إسلاميون (لايت)
كان العاهل المغربي الراحل، الحسن الثاني، يقول: السلطة مثل الرحى، تصقل كل من يحتك بها، أما من لا يحسن التعامل معها، فإنها تفرمه وربما تسحقه. .. هذه الحكمة التي قالها شخص جرب السلطة عقوداً طويلة، تنطبق على إسلاميي المغرب اليوم الذين يوجدون في أكبر ماكينة لإعادة التشكل السياسي والأيديولوجي: "الحكومة".
محمد يتيم، وهو أحد منظري حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة المغربية الآن، قال، الأسبوع الماضي، بمناسبة جدل إعلامي وسياسي بشأن فوز نجله صلاح الدين بـ٥٠ ألف دولار في لعبة البوكر في كازينو في مراكش، قال مدافعاً عنه: "ابني يتخذ قراراته وحده، ولا وصاية لي عليه، سواء بالمنع أو التأييد، هكذا ربيت أبنائي". وأضاف يتيم، بمنطق جديد كلياً على الإسلاميين الذين كانوا يحرّمون على أتباعهم مجرد الدخول إلى الكازينوهات (هناك من يحرّمون مثل هذه المسابقات، لأنهم يعتبرونها قماراً، فيما اعتبرها شخصياً مجرد مسابقة ليست محرمة قانوناً، أما شرعاً ففيها نظر).
أما رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، فقال في مقابلةٍ، أخيراً، مع جريدة الشرق الأوسط، إنه مسلم وليس إسلامياً، وإنه يحاول أن يكون مستقيماً، ولا يفلح دائماً، وإنه جاء إلى الحكومة، ليحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة، وليس ليكون وصياً على تدين المجتمع. وفي لقاء له مع شبيبة حزبه، قبل أيام، قال لهم: لا تترددوا، من اليوم فصاعداً، شعار الاسلام هو الحل شعار بدون معنى، بل قولوا الإسلام هو الحق.
وإلى ذلك، قدم وزير العدل والحريات المغربي، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي، مصطفى الرميد، الأسبوع الجاري، مشروع قانون إلى البرلمان، يجرّم سفر الشباب المغربي إلى بؤر التوتر والنزاعات المسلحة (بعد هجرة ٢٠٠٠ مغربي للقتال في صفوف داعش). ويرتب القانون الجديد عقوبات متشددة على هذه الجرائم، تصل إلى 15 سنة سجناً، وملايين الدراهم من الغرامات، هذا في وقت الذي كان الإسلاميون المغاربة، بكل ألوانهم في السبعينات، يقودون حملة واسعة لمساندة الجهاد الأفغاني، وشجعوا الشباب المغاربي على السفر إلى أرض الإسلام لمحاربة (الدولة الملحدة)، الاتحاد السوفياتي، ومن وسط هؤلاء الشبان، تشكلت "القاعدة" بعد ذلك، ومن رحم الأخيرة، خرجت داعش التي أصبحت إرهابية، والالتحاق بصفوفها يعاقب عليه بقانون مغربي في زمن الإسلاميين.
وتدافع الوزيرة المحجبة، بسيمة الحقاوي، المسؤولة عن المرأة والطفولة والأسرة في الحكومة المغربية، والتي كانت النساء "الفيمينست" ينظرون إليها بعين السخط، لأنها في نظرهم لا تمثل المطالب النسائية، ولا النموذج المتحرر الذي يدعون إليه، تدافع هذه الوزيرة الإسلامية تدافع اليوم، وبخلاف كل التوقعات، وسط الحكومة، بشراسة، عن مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي ضد النساء، كما يعاقب الزوج الذي يغتصب زوجته، ويعاشرها غصباً عنها.
هذه الوقائع، وغيرها من سلوك الإسلاميين، أمام رحى السلطة في المغرب، قابلة لقراءتين؛ الأولى سياسية، تبحث عن البوليميك، وتقول إن "الإخوان المسلمين يغيرون قناعاتهم حسب مواقعهم "، ونقلوا البندقية من كتفٍ إلى أخرى، بمجرد انتقالهم من المعارضة إلى الحكومة، وهناك قراءة فكرية أخرى تقول إن "الإخوان"، وهم يغيرون فإنهم يتغيرون، وينتقلون تدريجياً من حزب أصولي متشدد إلى حزب محافظ ديمقراطي، والإنسان، أي إنسان، خارج السلطة وإكراهاتها، يكون حالماً ومثالياً وحتى متطرفاً، أما عندما يدخل إلى السلطة وإدارتها يصير واقعياً ومعتدلاً، ويرى الأشياء من منظور آخر، خصوصاً عندما يأتي إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، إن السياسة أكبر مدرسة تعلم نظرية الواقعية السياسية، والباقي تتكلف به السلطة، فمن أحسن التعامل معها صقلته، ومن أساء التصرف أمامها فرمته.