وكشفت مصادر مصرية مطلعة أن السبب الرئيسي والوحيد لإحالة التهامي إلى المعاش، هو وصول تقرير للسيسي يؤكد أنه لم يعد قادراً على ممارسة مهام عمله بسبب المرض، وأنه لا يوجد بشكل دائم في مقر الجهاز لهذا السبب. وأضافت المصادر أن آخر مهمة أسندها السيسي إلى رئيس الجهاز شخصياً هي التعاون مع مسؤولين سعوديين للتمهيد لعقد لقاء قمة ثلاثي بين العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل. ونفت المصادر ما ذكرته بعض وسائل الإعلام من أن التهامي هو كبش فداء لواقعة التسريبات الخاصة بقيادات في وزارة الدفاع، موضحة أن التحقيقات التي أجرتها أجهزة سيادية وأمنية في الواقعة ألقت المسؤولية بالكامل على المنظومة الأمنية داخل وزارة الدفاع، وليس المخابرات العامة.
وأوضحت أن رئيس المخابرات الجديد، خالد فوزي، كان يتولى في فترة التسريبات رئاسة هيئة الأمن القومي، وهي الهيئة التي يدخل ضمن اختصاصها مع هيئات أخرى جمع معلومات والتحكّم في عمليات التنصت والتصدي للتخابر الأجنبي.
وأشارت المصادر إلى أن السيسي كلّف فوزي بـ4 ملفات: أولاً الاهتمام بالتنسيق مع السعودية بشأن العلاقات مع قطر في ظل الاتجاه الجديد للتقارب بين القاهرة والدوحة، وأنه سيزور الرياض قريباً لاستكمال مهمة بدأها التهامي في هذا السياق. أما الملف الثاني فهو مساعدة الأمن وجهات التحقيق على رصد العناصر التي تغادر مصر بقصد الانضمام إلى جهات تضر بأمنها، أو تعاديها، أو للانضمام إلى جماعات إرهابية أو تكفيرية في سورية وليبيا.
والملف الثالث هو القضية الفلسطينية، علماً ان فوزي كان الذراع اليمنى للتهامي خلال المفاوضات التي أسفرت عن الهدنة بين حركة "حماس" وإسرائيل في قطاع غزة في عدوان الصيف الماضي. أما الملف الرابع، فكلّف به السيسي اللواء طارق عبد الغني الذي تولى منصب نائب رئيس المخابرات، وهو الخاص بالتعامل مع القبائل والتيارات السياسية في ليبيا، واستكمال المساعي المصرية لعقد مؤتمرات دورية للقبائل لحثها على الالتفاف حول حكومة عبد الله الثني والدفاع عنها في وجه الميليشيات التي تعتبرها القاهرة "متطرفة".
أقصاه مرسي وأعاده السيسي
تخرّج التهامي (67 عاماً)، من الكلية الحربية نهاية العام 1967، وخاض حربي الاستنزاف و1973. وعمل لفترة طويلة إلى جانب وزير الدفاع الأسبق، المشير محمد حسين طنطاوي، الذي اختار التهامي مديراً للمخابرات الحربية في نهاية التسعينات من القرن الماضي.
ولم يكن التهامي معروفاً قبل توليه منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية في آذار/ مارس 2004 خلفاً للواء هتلر طنطاوي. ويناط بهذه الهيئة جمع المعلومات وضبط وقائع الفساد التي يرتكبها المسؤولون الحكوميون. وكانت فترة تولي التهامي إدارة هيئة الرقابة هي الأقل لجهة تأثير الهيئة وكشفها لقضايا الفساد طوال تاريخها. وعرفت فترة إدارته خروج الضباط العاملين بالهيئة والمنتمين أساساً للشرطة عن مقتضى السرية الواجبة في مثل هذه الهيئات الرقابية، عبر الإدلاء بتصريحات إعلامية حول القضايا التي يتم الكشف عنها، ولا يحرك رئيس الهيئة حيالها ساكناً.
وكان أبرز هؤلاء المقدّم معتصم فتحي، صاحب التحريات الأساسية في القضايا المالية الخاصة بقصور الرئاسة، ووزير الإسكان الأسبق، إبراهيم سليمان. وتقدّم فتحي بعشرات البلاغات إلى النيابة العامة، مستنداً إلى التحريات التي أجراها والمعلومات التي جمعها عن فساد رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، متجاوزاً التهامي، بهدف تحريك القضايا عملياً؛ خطوة فتحي كلّفته الإقالة من منصبه من قبل التهامي.
وبقي التهامي في موقعه بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، مستفيداً من علاقته القوية بالمشير طنطاوي، الذي أصبح بمثابة رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للقوات المسلّحة، إلى أن تولى محمد مرسي رئاسة الجمهورية بعد عدّة أسابيع. عندها، طلب الأخير من ضابط الرقابة الإدارية المقال، معتصم فتحي، لقاءه، فعرض الأخير على مرسي العشرات من ملفات الفساد ضد وزراء مبارك ومديري مكاتبهم ومسؤولين في مختلف الأجهزة، يتوقف تحريكها على قرار من التهامي، لم يصدر أبداً.
كما شملت المعلومات حصول التهامي على قطع من الأرض بالأمر المباشر ودون استيفاء الإجراءات القانونية.
وبناءً على هذه المعلومات، اتخذ مرسي قراراً بإقالة التهامي من منصبه وتعيين اللواء عمر هيبة خلفاً له في سبتمبر/ أيلول 2012.
وظن المراقبون أن دور التهامي انتهى. غير أنّه عاد للظهور عقب 30 يونيو/ حزيران 2013، وعزل مرسي في 3 يوليو/ تموز؛ إذ اختاره عبد الفتاح السيسي رئيساً لجهاز المخابرات العامة، خلفاً للواء محمد رأفت شحاتة، الذي تولى المنصب في عهد مرسي، وكان رجل الاتصال الأول بقيادات حركة "حماس"، ومسؤول ملف إسرائيل لفترات طويلة تحت رئاسة اللواء الراحل عمر سليمان.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن تعيين التهامي لم يحظ بقبول واسع في الجهاز، نظراً لكونه لا يملك خبرة العمل فيه، إذ كان آخر منصب مرتبط بالمخابرات تولاه قبل نحو 10 سنوات، في القوات المسلّحة.
وفي سبتمبر الماضي، تعرّض التهامي لوعكة صحية اضطرته لإجراء عمليتين جراحيتين لاستبدال مفصلين، ما أعاقه عن ممارسة مهام عمله على النحو الأمثل. ومارس مسؤولياته بواسطة مساعديه، وفي مقدّمتهم اللواء خالد فوزي، الرئيس الجديد للجهاز.
وكانت المهمة الوحيدة التي قام بها التهامي خلال الفترة الأخيرة هي زيارته للسعودية مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري للقاء ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز، للتباحث حول سبل تنفيذ مبادرة الملك عبد الله للتقارب بين مصر وقطر، وبعدها سافر في رحلة علاجية خارج البلاد.
وذكرت مصادر، رفضت الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد"، أن السيسي تلقى تقارير رسمية تفيد بعدم قدرة التهامي على أداء مهامه لأسباب صحية، وأن جهاز المخابرات فيه العديد من الملفات التي تتطلّب حسماً من شخصية قيادية موجودة، فأصدر قراره رسمياً أمس، بإحالة التهامي إلى المعاش.
وأكدت المصادر نفسها أن السيسي أبلغ التهامي بالقرار، وتباحث معه فيه قبل إصداره بعدة أيام، كدليل على قوة العلاقة بين الرجلين؛ تلك العلاقة التي دفعت السيسي لتكريمه بوسام الجمهورية من الدرجة الأولى بعد إحالته للمعاش، في تصرف غير معتاد مع رؤساء المخابرات.
رجل غامض في منصب مهم
منذ يومين فقط، بدأت الصحف المصرية تتحدث عن اللواء خالد فوزي كخليفة محتمل للواء محمد فريد التهامي، في رئاسة المخابرات العامة. وليس فوزي معروفاً إلاّ للعاملين في مجال القوات المسلحة والأمن القومي.
وشأنه شأن باقي ضباط المخابرات المصرية، لا يعرف فوزي الأضواء، كما أن دائرة معارفه وصداقاته ضيقة للغاية، ولا تشمل إلاّ مَن عملوا معه في السابق.
آخر منصب عمل فيه فوزي هو رئاسة هيئة الأمن القومي، وهي أحد الأفرع الأساسية للمخابرات العامة، ويعتبر همزة الوصل بين المخابرات ورئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية، ومنوط به قانوناً حماية أمن البلاد معلوماتياً، داخلياً وخارجياً.
وينتمي فوزي (57 عاماً)، إلى محافظة الإسكندرية. وتمت ترقيته لرئاسة هيئة الأمن القومي في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، بقرار من رئيس المخابرات آنذاك اللواء محمد رأفت شحاتة، ثم تمت ترقيته لمنصب مساعد رئيس جهاز المخابرات لشؤون الأمن القومي إلى جانب رئاسته لهيئة الأمن القومي في عهد التهامي.
وفوزي من أبناء القوات المسلحة، تخرّج من الكلية الحربية عام 1978، وعمل بسلاح المشاة، ثم التحق بالمخابرات عام 1982. وتؤكد المصادر أنه يحظى بشعبية جارفة داخل الجهاز، تدعمها سمعة طيبة.