يضج سوق "المخراز" بجوار سوق اليرموك، شرقي مدينة غزة، بعشرات البسطات الشعبية، ومئات المواطنين والباعة، جاء كل منهم لمقصد يختلف عن الآخر، لكنهم جميعاً اتفقوا على أن سوق الأدوات القديمة، يلبي الاحتياجات بأسعار زهيدة، مقارنة بغيره.
الحالة الاقتصادية المتردية التي يمر بها مواطنو قطاع غزة، جاءت نتيجة الحصار الإسرائيلي الخانق، والمستمر منذ عشرة أعوام، تفاقمت حدتها نتيجة مواصلة الجانب الإسرائيلي إغلاق كافة المنافذ، ومنع دخول المواد الخام، التي تساهم بتشغيل مئات آلاف العمال الفلسطينيين.
الأسعار الزهيدة، ووجود مختلف الأدوات المستخدمة في سوق المخراز، يدفع مئات المواطنين إلى التوجه إليه أسبوعياً، من أجل البحث في أكوام الأدوات عن حاجتهم، التي يختلف ثمنها عن المتاجر، خاصة في ظل عدم قدرة التجار على تخفيض الأسعار، بسبب صعوبة إدخال الأدوات الجديدة إلى القطاع المحاصر.
ويضم سوق المخراز الملابس المستعملة والأدوات المطبخية والمنزلية، التي جاورت الأحذية المستعملة والمقتنيات العشوائية، وعدد البناء والأجهزة الكهربائية القديمة، علاوة على الغسالات والرفوف والنوافذ والأبواب وأدوات السباكة، والكتب المستخدمة والنحاسيات، وغيرها.
ويبين عدد من الباعة خلال لقاءات متفرقة مع "العربي الجديد" استمرار الإقبال على الشراء إلا أنه أضعف نسبياً من الأعوام السابقة على الرغم من رخص ثمن البضائع المعروضة، وتفضيل المواطنين سوق المخراز، عن غيره، وذلك نتيجة أوضاع المواطنين الصعبة.
ويرى خبراء اقتصاديون، أن توجه المواطنين إلى اقتناء الأدوات القديمة يعتبراً نوعاً من الهروب من نيران الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مدينتهم، ومحاولة منهم للتغلب عليها، خاصة في ظل ارتفاع أسعار مختلف الأدوات، نتيجة تواصل الحصار، وعدم انتظام رواتب عشرات آلاف الموظفين.
اقــرأ أيضاً
الشاب يوسف أبو عمرة، يبدأ منذ الثامنة صباحاً بتصفيف أدواته على أرض سوق المخراز، وتحوي عدداً من الأدوات المطبخية، وأدوات السباكة والبناء، إلى جانب مقتنيات صغيرة أخرى، ويقول أنه يعتمد على يومي الجمعة والسبت في مصروفه الأسبوعي.
ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه يحصل على تلك الأدوات من الباعة المتجولين، أو من البيوت، مبيناً أنه يعمل خلال الأسبوع على تجميع تلك الأدوات من أجل بيعها في السوق، بعد أن عمل في مجموعة محال تجارية، وفي مجال البناء وبيع أشتال الورد والأشجار.
إلى جانبه مباشرة، جلس الستيني أبو عادل السموني، بائع النحاسيات والخردة، الذي يقول لـ"العربي الجديد" أنه بدأ العمل في تجميع هذه الأدوات منذ أكثر من عقدين، لبيعها في الأسواق، مبيناً أنه مولع بالقطع النحاسية القديمة، ومختلف القطع ذات القيمة التراثية.
ويوضح السموني الذي يقطن حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أن الحالة الاقتصادية في قطاع غزة، أثرت كثيراً على الحركة الشرائية، وذلك بسبب توقف عشرات آلاف العمال عن العمل داخل الخط الأخضر، مضيفاً أنه بالكاد يستطيع توفير قوت يومه ويوم عائلته.
ويتابع حديثه قائلاً "يبدأ يومي منذ الفجر، أتناول طعامي، وأشرب كأساً من الشاي، ومن ثم أحمل أغراضي متوجهاً إلى سوق المخراز"، مبيناً أن الإقبال على مثل هذه الأدوات النحاسية مرتفعة الثمن كان كبيراً في السابق، ولكن الآن بدأ التوجه إلى اقتناء الأدوات الجديدة، وترك النحاسيات والقطع القديمة.
بائع الأدوات الكهربائية القديمة كامل أبو شريف، يقول إنه يحملها عبر "تك تك" خاص به، إلى سوق المخراز نهاية الأسبوع، ويقف فيها على مدخل بعض الأسواق في الأيام العادية، موضحاً أن إقبال الناس على تلك الأدوات يزداد بسبب رخص ثمنها، مقارنة بأسعار المحال التجارية.
ويشير أبو شريف في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه يحصل على تلك الأجهزة من المطاعم التي تحاول تجديد أجهزتها، أو من بعض البيوت، مضيفاً أنه يقوم بتصليح المعطوب منها، وتنظيفه، ومن ثم تحضيره للسوق، ويقول "لا يوجد خسارة في عملنا، لكن الربح فيها ضئيل".
من ناحيته؛ يقول خالد أبو سمهدانة، بائع أدوات سباكة قديمة في سوق المخراز، أن الأدوات التي يبيعها غير مستخدمة، لكنها قديمة، بعضها به كسور صغيرة، والآخر يحمل تصاميم قديمة، حل محلها تصاميماً أكثر حداثة، لكنها بالمجمل صالحة للاستعمال.
ويضيف أبو سمهدانة الذي يعتمد على بيعه في توفير مصروف بيته، لـ"العربي الجديد" أن بعض المواطنين لا يتمكنون من شراء الأدوات الجديدة بسبب غلاء ثمنها، ما يدفعهم إلى التوجه لسوق المخراز، موضحاً أن ضغط العمل يكون يوم الجمعة، بينما يضعف يوم السبت وسائر الأيام.
أما جاره صهيب حنون، الذي يبيع ملابس وأحذية مستخدمة، ولكن بحالة جيدة، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه يحصل على كميات كبيرة من الملابس من المستوردين، وتأتي من داخل الخط الأخضر، موضحاً أن أسعار القطع الموجودة رخيص للغاية، لا يكاد يتعدى ثمن القطعة "دولاراً واحداً".
بينما يقول بائع عدد البناء أبو خالد عودة إن بعض الزبائن يفضلون شراء أدوات البناء القديمة، بسبب رخص ثمنها، إلى جانب جودتها العالية، والتي تفتقدها بعض الأدوات الجديدة، مبيناً أنه يبيع فقط الأدوات البسيطة، وأن إقبال الناس عليها كبير، نتيجة تناسب ثمنها مع أوضاعهم.
من ناحيته؛ يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر، معين رجب، إن ازدهار البيع في سوق المخراز والأدوات القديمة يأتي في سياق الظروف الاقتصادية الصعبة، من حيث الدخل المتدني أو حتى انعدام الدخل للمواطنين، علاوة على نسبة البطالة التي طالت شريحة كبيرة.
ويوضح رجب لـ"العربي الجديد" أن تلك الأوضاع تجعل المستهلك غير قادر على شراء الأدوات الجديدة، ما يدفعه إلى البحث عن سلع بأسعار متدنية ومشجعة على اقتنائها، مبيناً أن المواطن في أمس الحاجة لإشباع حاجاته التي تتنوع من وقت لآخر بأرخص الأثمان.
ويشير رجب إلى أنّ ظاهرة انتشار أسواق المخراز طبيعية وغير استثنائية مقارنة بالدول الأخرى، وأن أسواق البالة والمخراز موجودة في عدد من الدول العربية، وأن هذه الأسواق موجودة أينما وجدت شريحة الفقراء.
ويواجه اقتصاد غزة صعوبات كبيرة في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر والحصار المتواصل منذ 10 سنوات، وشهدت معدلات الفقر ارتفاعاً كبيراً في صفوف الفلسطينيين الذين يعيشون في فقر مدقع في غزة، فقد ارتفعت من 33.2% عام 2006 إلى 45% في نهاية عام 2015 وفقاً لتقرير البنك الدولي.
اقــرأ أيضاً
الحالة الاقتصادية المتردية التي يمر بها مواطنو قطاع غزة، جاءت نتيجة الحصار الإسرائيلي الخانق، والمستمر منذ عشرة أعوام، تفاقمت حدتها نتيجة مواصلة الجانب الإسرائيلي إغلاق كافة المنافذ، ومنع دخول المواد الخام، التي تساهم بتشغيل مئات آلاف العمال الفلسطينيين.
الأسعار الزهيدة، ووجود مختلف الأدوات المستخدمة في سوق المخراز، يدفع مئات المواطنين إلى التوجه إليه أسبوعياً، من أجل البحث في أكوام الأدوات عن حاجتهم، التي يختلف ثمنها عن المتاجر، خاصة في ظل عدم قدرة التجار على تخفيض الأسعار، بسبب صعوبة إدخال الأدوات الجديدة إلى القطاع المحاصر.
ويضم سوق المخراز الملابس المستعملة والأدوات المطبخية والمنزلية، التي جاورت الأحذية المستعملة والمقتنيات العشوائية، وعدد البناء والأجهزة الكهربائية القديمة، علاوة على الغسالات والرفوف والنوافذ والأبواب وأدوات السباكة، والكتب المستخدمة والنحاسيات، وغيرها.
ويبين عدد من الباعة خلال لقاءات متفرقة مع "العربي الجديد" استمرار الإقبال على الشراء إلا أنه أضعف نسبياً من الأعوام السابقة على الرغم من رخص ثمن البضائع المعروضة، وتفضيل المواطنين سوق المخراز، عن غيره، وذلك نتيجة أوضاع المواطنين الصعبة.
ويرى خبراء اقتصاديون، أن توجه المواطنين إلى اقتناء الأدوات القديمة يعتبراً نوعاً من الهروب من نيران الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مدينتهم، ومحاولة منهم للتغلب عليها، خاصة في ظل ارتفاع أسعار مختلف الأدوات، نتيجة تواصل الحصار، وعدم انتظام رواتب عشرات آلاف الموظفين.
ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه يحصل على تلك الأدوات من الباعة المتجولين، أو من البيوت، مبيناً أنه يعمل خلال الأسبوع على تجميع تلك الأدوات من أجل بيعها في السوق، بعد أن عمل في مجموعة محال تجارية، وفي مجال البناء وبيع أشتال الورد والأشجار.
إلى جانبه مباشرة، جلس الستيني أبو عادل السموني، بائع النحاسيات والخردة، الذي يقول لـ"العربي الجديد" أنه بدأ العمل في تجميع هذه الأدوات منذ أكثر من عقدين، لبيعها في الأسواق، مبيناً أنه مولع بالقطع النحاسية القديمة، ومختلف القطع ذات القيمة التراثية.
ويوضح السموني الذي يقطن حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أن الحالة الاقتصادية في قطاع غزة، أثرت كثيراً على الحركة الشرائية، وذلك بسبب توقف عشرات آلاف العمال عن العمل داخل الخط الأخضر، مضيفاً أنه بالكاد يستطيع توفير قوت يومه ويوم عائلته.
ويتابع حديثه قائلاً "يبدأ يومي منذ الفجر، أتناول طعامي، وأشرب كأساً من الشاي، ومن ثم أحمل أغراضي متوجهاً إلى سوق المخراز"، مبيناً أن الإقبال على مثل هذه الأدوات النحاسية مرتفعة الثمن كان كبيراً في السابق، ولكن الآن بدأ التوجه إلى اقتناء الأدوات الجديدة، وترك النحاسيات والقطع القديمة.
بائع الأدوات الكهربائية القديمة كامل أبو شريف، يقول إنه يحملها عبر "تك تك" خاص به، إلى سوق المخراز نهاية الأسبوع، ويقف فيها على مدخل بعض الأسواق في الأيام العادية، موضحاً أن إقبال الناس على تلك الأدوات يزداد بسبب رخص ثمنها، مقارنة بأسعار المحال التجارية.
ويشير أبو شريف في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه يحصل على تلك الأجهزة من المطاعم التي تحاول تجديد أجهزتها، أو من بعض البيوت، مضيفاً أنه يقوم بتصليح المعطوب منها، وتنظيفه، ومن ثم تحضيره للسوق، ويقول "لا يوجد خسارة في عملنا، لكن الربح فيها ضئيل".
من ناحيته؛ يقول خالد أبو سمهدانة، بائع أدوات سباكة قديمة في سوق المخراز، أن الأدوات التي يبيعها غير مستخدمة، لكنها قديمة، بعضها به كسور صغيرة، والآخر يحمل تصاميم قديمة، حل محلها تصاميماً أكثر حداثة، لكنها بالمجمل صالحة للاستعمال.
ويضيف أبو سمهدانة الذي يعتمد على بيعه في توفير مصروف بيته، لـ"العربي الجديد" أن بعض المواطنين لا يتمكنون من شراء الأدوات الجديدة بسبب غلاء ثمنها، ما يدفعهم إلى التوجه لسوق المخراز، موضحاً أن ضغط العمل يكون يوم الجمعة، بينما يضعف يوم السبت وسائر الأيام.
أما جاره صهيب حنون، الذي يبيع ملابس وأحذية مستخدمة، ولكن بحالة جيدة، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه يحصل على كميات كبيرة من الملابس من المستوردين، وتأتي من داخل الخط الأخضر، موضحاً أن أسعار القطع الموجودة رخيص للغاية، لا يكاد يتعدى ثمن القطعة "دولاراً واحداً".
بينما يقول بائع عدد البناء أبو خالد عودة إن بعض الزبائن يفضلون شراء أدوات البناء القديمة، بسبب رخص ثمنها، إلى جانب جودتها العالية، والتي تفتقدها بعض الأدوات الجديدة، مبيناً أنه يبيع فقط الأدوات البسيطة، وأن إقبال الناس عليها كبير، نتيجة تناسب ثمنها مع أوضاعهم.
من ناحيته؛ يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر، معين رجب، إن ازدهار البيع في سوق المخراز والأدوات القديمة يأتي في سياق الظروف الاقتصادية الصعبة، من حيث الدخل المتدني أو حتى انعدام الدخل للمواطنين، علاوة على نسبة البطالة التي طالت شريحة كبيرة.
ويوضح رجب لـ"العربي الجديد" أن تلك الأوضاع تجعل المستهلك غير قادر على شراء الأدوات الجديدة، ما يدفعه إلى البحث عن سلع بأسعار متدنية ومشجعة على اقتنائها، مبيناً أن المواطن في أمس الحاجة لإشباع حاجاته التي تتنوع من وقت لآخر بأرخص الأثمان.
ويشير رجب إلى أنّ ظاهرة انتشار أسواق المخراز طبيعية وغير استثنائية مقارنة بالدول الأخرى، وأن أسواق البالة والمخراز موجودة في عدد من الدول العربية، وأن هذه الأسواق موجودة أينما وجدت شريحة الفقراء.
ويواجه اقتصاد غزة صعوبات كبيرة في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر والحصار المتواصل منذ 10 سنوات، وشهدت معدلات الفقر ارتفاعاً كبيراً في صفوف الفلسطينيين الذين يعيشون في فقر مدقع في غزة، فقد ارتفعت من 33.2% عام 2006 إلى 45% في نهاية عام 2015 وفقاً لتقرير البنك الدولي.