إطاحة خالد فوزي... ذروة صراع الأجهزة في مصر

19 يناير 2018
عيّن فوزي مديراً للاستخبارات العامة أواخر 2014(العربي الجديد)
+ الخط -
شكل القرار الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الخميس، بتكليف مدير مكتبه اللواء عباس كامل بتسيير أعمال جهاز الاستخبارات العامة، وذلك بعد عزل القائم بأعمال مدير الجهاز اللواء خالد فوزي، ذروة ما يبدو أنه صراع خفي كان يدور في الكواليس بين الجهازين الأمنيين الأقوى في مصر (الاستخبارات العامة، ونظيرتها الحربية).

أربع وقائع حدثت خلال الفترة الماضية، ربما تؤكد أن هناك شيئاً ما كان يحدث وراء الكواليس في أقوى مؤسسات نظام حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتشير إلى أن الخلافات، أو على الأقل عدم الارتياح، وغياب التنسيق، أصبحا أمراً واقعاً، بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية (الاستخبارات العامة، والقوات المسلحة والاستخبارات الحربية، ومؤسسة الرئاسة).

أول تلك الأحداث كانت عندما أطاح السيسي بصهره رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمود حجازي في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي وعيّن مكانه الفريق محمد فريد حجازي. وكانت الخطوة بمثابة مفاجأة للجميع، إذ كان الجميع يعتقد أن حجازي هو أقرب وأخلص رجال السيسي، لا سيما أن علاقة نسب تربطه بالرجل، وطالما كان يستشيره في المسائل الحساسة، بالإضافة إلى أنه كان يشرف على العديد من الملفات الخطيرة وعلى رأسها الملف الليبي.

أما الواقعة الثانية فحدثت بعد مرور أقل من شهرين على إقالة الفريق حجازي، وتمثلت باستهداف طائرة وزير الدفاع صدقي صبحي أثناء تواجده في مطار العريش بصحبة وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، وكان ذلك في 19 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.

وقال الجيش المصري وقتها إن ضابطا قُتل وأصيب اثنان آخران جراء استهداف مطار العريش بمحافظة شمال سيناء بقذيفة أثناء تفقد وزيري الدفاع والداخلية للأوضاع الأمنية في المدينة. واكتفى بيان أصدره المتحدث العسكري بالقول إنه "تم استهداف مطار العريش بإحدى القذائف... وذلك أثناء زيارة السيد القائد العام ووزير الداخلية لتفقد القوات والحالة الأمنية بمدينة العريش" من دون مزيد من التفاصيل. وقد أثار بيان القوات المسلحة في ذلك الوقت استغرابًاً وتساؤلات حول الهدف من إصداره على الرغم من إمكانية التعتيم على الحدث كما يحدث دائماً مع العمليات التي تستهدف أفراداً من الجيش، فما بالك بوزير الدفاع أهم وأقوى شخصية بالقوات المسلحة.

الحدث الثالث كان عندما عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعاً في 11 يناير/ كانون الثاني الحالي، بمقر وزارة الدفاع، مع وزيري الدفاع، والداخلية، ورئيس الاستخبارات العامة، وعدد من قيادات القوات المسلحة والشرطة. وهو الاجتماع الذي طرح تساؤلات حول مقر انعقاده، إذ عادة ما يجتمع السيسي بالمسؤولين داخل أسوار قصره الرئاسي (الاتحادية)، فلماذا يذهب هذه المرة إلى قلب وزارة الدفاع؟

البيان الرئاسي الرسمي قال إن الاجتماع تناول "آخر المستجدات والتطورات الأمنية على مختلف الاتجاهات والمحاور الاستراتيجية". وقال أيضاً إن السيسي اطلع خلال الاجتماع على "الإجراءات التي تقوم بها القوات المسلحة والشرطة للقضاء على العناصر والبؤر الإرهابية في جميع الاتجاهات، مشدداً على ضرورة توفير المناخ الآمن والمستقر لسرعة تنفيذ المشروعات التنموية على مستوى الجمهورية".

أما الحدث الأخير والذي كان بمثابة مفاجأة من العيار الثقيل فهو الإعلان عن إقالة مدير جهاز الاستخبارات العامة اللواء خالد فوزي، وجاء بعد أقل من ثلاثة أشهر من الإطاحة برئيس الأركان، وأقل من أسبوع من اجتماع وزارة الدفاع.

ورجّحت مصادر سياسية مصرية أن قرار السيسي بإقالة فوزي من منصبه، وتعيين مدير مكتبه اللواء عباس كامل، ضمن خطوة ربما تشمل عدداً آخر من قيادات الجهاز، جاءت على خلفية صراع قديم بين جهاز الاستخبارات العامة من جهة ووزارة الدفاع واستخباراتها الحربية من جهة أخرى، إذ إن الطرفين على خلاف دائم في العديد من المسائل.
وقالت المصادر إن التسريبات الأخيرة التي أذاعتها قناة "مكملين" ونشرت عنها قبل ذلك صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، وتضمنت تسجيلات صوتية لأحد ضباط الاستخبارات الحربية، خلال إعطائه توجيهات لعدد من الإعلاميين والفنانات، تتعلق بتناولهم لقرارات وتوجهات القيادة المصرية الحالية، كانت بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير وعجّلت بالإطاحة بمدير الاستخبارات العامة اللواء خالد فوزي، والذي تولى بدلاً منه عباس كامل، والذي رافق السيسي منذ أن كان مديراً للاستخبارات الحربية ثم وزيراً للدفاع ثم رئيساً للجمهورية، وكان دائماً محل ثقته.

المصادر أكدت أنه على الرغم من علاقة السيسي الطيبة باللواء خالد فوزي إلا أن تأثير الجناح العسكري المحيط بالرئيس وعلى رأسه اللواء عباس كامل كان أقوى، وأقنعه بأن التسريبات خرجت من داخل جهاز الاستخبارات العامة بمعرفة أحد ضباطها.

ويُظهر أحد تلك التسريبات توجيهات من ضابط الاستخبارات الحربية أشرف الخولي إلى أحد المذيعين بشأن كيفية التعاطي مع ترشح الفريق أحمد شفيق للرئاسة، حيث قال الضابط "الحكومة لا زالت تتباحث معه.. إذا ما قرر أن يكون مع الحكومة فسيتم التعامل معه باعتباره أحد قادة القوات المسلحة السابقين، وإذا رفض سنلعن سلسفيله". وأضاف الخولي أن "هناك (عاهرين) في العامة – في إشارة إلى ضباط الاستخبارات العامة – لهم رأي مخالف (يقصد يدعمون شفيق).

وقالت المصادر إن تلك المكالمة أغضبت رجال الاستخبارات العامة فقرروا تسريبها حتى يضعوا رجال الاستخبارات الحربية في حرج، وهو الأمر الذي أغضب أيضاً القوات المسلحة والاستخبارات الحربية، التي أقنعت بدورها السيسي بضرورة التخلص من خالد فوزي لأنه لا يستطيع السيطرة على ضباط الاستخبارات العامة.

الخلاف بين الأجهزة اتضحت إرهاصاته سابقاً في التغيير الذي حدث في وسائل الإعلام التابعة للاستخبارات العامة، إذ تمت الإطاحة برجل الأعمال أحمد أبو هشيمة من رئاسة تلك الوسائل الإعلامية، واستبداله بالوزيرة السابقة داليا خورشيد التي تشرف الآن على مجموعة القنوات والصحف التابعة للاستخبارات العامة.

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر خاصة أنه تمت الإطاحة بضباط إدارة الإعلام بالاستخبارات العامة والذين كانوا يشرفون على إدارة تلك المنصات الإعلامية بالتعاون مع أبو هشيمه ورجاله، وذلك قبل قرار الإطاحة باللواء خالد فوزي. ورجّحت المصادر أن تشهد الفترة المقبلة تسريبات أخرى تخص شخصيات إعلامية كان لها علاقة بجهاز الاستخبارات العامة، في إطار حرب التسريبات بين الأجهزة الاستخباراتية.

صفحة ما يسمى بـ"جبهة ضباط مصر" على "فيسبوك" أصدرت أمس بياناً قالت فيه إن القوات المسلحة ووزارة الداخلية ستقود مؤسسة الرئاسة، وإن الأخيرة عليها الامتثال للأوامر الصادرة، وقد تمت إقالة مدير الاستخبارات العامة بعد تحريات ومعلومات دقيقة من الاستخبارات الحربية. وعلى الرغم من أن الصفحة غير موثّقة ولا يعرف على وجه التحديد من يديرها ويقف وراءها، إلا أن ما نشرته هذه الصفحة في السابق يؤكد أن المسؤول عنها على دراية بكواليس ما يحدث داخل الأجهزة التي تسمى في مصر بـ"السيادية".​

وقال البيان المنشور على تلك الصفحة إن القوات المسلحة تتنصّل من مؤسسة الرئاسة، "ولا تعتد بأوامرها موضوعياً، وأصبحت هي القوة المسلحة الوحيدة صاحبة القوة والأحكام العليا في البلاد، وتعامُل رئاسة الجمهورية صار أمراً شكلياً فقط". وأضاف أنه "منذ تفجير طائرة وزير الدفاع ومحاولة اغتياله الخسيسة مع السيد وزير الداخلية أخذت القوات المسلحة كل التدابير الاحترازية وستتخذ قريباً ما تراه من قرارات تصبّ في مصلحة البلاد".

 

دلالات