إغراء الدم: قاطعوا "داعش"

20 اغسطس 2014
يستحق جايمس فولي احترام موته (فرانس برس/GETTY)
+ الخط -
واحد، اثنان، ثلاثة، يدخل السكين عنق الصحافي جايمس فولي، ينفصل رأسه عن جسده... يموت جايمس فولي. لم نعد نغمض أعيننا ونحن نشاهد الشريط. لم نعد نقفز من مقاعدنا عندما نشاهد الرأس يطير، منفصلاً عن الجسد. لم تعد دقات قلبنا تتسارع. عادي. كلّ ما نشاهده عادي. 
كلّ ما شاهدناه في السنتين الأخيرتين في سورية ثمّ في العراق، جعل تطبيعنا مع العنف حتمياً: الطفل الذي يغنّي "بالذبح جيناكم" وهو يلوّح بالسكين، الأطفال الراقدون جنباً إلى جنب في الغوطة الشرقية، الطفل الذي يريد أن يكبر فقط ليحارب "الكفار والزنادقة"... 
كيف شاهدنا كل ذلك؟ كيف تأقلمنا مع كل ذلك؟ أو لنقل كيف أجبَرَنا الإعلام على التأقلم مع كل ذلك؟ فجأة أصبحنا نحن والعنف متلازمين. أصبحت الصورة لا تحمل أي إضافة إن لم تلطّخ بالكثير من الدم، بالكثير من قطع الرؤوس، وأكل القلوب البشرية. 
بالذبح جاءنا "داعش"، وبالأحضان المفتوحة استقبله الإعلام. "بالصور والفيديو... قطع رأس الصحافي جايمس فولي" عنونت أغلب المواقع المحترمة وغير المحترمة. عادي. كل ذلك عادي. تحت هذا الخبر، خبر آخر عن "ميريام كلينك تتبوّل في مسبح عام". ثم خبر عن "العثور على حيوانات يفترض أنها دلافين على الشاطئ".
نجح "داعش" في جعل عنفه جزءاً من يومياتنا، تماماً كالعثور على الدلافين على الشاطئ. منذ ظهوره الأول راهن على عنف الصورة، ونجح. لا نعرف إن كانت كل هذه الصور حقيقية، لا نعرف أصلاً إن كان فيديو قطع رأس جايمس فولي صحيحاً. ليس هذا هو المهمّ.. المهم هو استسهال التعاطي مع كل هذه الدماء. المهم هو تبسيط الصراع إلى درجة مقيتة: أشرار وخيّرون، والدليل هذه الصور. 
ليس تعاطي الإعلام مع "داعش" بريئاً. التهويل جزء من سياسة التنظيم، لكنه أيضاً جزء من السياسة الإعلامية لكل خصوم التنظيم. الجميع يستفيد من هذا الرعب الذي يقفز علينا من الشاشات، والصحف والمواقع. 
لكن لحظة. فلنتخيّل ما الذي سيحصل، لو قرّر الإعلام مقاطعة أخبار "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام". فلنتخيّل فقط. ماذا لو امتنع الإعلام عن نشر صور الجثث والقتل والاغتصاب وبيع السبايا؟ لن يختفي "داعش" حتماً. لكنه سيذوب... سيفقد وهجه، ويفقد قوة الصدمة.
لا يتعلّق الأمر بذبح جايمس فولي وحده، بل يتعلّق بقدرتنا على الاستيعاب، قدرتنا على التمييز بين الطبيعي وغير الطبيعي. قصة جايمس فولي أساسية طبعاً، قصة صحافي ذهب بمبادرة شخصية إلى سورية، ليغطي الحرب، لينقل ما يتعرّض له الشعب السوري. تحمل القصة نفحة رومانسية، وتستحق احترام موته التراجيدي.
لا تعرضوا فيديو قطع رأسه، لا تشاركوا صور ذبح "الكفار والروافض والنصارى"، قاطعوا "داعش"... احترموا ما بقي من إنسانيتنا. 


المساهمون