أثارت قرارات رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي الأخيرة، بإجراء تغييرات طاولت قادة المؤسسة العسكرية من الصف الأول الذين يمثلون رأس الهرم فيها، موجة انتقادات سياسية شديدة، مع اعتبار تلك القرارات إساءة لأدوار القادة الذين كان لهم أثر واسع في تحرير المحافظات العراقية من احتلال تنظيم "داعش". وحرّك القرار، الذي اتخذه عبد المهدي أخيراً بإقصاء قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من منصبه وإحالته إلى دائرة الإمرة في وزارة الدفاع، وقبله قرارات نقل وتجميد وعزل وإحالة على التقاعد طاولت العديد من القادة الكبار، المخاوف من أثر تلك القرارات على الساحة الأمنية والسياسية في البلاد، مع حديث البعض عن أنها جاءت انعكاساً للصراع السياسي في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، لا سيما أن تلك القرارات أقصت القادة المناوئين للمعسكر الإيراني، فيما قال مسؤولون عراقيون إن القرارات كشفت عن ملامح خطة ممنهجة لتغيير القيادات العسكرية.
وقال مسؤول أمني رفيع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرار الأخير الذي اتُخذ بإقصاء الساعدي من منصبه، لم يكن منفصلاً عن القرارات التي سبقته، التي طاولت قادة الخط الأول وضباطاً آخرين لهم الدور البارز في معارك التحرير"، مبيناً أنّ "القرارات كانت قد شملت قبل الساعدي، وخلال أقل من عام واحد، قائد العمليات الخاصة الثانية في جهاز مكافحة الإرهاب اللواء الركن معن السعدي، وقائد العمليات الخاصة الثالثة في جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن سامي العارضي، وقائد عمليات نينوى اللواء الركن نجم الجبوري، ونائبه اللواء الركن كريم الشويلي، وقائد القوات البرية السابق الفريق الركن رياض العبيدي، وقائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت، وقائد عمليات الأنبار اللواء الركن محمود الفلاحي، فضلاً عن قرارات بنقل وتجميد خمسة ضباط كبار في قيادة عمليات الجزيرة والبادية، وأخرى في قيادة عمليات صلاح الدين".
وأكد المسؤول أن "عمليات النقل والتجميد والإحالة على التقاعد، تجري بشكل منظّم، مستهدفة القادة الذين عُرفوا برفضهم للنفوذ الإيراني في العراق، وقد أبدوا تعاوناً واضحاً وتنسيقاً مع الجانب الأميركي والتحالف الدولي خلال عمليات التحرير"، مبيناً أنّ "هؤلاء القادة هم من خيرة قادة المؤسسة العسكرية العراقية، وأن سيرهم الذاتية والمهنية حافلة بالانتصارات والنجاحات في العمل العسكري، ولم تسجل حولهم أي ملاحظات تستوجب الإقالة أو التجميد".
وذكر أنّ "المعلومات المتوفرة لدينا تؤكد أن هناك ضباطاً آخرين ستتخذ قرارات لاحقة بإقصائهم عن مناصبهم، وكلهم من الضباط البعيدين عن الخط الإيراني"، معتبراً أن "تلك القرارات هي استجابة لضغوط تعرّض لها عبد المهدي من الجانب الإيراني، ومن قيادات الحشد الشعبي، والتي تسعى إلى إضعاف المؤسسة العسكرية النظامية في العراق، مقابل دعم مليشيا الحشد الشعبي".
قرارات عبد المهدي استهدفت جهازين أمنيين، وهما قيادات العمليات وجهاز مكافحة الإرهاب، وهما جهازان أسستهما واشنطن حديثاً في العراق، ووفّرت لهما الدعم العسكري المطلوب، وتعاونت معهما في محاربة تنظيم "داعش". ويعد القرار الأكثر أثراً على المؤسسة العسكرية هو إقصاء الساعدي من منصبه، والذي اعتبر القرار عقوبة له، مؤكداً أنه لن يقبل بتنفيذه. وقال الساعدي، في لقاء تلفزيوني، إن "قرار استبعادي وإحالتي إلى إمرة وزارة الدفاع، هو عقوبة، ونحن كجهاز مكافحة الإرهاب غير مرتبطين بوزارة الدفاع، ولا يجوز نقلنا إلى الوزارة"، موضحاً "أنا عسكري ضمن المؤسسة الأمنية أنفذ الأوامر العسكرية، شرط أن تكون أوامر تحفظ كرامتي". وأضاف "أنا غير مستعد للنقل إلى إمرة وزارة الدفاع، وأفضل السجن على ذلك"، متابعاً "طالبت عبد المهدي بإحالتي على التقاعد".
وقوبل قرار عزل الساعدي من منصبه بانتقادات واسعة، إذ عدّه رئيس الحكومة السابقة حيدر العبادي، بأنه قرار "بيع للوطن". وذكر العبادي في تغريدة له على "تويتر": "ما هكذا تكافئ الدولة مقاتليها الذين دافعوا عن الوطن. بالتأكيد هناك سياقات لتغيير أو تدوير المواقف العسكرية والأمنية، لكن يجب أن تكون على أساس المهنية وعدم التفريط في من قدموا للشعب والوطن في الأيام الصعبة". وعبّر عن استغرابه "هل وصل بيع المناصب إلى المؤسسة العسكرية والأمنية"، مضيفاً "لا لبيع الوطن".
بينما عد زعيم حزب "الحل"، جمال الكربولي، القرار "خطأً قاتلاً في سياق الحرب ضد الإرهاب، ورسالة سلبية عن عدم حرص العراق على الحفاظ على كفاءاته المهنية والعسكرية، والتي عجز الإرهابيون عن استهدافهم وإبعادهم عن أرض المعركة". وحذّر مراقبون من مغبة استمرار انصياع القرارات المهمة إلى الجهات الخارجية، التي ستكون نتائجها خطيرة على البلاد.
وقال الخبير السياسي، نهاد العبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن "المؤسسة العسكرية اليوم بحاجة إلى هؤلاء الكفاءات، وعزلهم سيضعف بما لا يقبل الشك المؤسسة العسكرية"، منوّهاً إلى أن "القرارات فتحت الباب واسعاَ أمام دخول النفوذ الإيراني إلى رأس الهرم في المؤسسات العسكرية وتحكّمها فيها، وأكدت أنها اتخذت بضغط من طهران في ظل توتر علاقتها مع أميركا". وأكد أن "القرارات ستكون لها نتائج سلبية على الواقع الأمني، خصوصاَ مع استمرار خطر داعش، كما ستنعكس سلباً على الواقع السياسي، خصوصاً في ظل الصراع الأميركي الإيراني، وأن واشنطن ترفض هذا النفوذ في العراق، ما يعني وضع العراق في بؤرة الصراع بين واشنطن وطهران".