في وسط العاصمة اللبنانية بيروت، بالقرب من مقرّ وزارة البيئة، دخل الناشطون الشباب العشرة أسبوعهم الثاني في إضرابهم عن الطعام، مطالبين وزير البيئة محمد المشنوق بالاستقالة، وذلك على خلفيّة أزمة النفايات المستمرّة في البلاد منذ نحو شهرين في محافظتي بيروت وجبل لبنان.
لكن في لقائه الأخير أمس بينه وبين ممثلين عن الناشطين المضربين عن الطعام، أكّد المشنوق أنه مستمرّ في تولي منصبه، لافتاً إلى محاولات يقوم بها "للإصلاح من الداخل". وهو ما يرفضه المضربون عن الطعام. وكان المشنوق قد صرّح حتى قبيل لقائهم، بأنه "لن يغادر وزارته".
وبعدما وصف عدد من الناشطين الذين حضروا اللقاء حديث المشنوق بـ "الاستفزازي"، ردّوا عليه بإلقاء النفايات على مدخل الوزارة. كذلك طاولت أكياس النفايات أحد المواكب الأمنية التي قيل إنها تقل سفير دولة عربية أتى للقاء المشنوق.
ويصف المهندس وارف سليمان، وهو أول من أعلن إضرابه عن الطعام، سياسة الحكومة تجاههم بأنها "سياسة التطنيش". ويقول لـ "العربي الجديد" إن الإضراب مستمر "حتى استقالة الوزير ولو طالت مدة الانتظار".
وكان سليمان الذي خشي من "تراجع حركة الشارع، بعد تطوّر الحراك وتنوّع أشكال الاعتراض التي قابلتها الدولة بالقمع وإطلاق النار والاعتقال"، قد اتخذ قراراً بإطلاق مبادرة فردية للحفاظ على حركة الاحتجاج التي أطلق عليها اسم "حراك بيروت" والتي تضم عدداً من الحملات الشبابية المتنوعة. ويشدّد على أن "مطالبة وزير البيئة بالاستقالة، هي لتحميله مسؤولية الكارثة البيئية التي أصابتنا نتيجة تكدّس النفايات وعدم معالجتها، بصفته المسؤول الرئيس عن الملف".
وقد نقل الشباب العشرة وسم #مي_وملح من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى وزارة البيئة اللبنانية، التي ينظرون إليها على أنها "وزارة مُحتلة".
في الأيام الأخيرة، نُقل عدد من هؤلاء إلى المستشفيات، بعد تدهور في أوضاعهم الصحيّة، نتيجة امتداد إضرابهم. لكنهم وبعد تلقيهم العلاج، سرعان ما كان هؤلاء يعودون مجدداً إلى خيم الاعتصام التي نصبوها بالقرب من وزارة البيئة. تجدر الإشارة إلى أن استهلاك كميات من الأمصال الطبية في اليوم، تمكّنهم من الصمود والمحافظة على عمل وظائف جسمهم بالحد الأدنى.
يبدأ المعتصمون المضربون عن الطعام نهارهم بعد سهرات ممتدّة تتخللها نقاشات حول مسار الحراك الشعبي، بين الأهداف التي ترفعها الحملات والوسائل المُتبعة لتحقيقها. يبرز الاختلاف واضحاً بين الشباب المشاركين في الإضراب، الذين يأتون من خلفيات مغايرة. هم إما طلاب جامعيون أو أصحاب مهن حرة أو عاطلون من العمل، دفعتهم مبادرة المهندس الشاب وارف سليمان وإعلانه الإضراب عن الطعام، إلى الالتحاق به بعد ساعات قليلة من نصبه خيمة صغيرة بالقرب من مقر الوزارة. بذلك، تكون خيم جديدة قد نصبت في محيط السرايا الحكومية في بيروت، لتضاف إلى خيم أهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة" (احترقت خلال أعمال شغب في الشهر الماضي)، وخيم أهالي المخطوفين والمفقودين خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990).
وتكثر العوامل التي تُساهم في إحباط معنويات الشباب انطلاقاً من وصفهم بـ "العاطلين من العمل" إلى "اتهامهم باستهداف وزير من فريق سياسي معين" وصولاً إلى نقلهم إلى المستشفيات. لكن "الإصرار على البقاء أقوى"، بحسب ما يؤكد نزيه خلف. هو مشارك في الإضراب عن الطعام، بعدما ترك خلفه مهنته في تنفيذ أشغال الديكور في المنازل والتحق بمخيم الاعتصام.
على أحد الكراسي، يجلس خلف ويشعل سيجارته في انتظار وصول الداعمين والإعلاميين الذين يواكبون يوميات المُضربين عن الطعام. يقول: "لا يعرف بعض المتضامنين ما الذي يمكن تقديمه لمضرب عن الطعام، إلا أن حضور هؤلاء كافٍ". وقد شكلت زيارة أحد المسنّين للمخيم، دافعاً كبيراً لاستمرار خلف في إضرابه. يخبر أن "الرجل كان في ثمانينيات عمره وبالكاد يستطيع السير، لكنه أصر على الحضور وحدّثنا عن لبنان قبل الحرب الأهلية وكيف حوّله السياسيون إلى بؤرة فساد". يُذكر أن أهالي عدد من الشباب المضربين عن الطعام، يزورون أبناءهم في المخيم للتضامن معهم.
تجدر الإشارة إلى أن النفايات عادت للتراكم في شوارع بيروت الإدارية قبل أيام قليلة، مع امتلاء حاويات شركة "سوكلين" الخاصة المكلّفة جمع النفايات ونقلها إلى أراضٍ تحددها البلديات بموجب قرار حكومي. وتعيد مصادر في "سوكلين" سبب هذا التراكم إلى "امتلاء المساحات التي سبق وحددتها بلدية بيروت لنا لنقل النفايات إليها". وتشير المصادر لـ "العربي الجديد"، إلى أن "نقل النفايات مستمر من مختلف البلديات التي حددت مواقع لنقل نفاياتها إليها، في شاحنات الشركة".
وعلى هامش التحرك، قرر الشباب إطلاق حملة "من جوعان إلى جوعان"، تهدف إلى جمع تبرعات ومساعدة بعض المعوزين.
اقرأ أيضاً: ثورة النفايات تقمعها قنابل الغاز المسيّلة للدموع