07 نوفمبر 2024
إعادة تنظيم المشهد الحزبي في المغرب
أغْبِط الإعلاميين الذين تابعوا انتخاب الجماعات المحلية والمجالس الجهوية، التي تمت في المغرب يوم 4 سبتمبر/أيلول 2015، ثم تابعوا انتخاب رؤساء الجهات، إلى أن انتهى المسلسل الانتخابي يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول، بانتخاب رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي). فقد كانوا يسجِّلون، بشكل متواتر، نتائج الانتخابات، ولم يكتفوا بذلك، بل اجتهدوا في رسم صور عديدة لواقع المشهد الحزبي والسياسي في مجتمعنا، في ضوء النتائج المعلنة.
أغْبِط، في السياق نفسه، المحلِّلين والباحثين الذين عملوا، بدورهم، على تركيب بعض ملامح التحوُّل الحاصلة في المشهد الحزبي المغربي، اعتماداً على أهم نتائج الانتخابات، وما ترتَّب عنها من معطيات، في موضوع تكوين المجالس الجهوية الجديدة، ومجالس الجماعات في الحواضر والقرى المغربية.
لا أريد أن أكتفي بالتَّنويه بغبطة المغتبطين ممن ذكرت، بل أريد أن أضيف إليهم حماسة الفاعلين السياسيين، سواء منهم الذين تبوأوا مواقع معتبرة، أو الذين حصَّلوا مراتب دنيا في تدبير الجماعات والجهات في بلادنا، ذلك أن مشهداً حزبياً مقسَّماً بين ما يزيد عن ثلاثين حزباً لا يمكن إلاّ أن يُثمِر النتائج المحصَّلة والمرتَّبة بإحْكَامٍ كثير في انتخابات مماثلة.
نفترض أن نتائج انتخابات 2015 ستظل عنواناً لمرحلة جديدة في المشهد السياسي والحزبي في المغرب، ذلك أن التحوُّلات التي عرفها مجتمعنا، نتيجة حراك حركة 20 فبراير، وما تلاه من مواقف وأحداث، من قَبِيل إقرار دستور جديد سنة 2011، ساهم في بناء مشهد سياسي، مَنَحَتْه نتائج الانتخابات الأخيرة واحدة من صِيَغِه المرتقبة، وذلك في انتظار الانتخابات التشريعية التي سَتُجْرَى سنة 2016، بهدف انتخاب البرلمان المغربي (مجلس النواب)، حيث نفترض إمكانية حصول ترسيم لهذه الصيغة.
أمران يشكِّلان أبرز سمات التحوُّل التي طبعت الانتخابات التي نحن بصدد التفكير في نتائجها. يتعلق أولهما بمحاولة الحرص على التكوين القسري لقطبين سياسيين فقط، يمهدان، في نظر العقل المدبِّر للانتخابات ومساطرها، لثنائية مطلوبة، أفقاً مستقبلياً في العمل السياسي في مجتمعنا. والعقل المدبِّر هنا كناية عن النظام السياسي، أو الدولة العميقة بالتعبيرات المتداولة، بحكم أن النظام السياسي المغربي يتطلع إلى مزيد من ضبط المشهد الحزبي، وتشكيل ملامحه في العهد الجديد، وذلك بعد أكثر من عقد ونصف العقد (عهد محمد السادس) في التدبير والمعاينة والترتيب.
أفرزت الانتخابات نتائج يمكن تعقّلها ضمن منظورٍ، يروم بناء قطبين مركزيين، يستوعبان
ويتجاوزان بتدرُّجٍ التشظي المصطنع في مشهدنا الحزبي، حداثي ومحافظ، حيث تصبح التشابكات القائمة بين أحزابٍ عديدة مجرد بقايا لنمط من العمل لم يعد له جدوى، وعلى من يُمثِّل القطب الحداثي والتحديثي أن يظل، في تصوُّر النظام، مرتبطاً بمجموعة من الأحزاب التي نُعِتَت عند نشأتها بالأحزاب الإدارية. وفي قلب هذا القطب الذي يقوده اليوم حزب الأصالة والمعاصرة، يمكن أن تحصل التحالفات والإدماجات، وقد لا يكون هناك مفر، في البداية، من تعدُّد مكوِّناته، على الرغم من الوحدة الجامعة بينهم. أما القطب الثاني المحافظ، فيمكن أن يستوعب حزب العدالة والتنمية والأحزاب السياسية المحافظة قبله، مثل حزب الاستقلال، كما يمكن أن يستوعب التيارات، التي يحتمل أن تكون في طور التَّشَكُّل بعده.
نتبيَّن، ونحن نبسط هذا التقابل بين القطبين المذكورين، أننا أمام محاولة في إعادة بناء المشهد السياسي الجديد، بأسماء جديدة، وبحضور بارز لبنية النظام السياسي المغربي داخل القطبين، فلا أحد منهما يدَّعِي أنه فوق النظام. إنهما معاً يعلنان أنهما يتجهان إلى ترسيخ قيم التحديث والإصلاح والديمقراطية، مع فوارق بسيطة، حيث ينفتح الأول على مكاسب التحديث التي يُقِرُّها المجتمع الدولي، وتُعَدُّ من مكاسب الفكر المعاصر. ويتجه الثاني إلى مراعاة ما يعتبره من متطلبات البنية المحافظة داخل مجتمعنا، معلناً لزوم التشبث ببعض القيم الموروثة.
أما الأمر الثاني الذي كشفت عنه نتائج الانتخابات، فيتعلق بتراجع اليسار المغربي، وبصورة واضحة ومرتبة، حيث يمكن إدراج واقع حال حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مثلاً، ضمن مسلسل من التراجع المؤلم، قياساً إلى أنماط حضوره في مشهدنا السياسي، طوال ما يزيد عن أربعة عقود.
ساهمت عوامل عديدة في تركيب جوانب من هذا الذي نعاين، اليوم، ملامحه الكبرى في مشهدنا الحزبي، غير أننا لا نعتبر أن الخيارات التي يجري، اليوم، رسمها، حتمية أو قدريَّة، إنها تعبير مباشر عن بعض مظاهر الصراع السياسي داخل مجتمعنا، الأمر الذي يفيد بأن الصراع السياسي المتواصل اليوم، وإن كان يبدو أنه يروم بناء قطبية سياسية ثنائية، خدمة لمصالح وخيارات محدَّدة، فإنه يظل، قبل ذلك وبعده، فضاء مفتوحاً للتنافس والصراع أمام كل الذين يتطلعون إلى إصلاح ديمقراطي، يكون فيه لليسار دور يمنحه النجاعة المطلوبة في عالمٍ، تلاحقه تغيرات عاصفة. وبناء عليه، نتساءل: هل يستطيع الاتحاد الاشتراكي الانتصار على أعطابه، ومواجهة مشهد حزبي صاعد ومرغوب فيه؟
أغْبِط، في السياق نفسه، المحلِّلين والباحثين الذين عملوا، بدورهم، على تركيب بعض ملامح التحوُّل الحاصلة في المشهد الحزبي المغربي، اعتماداً على أهم نتائج الانتخابات، وما ترتَّب عنها من معطيات، في موضوع تكوين المجالس الجهوية الجديدة، ومجالس الجماعات في الحواضر والقرى المغربية.
لا أريد أن أكتفي بالتَّنويه بغبطة المغتبطين ممن ذكرت، بل أريد أن أضيف إليهم حماسة الفاعلين السياسيين، سواء منهم الذين تبوأوا مواقع معتبرة، أو الذين حصَّلوا مراتب دنيا في تدبير الجماعات والجهات في بلادنا، ذلك أن مشهداً حزبياً مقسَّماً بين ما يزيد عن ثلاثين حزباً لا يمكن إلاّ أن يُثمِر النتائج المحصَّلة والمرتَّبة بإحْكَامٍ كثير في انتخابات مماثلة.
نفترض أن نتائج انتخابات 2015 ستظل عنواناً لمرحلة جديدة في المشهد السياسي والحزبي في المغرب، ذلك أن التحوُّلات التي عرفها مجتمعنا، نتيجة حراك حركة 20 فبراير، وما تلاه من مواقف وأحداث، من قَبِيل إقرار دستور جديد سنة 2011، ساهم في بناء مشهد سياسي، مَنَحَتْه نتائج الانتخابات الأخيرة واحدة من صِيَغِه المرتقبة، وذلك في انتظار الانتخابات التشريعية التي سَتُجْرَى سنة 2016، بهدف انتخاب البرلمان المغربي (مجلس النواب)، حيث نفترض إمكانية حصول ترسيم لهذه الصيغة.
أمران يشكِّلان أبرز سمات التحوُّل التي طبعت الانتخابات التي نحن بصدد التفكير في نتائجها. يتعلق أولهما بمحاولة الحرص على التكوين القسري لقطبين سياسيين فقط، يمهدان، في نظر العقل المدبِّر للانتخابات ومساطرها، لثنائية مطلوبة، أفقاً مستقبلياً في العمل السياسي في مجتمعنا. والعقل المدبِّر هنا كناية عن النظام السياسي، أو الدولة العميقة بالتعبيرات المتداولة، بحكم أن النظام السياسي المغربي يتطلع إلى مزيد من ضبط المشهد الحزبي، وتشكيل ملامحه في العهد الجديد، وذلك بعد أكثر من عقد ونصف العقد (عهد محمد السادس) في التدبير والمعاينة والترتيب.
أفرزت الانتخابات نتائج يمكن تعقّلها ضمن منظورٍ، يروم بناء قطبين مركزيين، يستوعبان
نتبيَّن، ونحن نبسط هذا التقابل بين القطبين المذكورين، أننا أمام محاولة في إعادة بناء المشهد السياسي الجديد، بأسماء جديدة، وبحضور بارز لبنية النظام السياسي المغربي داخل القطبين، فلا أحد منهما يدَّعِي أنه فوق النظام. إنهما معاً يعلنان أنهما يتجهان إلى ترسيخ قيم التحديث والإصلاح والديمقراطية، مع فوارق بسيطة، حيث ينفتح الأول على مكاسب التحديث التي يُقِرُّها المجتمع الدولي، وتُعَدُّ من مكاسب الفكر المعاصر. ويتجه الثاني إلى مراعاة ما يعتبره من متطلبات البنية المحافظة داخل مجتمعنا، معلناً لزوم التشبث ببعض القيم الموروثة.
أما الأمر الثاني الذي كشفت عنه نتائج الانتخابات، فيتعلق بتراجع اليسار المغربي، وبصورة واضحة ومرتبة، حيث يمكن إدراج واقع حال حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مثلاً، ضمن مسلسل من التراجع المؤلم، قياساً إلى أنماط حضوره في مشهدنا السياسي، طوال ما يزيد عن أربعة عقود.
ساهمت عوامل عديدة في تركيب جوانب من هذا الذي نعاين، اليوم، ملامحه الكبرى في مشهدنا الحزبي، غير أننا لا نعتبر أن الخيارات التي يجري، اليوم، رسمها، حتمية أو قدريَّة، إنها تعبير مباشر عن بعض مظاهر الصراع السياسي داخل مجتمعنا، الأمر الذي يفيد بأن الصراع السياسي المتواصل اليوم، وإن كان يبدو أنه يروم بناء قطبية سياسية ثنائية، خدمة لمصالح وخيارات محدَّدة، فإنه يظل، قبل ذلك وبعده، فضاء مفتوحاً للتنافس والصراع أمام كل الذين يتطلعون إلى إصلاح ديمقراطي، يكون فيه لليسار دور يمنحه النجاعة المطلوبة في عالمٍ، تلاحقه تغيرات عاصفة. وبناء عليه، نتساءل: هل يستطيع الاتحاد الاشتراكي الانتصار على أعطابه، ومواجهة مشهد حزبي صاعد ومرغوب فيه؟