شخصية لبنانية من فريق 14 آذار في صيف 2005، في معرض الحديث عن مسيحيي لبنان ودورهم في الشرق الأوسط.
لمن لا يريد تصديق التحولات العسكرية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عليه النظر إلى التعيين الجديد له، فجر أمس الجمعة، إطاحة هربرت روبرت ماكماستر من موقع مستشارا للأمن القومي، وتعيين جون بولتون مكانه. يبدو وقع الاسم رناناً، أليس كذلك؟ ليس بولتون غريباً، بل من "أهل البيت" في الشرق الأوسط. اسمه ترافق مع ملفات ساخنة عديدة في المنطقة، من سورية إلى العراق إلى إيران إلى حزب الله في لبنان. بولتون هو المسار الفاصل بين "أميركتين"، بين أميركا التي جهّزت نفسها لحملة عسكرية وأميركا التي ستطبّق العمل العسكري. بولتون هو المحور الذي ستدور حوله المرحلة المقبلة.
بات معلوماً أن الولايات المتحدة تنوي القيام بعمل عسكري في العالم، لا على شكل إرسال مستشارين، ولا عبر القصف بطائرات من دون طيار، بل سيتسع الدور إلى مجالات أرحب. أصمّ من لا يريد سماع طبول الحرب في الكوكب، خصوصاً الطبل الأميركي. والسؤال الأهم: من أين يمكن أن يبدأ بولتون؟
هناك بؤر صراع متعددة يمكن للأميركيين التحرّك بها. هناك كوريا الشمالية التي يمكن إغلاق ملفها في مايو /أيار المقبل، بلقاء مرتقب بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون. وهناك أفغانستان، في حال استمر الصراع الأميركي ـ الباكستاني، حول ملف حركة طالبان وتنظيم داعش في الوسط الآسيوي. وهناك سورية، في حال أراد الأميركيون ترسيخ وجودهم فيها، شرقي الفرات والتنف، مشرّعين الأبواب أمام انكماش مرتقب للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري من جهة، أو في حال أرادوا تكريس منطق تقسيم سورية أو بناء مناطق إدارية فيها، نوعا من أنواع الفيدرالية أو الحكم الذاتي من جهة أخرى.
وعدا عن الصراعات الأممية مع روسيا والصين، فإن بولتون، في نهاية المطاف، ووسط كل تلك الخيارات، لا بدّ أنه آتٍ رافعاً راية واحدة: "محاربة إيران وحلفائها في المنطقة". الرجل سيدفع بالتأكيد نحو انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/ أيار المقبل. وسيدفع نحو الضغط على رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، لمنع إشراك "الحشد الشعبي" في أي حكومة عراقية، ورافضاً حتى فكرة "التحالف" النيابي بين الطرفين. في اليمن، سيسعى إلى محاصرة الحوثيين أكثر، سعياً إلى إنهاء تمددهم في الشمال اليمني. وفي لبنان، سيعمل على زيادة الضغط على حزب الله، سواء بالعقوبات المالية، أو برفع الغطاء أمام ضربة إسرائيلية محتملة.
بولتون هو عنوان الحرب الجديدة في الشرق الأوسط، ودوره في مسألة ضرب النفوذ الإيراني لا بدّ منه أميركياً. وفي حال نجح بذلك، يكون قد غيّر مسار الأحداث بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 واجتياح أفغانستان (2001) ثم العراق (2003). وفي حال فشل، يكون قد أحدث الفوضى مضمونة النتائج أميركياً في المنطقة. في الحالتين، سيحقق بولتون مراده في الشرق الأوسط، واستطراداً ترامب أيضاً.
"صقر الحرب" كما يلقّب في الولايات المتحدة، على عتبد سنّه الـسبعين. الوقت عامل مهم بالنسبة إليه ولترامب. نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة في 14 مايو/ أيار المقبل محوري في أساسياتهما. يدرك بولتون أنه أمام ترامب "المجنون"، الرجل الذي يمكنه السماح لك بإصدار أوامر "رئاسية"، والرجل الذي يمكنه طردك قبل أن يأكل أول وجبة من "تشيزبرغر" على العشاء. التناغم مع ترامب حتمي لبولتون، وإلا فإنه سيلحق بأسلافه من ماكماستر إلى ستيف بانون.
"الدبلوماسية ليست نهاية إن لم تؤمّن مصالح الولايات المتحدة" عبارة لبولتون يمكنها كشف كثير عن "طموحاته" وتطلعاته في المرحلة المقبلة. شدّوا الأحزمة، انطلقت طائرة بولتون من البيت الأبيض، في انتظار أن تحطّ في ساحة نزاعٍ ما.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".