إقامة التماثيل تثير جدلًا في المغرب

30 نوفمبر 2015
منحوتة الأسد في الساحة
+ الخط -
أثارت دعوات إلى إقامة تماثيل شخصيات عظيمة في تاريخ المغرب وسط الساحات والفضاءات العامة في المدن الكبرى، جدلًا وسجالًا بين مؤيدين، امتنانًا لهذه الشخصيات، ورافضين لدوافع دينية أساسًا.
وقد أطلق دعوة إقامة التماثيل هذه، وزير الثقافة السابق، الروائي المغربي بنسالم حمّيش، الذي وجّه رسالة إلى "فقهاء" المغرب لمعرفة رأيهم في الموضوع، ثم وجّه الطلب إلى عدد من وزراء الحكومة.

ردود أفعال

وقال بنسالم حميش لـ"محلق الثقافة" إنه لم يتلق عن دعوته تلك، أي جواب أو ردّ سواء من قبل علماء الدين والفقهاء في المغرب باستثناء فقيه واحد، كما لم يصله بعد أي جواب من وزراء الحكومة.
وكشف حميش أنه تلقى العديد من رسائل وخطابات التأييد لاقتراحه. وفسّر صمت فقهاء الدين باعتباره "موافقة غير معلنة". وأما الوزراء فلم يرد منهم سوى محمّد الوفا، وزير الشؤون العامة للحكومة، الذي أبدى تعاطفه مع الطلب، مشيرًا إلى أن "دعاة الحداثة" أحجموا بدورهم عن التجاوب مع الفكرة.

اقرأ أيضًا: الحضارة والنحاس المصهور

وطرح حميش، ضمن مقال له نشره في جريدة هسبريس الإلكترونية، أسئلة، أراد منها سبر الموضوع وطرق التعاطي معه فكتب: "أليس من المفارقة، بل النفاق، أن تخلوَ فضاءاتنا البرّانية من التماثيل والنصب، وأن نجدها قائمة داخل بعض متاحفنا؟".
واستدل حميش بما يوجد في متحف الآثار بالرباط، حيث "تطالعنا تماثيل، واحد لبطليموس بن يوبا الثاني، وخاتم حكّام موريتانيا الطنجية. وآخر لفينوس ربّة الحب والجمال. وآخر لإسكولاب ربّ الطب. وتمثال للغلام المتوّج، وكذلك الشأن في أبهاء فنادق رفيعة تحوي مجسمات حيوانية وحتى آدمية".

امتنان للعظماء

ويقول في هذا الصدد الأديب والكاتب المغربي، مصطفى لغتيري، "إنه يتفق مع هذه الدعوة التي تعبّر عن نوع من الاعتراف المستحق بالعظماء الذين وهبوا حياتهم من أجل الوطن أو الإنسانية. كما أنها تشكل نوعًا من الحفاظ على الذاكرة حية، حتى يكون أصحاب هذه التماثيل قدوة للأجيال الصاعدة".
وأردف لغتيري، في تصريحات لـ"ملحق الثقافة"، بأن "المعترضين على هذه الفكرة الحضارية، لا يفرقون بين فلسفة التماثيل قديمًا وحديثًا، فقد كانت تنشأ في العصور القديمة من أجل العبادة بسبب انتشار الديانات الوثنية التي كانت يحتاج معتنقوها إلى شيء مادي ملموس، لكي يعبدوه ويتضرّعوا إليه، من أجل تحقيق مآرب شتى".

اقرأ أيضًا: نصب شهرزاد وشهريار في بغداد

وزاد الروائي المغربي بأن "هذا النوع من التماثيل هو الذي رفضه الإسلام، ودشّن هذا الرفض انطلاقًا من هدم تماثيل الكعبة بعد فتحها من طرف المسلمين". موضحًا أن فلسفة التماثيل الحديثة ليست سوى تكريم شخصيات، اشتهروا بعطائهم الفكري أو السياسي أو الاجتماعي، وساهموا في رقي أوطانهم والإنسانية جمعاء في سلم التحضّر والحرية والتقدم".

سدّ الذرائع

ومن الفقهاء المغاربة النادرين الذين تصدّوا لاقتراح إقامة تماثيل وسط الساحات وفي شوارع المملكة، الشيخ عبد الباري الزمزمي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي قال لـ"ملحق الثقافة" إنه "يعارض هذه الفكرة لسبب بسيط، لأن الشرع يحرم إقامة التماثيل".
وحول إقامة تماثيل من أجل التذكير بعظماء المغرب في مختلف المجالات، وتخليد أسمائهم وسط جيل الشباب الذي يجهل عنهم الكثير، شدّد الزمزمي على "أن نصب التماثيل حرام قطعًا في الدين الإسلامي"، مبرزًا أن الشرع "يخشى تحوّل تلك التماثيل إلى أوثان يعبدها الناس، ليس عن طريق الصلاة لها، كما كان يفعل المشركون في عصور غابرة، بل من خلال تعظيمها وتقديسها".

اقرأ أيضًا: نصب الحرية

ودعا الزمزمي أصحاب فكرة نصب التماثيل في الساحات وشوارع المدن، إلى "الكفّ عن توجيه مثل تلك المطالب والمقترحات، لأنه علماء الدين لن يقبلوا بها، ولن يتعدوا حدود الله، من أجل إرضاء نزوات أشخاص وتحقيق أفكار، كان من المفترض توجيهها إلى ما يفيد الأمة الإسلامية أكثر، لا الإصرار على إقامة التماثيل".


جهل بالحداثة

وردًا على ذلك، أفاد بنسالم حميش، بأنه التقى شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، قبل وفاته، فأكد له "أنه ليس هناك أيُّ تنافٍ شرعي بين الدين ونصب التماثيل ما دامت لا تُعبد ولا يُتوسل إليها من دون ربِّ العالمين".
وضرب وزير الثقافة في سنة 2009، مثالًا بجواز إقامة تماثيل، ما ورد في كتاب تاريخ المغرب الصادر عن المعهد الملكي في 2011: "خلافًا لما يشاع، ليس هناك في الإسلام ما يثبت قطعًا إقصاء تجسيد المخلوقات، حيث تشهد على ذلك الآثار الفنية الإسلامية بوجه عام".
وسجل حميش أن "الوقوف ضدّ الفكرة والمشروع، لا ينم إلا عن جهل بإحدى مقومات المدنية الراقية، وعن إعراض غريزي لمغرب ذي أصالة مؤسسة وحداثة"، مشيرًا إلى أنه يمكن الاكتفاء مرحليًا بإقامة تماثيل لحيوانات نبيلة، مثل الأسد والفرس والحمامة وغيرها، وهي بادية للعيان في ساحات مدن مغربية، من قبيل سطات وتطوان والخميسات وإفران.
المساهمون