إعدامات أبناء سيناء: قلق على البقية وتشكيك بنزاهة المحاكمات

29 ديسمبر 2017
الإعدامات مسار جديد للتعامل مع الأزمة في سيناء (الأناضول)
+ الخط -
كثيرون في مصر اعتبروا أن إعدام السلطات المصرية أخيراً خمسة عشر مواطناً من سيناء بعد محاكمتهم عسكرياً، هو بمثابة انتقام من قبل الدولة ضد أبناء سيناء عموماً، وتدفيعهم فاتورة الفشل الأمني التي أدّت إلى مجزرة الروضة قبل شهر تقريباً، وعقاب على محاولة اغتيال وزيري الدفاع والداخلية باستهداف طائرتهما في مطار العريش قبل أسبوعين.

وبحسب مصادر أمنية وقضائية مصرية، فإن وزارة الداخلية نفّذت، يوم الثلاثاء الماضي، حكم الإعدام في حق 15 من المتهمين في قضايا متعلقة بـ"الإرهاب"، موضحةً في تصريحات لمواقع إخبارية محلية، أنه "تم إعدام 11 من الصادرة بحقهم أحكام نهائية في جرائم متعلقة بالإرهاب في سجن برج العرب، في حين تم تنفيذ الأحكام في 4 آخرين بسجن وادي النطرون".

من جهتها، كشفت مصادر قبلية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن بعض المصريين الخمسة عشر الذين تم إعدامهم، كانوا معتقلين لدى الأمن المصري قبل وقوع الحوادث المتهمين بها، وآخرين تم إخفاؤهم قسرياً إلى أن خرجوا في محكمة عسكرية بتهمة تنفيذ عمليات ضد قوات الأمن.

وأوضحت المصادر ذاتها أن من بين القتلى أشقاء وأقارب تم اعتقالهم في حملات عسكرية للجيش والشرطة في مدينة العريش ومحيطها بعد الانقلاب عام 2013، ومن بينهم الدكتور أحمد عزمي، الذي تم اعتقاله من عيادته في حي أبي صقل في العريش، قبل هجوم كمين الصفا الذي اتهم بالمشاركة في تنفيذه، وهو ما يشكك في مسببات إعدامهم جميعاً. وأكدت المصادر أن اثنين من المعدمين اعتقلا لأن شقيقهما خرج في إصدار مرئي لتنظيم "ولاية سيناء".

وفي تفاصيل الأسماء، قالت مصادر طبية في مستشفى العريش العام إن المعدمين هم الشقيقان محمد وأحمد سلامة طلال سليمان، والشقيقان حسن وفؤاد سلامة جمعة مسلم، والشقيقان حليم ودهب عواد سليمان عواد، وابن عمهم يوسف عياد عواد، والشقيقان علاء وسلامة كامل سليم سلامة، ومسعد وعبد الرحمن أبو عيطة، ومحمد عايش غنام، وإسماعيل عبد الله حمدان، وإبراهيم السماعنة وأحمد عزمي.


في المقابل، دانت مجموعات حقوقية إعدام هؤلاء بعد محاكمة عسكرية وصفوها بأنها "تفتقر للمعايير الأساسية للحق في المحاكمة العادلة". وكانت محكمة عسكرية مصرية قد قضت بتنفيذ حكم الإعدام بحق خمسة عشر شخصاً من المحكوم عليهم في القضية رقم 411 جنايات كلي الإسماعيلية لسنة 2013 والمعروفة إعلاميّاً بـ"خلية رصد الضباط".

واعتبرت المنظمات الحكم "امتداداً لمسلسل أحكام الإعدام التي لا تراعي أدنى قواعد وضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين". وبتنفيذ حكم الإعدام، يوم الثلاثاء، على 15 شخصاً، يرتفع عدد الأشخاص المدنيين الذين نُفذت فيهم أحكام بالإعدام من القضاء العسكري منذ عام 2013 إلى 21 شخصاً، وهو ما يعد أكبر عدد إعدامات تنفذه الحكومة في تاريخها.

وفوجئ أهالي المتهمين الخمسة عشر بأن السلطات المصرية قد نفذت حكم الإعدام بهم على الرغم من أن قانون الإجراءات الجنائية في مادته 472 نصَّ على أن "لأقارب المحكوم عليه بالإعدام أن يقابلوه في اليوم الذي يعين لتنفيذ الحكم، على أن يكون ذلك بعيداً عن محل التنفيذ".

وأحدث تنفيذ الإعدام حالة من القلق في أوساط أهالي سيناء عبروا عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، فيما زاد قلقهم بعد الإعلان مجدداً عن إعدام دفعة جديدة من المعتقلين، وذلك بحكم من المحكمة العسكرية التي قضت بإعدام 9 متهمين في قضية "أنصار بيت المقدس 3"، غالبيتهم من أبناء سيناء.

وقال جهاد عواد، وهو والد أحد المختفين قسرياً منذ عامين، إنه بات يتوقّع إظهار الدولة لابنه في محكمة عسكرية ومن ثمّ الحكم عليه بالإعدام في أي لحظة، بعد ما حصل مع المعتقلين الخمسة عشر، داعياً مؤسسات حقوق الإنسان في العالم للتدخل فوراً للكشف عن مصير أبنائهم وتقديمهم للمحاكمة في حال ثبوت أي أدلة ضد أبناء سيناء.

وأوضح عواد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القلق ينتاب أهالي المعتقلين والمختفين قسرياً من أبناء سيناء في هذه الآونة، بعد أن أصبح مصير أبنائهم الموت على يد الدولة وقتما أرادت ذلك، وبأحكام من المحاكم العسكرية التي لا تعطي فرصة للمتهمين بإحضار محامين للدفاع عنهم، أو إبلاغ أهاليهم بما يحدث معهم في المعتقلات أو المحاكم".

ويقول أحد مشايخ سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الدولة "باتت تضع طريقين أمام أبناء سيناء، إمّا أن يصبحوا في صفها، ويعملوا كمتعاونين لصالحها، مقابل إطلاق سراح أبنائهم، وإلغاء الأحكام الغيابية، أو الإعدام والأحكام بالمؤبد والأعمال الشاقة لمن لا يجد محامياً يدافع عنه في المحاكم العسكرية" التي يعرض عليها أبناء سيناء.

وأكد الشيخ القبلي أن المئات من أبناء سيناء في سجون العازولي وبرج العرب والعقرب ينتظرون المصير المجهول، مشيراً إلى أن "التوقعات تُنبئ بقيام الدولة بإعدام المزيد من أبناء سيناء خلال الفترة المقبلة للتغطية على فشلها الأمني للتصدي للتنظيم الإرهابي"، معتبراً أن "كل ادعاءات القضاء المصري المدني والعسكري بأن المعتقلين ينتمون لتنظيمات إرهابية عارية من الصحة؛ بالنظر إلى أن قوات الأمن لا تستطيع أصلاً الوصول إلى مناطق تواجد الإرهابيين في سيناء، فكيف لها أن تعتقلهم".

وفي التعليق على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء إن الدولة المصرية "باتت تتخذ من الإعدامات مساراً جديداً للتعامل مع الأزمة في سيناء، بعد فشلها الحقيقي والواضح في إنهاء الحالة القائمة منذ أربعة أعوام على التوالي، والتي وصلت لمراحل متقدمة كان آخرها استهداف وزيري الدفاع والداخلية في مطار العريش". وأضاف أن ما تقوم به الدولة بحق أبناء سيناء "دليل جديد على أن الدولة لم تعد تستطيع السيطرة على الوضع هناك، وتحاول بالإعدامات الظهور أمام الرأي العام المصري بمظهر المسيطر وبأنها تعتقل وتحاكم وتقتل المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية ضد قوات الأمن من وجهة نظرها".