كان أوّل إصلاح للتعليم شهدته تونس سنة 1958 على يد وزير التربية آنذاك الأديب التونسي محمود المسعدي ليضع حدًا لتعدد النظم التعليمية في البلاد، ويوحدّها في تعليم عمومي إلزامي، تمّ الحرص على أن يكون هذا التعليم منفتحًا على المعارف الكونية من تقنيات وعلوم وآداب وذلك في تخلّصٍ تدريجي من هيمنة المعارف الشرعية القديمة التي كانت السمة البارزة لأنظمة التعليم قبل الاستقلال. و بقطع النظر عن المحتوى الضمني للإصلاح واستراتيجياته الثقافية والمعرفية التي كانت لها تبعات خطيرة في ما بعد على قيم أجيال كاملة وتصوراتها، فإن أهم ما يمكن الإشارة إليه حول هذا الإصلاح هو ما سُنّ من مبادئ لا زالت تحكم التعليم والتربية في تونس، على الرغم من نصف قرن مضى، ولعلّ أهم تلك المبادئ والأسس هي الآتية:
- التعليم إلزامي وخاصة بالنسبة للبنات وللبنين الذين بلغوا من العمر 6 سنوات، بحيث تعهّدت الدولة بتوفير الاعتمادات المالية والفنية والبشرية، لذلك احتكرت الدولة الشأن التربوي مما حال دون تطوّر تعليم خاصٍ موازٍ إلا في السنوات الأخيرة، ولم تترك لها هامشًا ضئيلًا ولازالت تبعات هذا إلى حد الآن قائمة.
- التعليم العالي بشكل عام مجاني أيضًا لحاملي شهادة البكالوريا أي ختم المرحلة الثانوية. ولقد دعمت الدولة توسيع الخارطة الجامعية وتنويع الشُعب خصوصًا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي في مواكبة منها للتحولات الديموغرافية، كما مكّنت نسبًا مهمة منهم من منحٍ وخدمات السكن والأكل، وخصوصًا للمنحدرين من أوساط جامعية هشّة أو متوسطة.
مكّن هذا الإصلاح التأسيسي التعليم من نشر المدرسة في المناطق الداخلية بالبلاد التونسية، مما أتاح في ما بعد تحقيق حراك اجتماعي صاعد، تمكّنت بفضله الطبقات الدنيا من الصعود في السلم الاجتماعي وتولّي وظائف ومكانات اجتماعية ظلّت لقرون حكرًا على أبناء فئات نبلاء المدن وعائلات المدينة العريقة. كما ساهم خريجو الجامعة القلائل آنذاك من بناء أجهزة الدولة الوطنية ومؤسساتها وتسييرها.
أما الإصلاح الثاني وهو الأهم، فقد حدث سنة 1991 بموجب قانون نُعت بقانون محمدّ الشرفي نسبة إلى السيد وزير التربية آنذاك. وقد اعتمد هذا الإصلاح بُعيد التغيير السياسي الذي عرفته البلاد آنذاك . وحمل توجّهات فكرية ورؤى تدور حول قيم المواطنة، ولكنه انغرس في رؤى إيديولوجية حادة، انخراطًا في الحملة التي شنّها النظام ضدّ الإسلاميين. فكانت المدرسة ذراعًا سياسيًا وإيديولوجيًا للنظام في معركته تلك.
وبعيدًا من تقييم تلك الاصلاحات، والبلاد تعيش حاليًا مشروعًا مماثلًا هو الأوّل بعد الثورة، فإنه حري بنا أن نطرح جملة من التساؤلات ستكون الإجابة عنها بوابة البدء في المشروع القادم :
- ما الذي قاد هذا التدحرج الرهيب للمدرسة التونسية وأدّى إلى تراجعها المريع في الترتيب ضمن الاختبارات الدولية المعروفة رغم تلك الإصلاحات التي تبدو منخرطة في زمانها؟
- ما الذي يفسر انخراط خريجي تلك المدرسة بالذات في شبكات الإرهاب بشكل قياسي، فتلك الأجيال المتربية على قيم المواطنة والكونية هي التي كانت منخرطة في ثقافة القتل والتكفير، وكيف لنا أن نتباهى بأننا الوحيدين في العالم العربي الذي ندّرس الفلسفة في السنة الثالثة من التعليم الثانوي وأبناؤنا هم من أكثر الشباب إقبالًا على الجماعات الإرهابية؟
- هل تكفي المدرسة في هذا السياق الحالي، ومهما كانت درجة عقلانية محتوى التعليم الذي تقدّمه، أن تكون قلعة مضادّة للتطرف والإرهاب في لحظة انفجرت فيها أوعية ومحاميل التربية والثقافة؟
أعتقد أن علينا، وقبل الشروع في سنّ القوانين المتعلقة بالإصلاح الحالي، أن نراجع بعض الباراديغمات Paradigms
التي ما زالت ترى في المدرسة جهازًا لإعادة الإنتاج الإيديولوجي. هناك علاقة سببية هي الآن بصدد التفكّك بين المدرسة وطلبتها.
- التعليم إلزامي وخاصة بالنسبة للبنات وللبنين الذين بلغوا من العمر 6 سنوات، بحيث تعهّدت الدولة بتوفير الاعتمادات المالية والفنية والبشرية، لذلك احتكرت الدولة الشأن التربوي مما حال دون تطوّر تعليم خاصٍ موازٍ إلا في السنوات الأخيرة، ولم تترك لها هامشًا ضئيلًا ولازالت تبعات هذا إلى حد الآن قائمة.
- التعليم العالي بشكل عام مجاني أيضًا لحاملي شهادة البكالوريا أي ختم المرحلة الثانوية. ولقد دعمت الدولة توسيع الخارطة الجامعية وتنويع الشُعب خصوصًا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي في مواكبة منها للتحولات الديموغرافية، كما مكّنت نسبًا مهمة منهم من منحٍ وخدمات السكن والأكل، وخصوصًا للمنحدرين من أوساط جامعية هشّة أو متوسطة.
مكّن هذا الإصلاح التأسيسي التعليم من نشر المدرسة في المناطق الداخلية بالبلاد التونسية، مما أتاح في ما بعد تحقيق حراك اجتماعي صاعد، تمكّنت بفضله الطبقات الدنيا من الصعود في السلم الاجتماعي وتولّي وظائف ومكانات اجتماعية ظلّت لقرون حكرًا على أبناء فئات نبلاء المدن وعائلات المدينة العريقة. كما ساهم خريجو الجامعة القلائل آنذاك من بناء أجهزة الدولة الوطنية ومؤسساتها وتسييرها.
أما الإصلاح الثاني وهو الأهم، فقد حدث سنة 1991 بموجب قانون نُعت بقانون محمدّ الشرفي نسبة إلى السيد وزير التربية آنذاك. وقد اعتمد هذا الإصلاح بُعيد التغيير السياسي الذي عرفته البلاد آنذاك . وحمل توجّهات فكرية ورؤى تدور حول قيم المواطنة، ولكنه انغرس في رؤى إيديولوجية حادة، انخراطًا في الحملة التي شنّها النظام ضدّ الإسلاميين. فكانت المدرسة ذراعًا سياسيًا وإيديولوجيًا للنظام في معركته تلك.
وبعيدًا من تقييم تلك الاصلاحات، والبلاد تعيش حاليًا مشروعًا مماثلًا هو الأوّل بعد الثورة، فإنه حري بنا أن نطرح جملة من التساؤلات ستكون الإجابة عنها بوابة البدء في المشروع القادم :
- ما الذي قاد هذا التدحرج الرهيب للمدرسة التونسية وأدّى إلى تراجعها المريع في الترتيب ضمن الاختبارات الدولية المعروفة رغم تلك الإصلاحات التي تبدو منخرطة في زمانها؟
- ما الذي يفسر انخراط خريجي تلك المدرسة بالذات في شبكات الإرهاب بشكل قياسي، فتلك الأجيال المتربية على قيم المواطنة والكونية هي التي كانت منخرطة في ثقافة القتل والتكفير، وكيف لنا أن نتباهى بأننا الوحيدين في العالم العربي الذي ندّرس الفلسفة في السنة الثالثة من التعليم الثانوي وأبناؤنا هم من أكثر الشباب إقبالًا على الجماعات الإرهابية؟
- هل تكفي المدرسة في هذا السياق الحالي، ومهما كانت درجة عقلانية محتوى التعليم الذي تقدّمه، أن تكون قلعة مضادّة للتطرف والإرهاب في لحظة انفجرت فيها أوعية ومحاميل التربية والثقافة؟
أعتقد أن علينا، وقبل الشروع في سنّ القوانين المتعلقة بالإصلاح الحالي، أن نراجع بعض الباراديغمات Paradigms
التي ما زالت ترى في المدرسة جهازًا لإعادة الإنتاج الإيديولوجي. هناك علاقة سببية هي الآن بصدد التفكّك بين المدرسة وطلبتها.