إسلاموفوبيا فرنسية.. تصاعد الانتهاكات ضد المسلمين

03 فبراير 2015
تظاهرة ضد تصاعد الإسلاموفوبيا في باريس (الأناضول)
+ الخط -


البداية المنهجية للحديث عن الإسلاموفوبيا في فرنسا كانت مع الباحث فانسون جيسير، عبر كتاب له بعنوان "الإسلاموفوبيا"، وإلا لم يكن ليقبل بسهولة في أوساط النخبة الفرنسية، وخاصة اليمينية منها. حظي باهتمام واسع منذ ذلك الحين، وصادق عليه مؤتمر "الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب" (غير حكومية)، التي اعتبرته "الأنسب للتعبير عن المضايقات" التي واجهتها المحجبات والجالية المهاجرة، وخاصة في جزيرة كورسيكا (جنوب). 
وقد وصف جيسير ذلك الوضع بقوله "الهجمات على الرموز الإسلامية في جزيرة كورسيكا، والتي وصلت حد إطلاق الرصاص الحي على إمام مسجد، تجعلنا نتأكد أن الإسلاموفوبيا حقيقة وليس مصطلحاً يروجه الإسلاميون، كما يقول بعضهم". ودعا إلى البرهنة على ذلك من خلال إجراء "إحصاء لعدد الكتب، التي تم تأليفها في فرنسا للهجوم على المفكر الإسلامي طارق رمضان، وعدد الانتهاكات التي تعرضت لها المحجبات". 

وصارت وسائل الإعلام الفرنسية والغربية تستخدم هذا المصطلح اليوم من دون حرج للتعبير عن وجود حالة رعب وهاجس أمني من الإسلام والمسلمين، الذين يشكلون الديانة الرسمية الثانية، كما أخذ يبرز في تقارير وتحقيقات حول الأديان في أوروبا.
ورسمياً استخدم لأول مرة، على سبيل التنديد، من قبل رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق جان بيار رافاران في أحد لقاءاته سنة 2004 مع عميد مسجد باريس "دليل أبو بكر".

وعلى نسق رافاران فقد تبناه نيكولا ساركوزي حينذاك، من موقعه كرئيس لحزب "التجمع من أجل الحركة الشعبية"، وهو ما اعتبر اعترافاً بانتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في فرنسا.

ومنذ ذلك الحين صار خبراء الإسلاميات يعتبرون أن السبيل الأكثر جدوى أمام المشاكل الإسلاموفوبية هو مواجهتها لا الهروب منها. وبعد ذلك بدأ أشخاص ومنظمات يقومون بهذا الدور. وهناك العديد من المسلمين الأوروبيين، وعلى الرغم من كونهم غير منظمين بما فيه الكفاية، فإنهم أصبحوا يدافعون عن أنفسهم، وولد العديد من المنظمات التي تفضح الإسلاموفوبيا.


أخذت الظاهرة بعداً عالمياً، رغم الخلاف حول أسبابها وجذورها، وهل هي في تصاعد ونمو، أم في تراجع؟ وفي جميع الأحوال هي حديث الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية في هذه الأيام، على خلفية جريمة "شارلي إيبدو"، وصارت تصدر إحصاءات وتقارير عن أعمال مناهضة للإسلام تستهدف أشخاصاً ومساجد ومؤسسات دينية ومقابر.

وهنا لا بد من تسجيل نقطتين هامتين: الأولى، هي التنديد بالعملية على المستوى الرسمي. والنقطة الثانية هي أن هذه الأفعال المشينة تقوم بها غالبا جماعات من اليمين المتطرف والنازيين الجدد.

وتعتقد الجهات اليمينية المتطرفة في فرنسا وفي أوروبا بشكل عام أن المساجد تشكل الرمز الأكثر وضوحًا لما تسميه "أسلمة أوروبا"، ولذلك فهي تسعى إلى تركيز جهودها في وقف مشاريع بناء المساجد بشكل عام. ووصل الأمر ببعض المواقع الإلكترونية التابعة لليمين المتطرف في فرنسا، إلى رسم خريطة لأماكن تركز المساجد والكثافة المسلمة في فرنسا بشكل عام، على نحو يشبه الخرائط التي رسمت لمواقع تواجد اليهود قبيل نقلهم إلى معتقلات النازية في أربعينيات القرن الماضي.

إن هذا لا يعفي من الحديث عن نشوء "إسلاموفوبيا ثقافية"، تعبر عن نفسها من خلال بعض الجمل التي وردت في تقارير هيئات مكافحة الظاهرة: "رجاءً غير اسمك إلى (سفيان) لإن اسم (إسلام) عنوان لديانة غير محبوبة لدى الفرنسيين. لحيتك غير متماشية مع صورة الشركة. أحصوا لي عدد الموظفين غير المسيحيين الذين يريدون ساعات عمل تتماشى مع ممارساتهم الدينية". ومن المفارقات أن معظم أعمال الإسلاموفوبيا سجلت في الإدارات التابعة للدولة، إذ أحصى أحد التقارير 36 عملاً منها، أي ما يعادل 64 في المئة من مجموع أعمال الإسلاموفوبيا، تتضمن تمييزاً في الإدارات ضد الأشخاص على أساس ممارساتهم وانتمائهم للإسلام.

ويشير التقرير الذي يحدد هذه الإدارات (بلديات وجامعات وشرطة ووزارات)، إلى أن هناك أشخاصاً لا يحترمون مبادئ المساواة في ما يتعلق بالخدمات العامة أو مبدأ عدم التمييز، وهؤلاء الأشخاص لا يترددون في إظهار عداوتهم وأحكامهم المسبقة ضد المسلمين.

ومن الأمثلة الفاقعة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب الكثير من المؤسسات والشركات الفرنسية، اقترحت إحدى الشركات على مواطن فرنسي مسلم تسريحه مقابل تعويض مالي، ولما سأل عن السبب، لم يكن دافع الأزمة الاقتصادية في مقدمة حجج الإدارة، بل كان "أنه ملتحٍ، وهذا لا يتماشى مع صورة الشركة"، كما يقول أحد المسؤولين.


تواريخ سلبية

من بين "التواريخ السلبية" بالنسبة للأقلية المسلمة في فرنسا إقرار قانون حظر الرموز الدينية سنة 2004، ومن بينها الحجاب في المدارس، ومن ثم تكثيف عمليات طرد أئمة من الأراضي الفرنسية، بجانب تزايد الانتهاكات والإساءات ضد المسلمين، أو ما عرف بانتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا".
والملاحظ أن تلك السنة شكلت منعطفاً، وشهدت اهتماماً بالغا بالإسلام وقضايا الأقلية المسلمة، وظهر ذلك بصورة لافتة للنظر وغير مسبوقة في مختلف وسائل الإعلام، وكان يكفي النظر إلى رفوف المكتبات التي امتلأت بالكتب حول الإسلام، حتى يكتشف المرء أن المسألة سوف تذهب بعيداً.

وحسب الباحث جيسير فإن "هذا الاهتمام كان ينحو أحياناً إلى تجريم المسلمين تحت لافتة محاربة الظاهرة الإسلامية". وشكل إقرار قانون منع الرموز الدينية أبرز الأحداث المؤثرة على الأقلية المسلمة في فرنسا.
ولعب حزب "التجمع من أجل الحركة الشعبية" اليميني والحزب الاشتراكي دوراً مهماً في تمرير القانون، رغم أنه من النادر أن يتفق الحزبان على قانون واحد. وبمقتضى القانون جرى حظر ارتداء الحجاب والصليب كبير الحجم والقبعة اليهودية وعمامة طائفة السيخ في المحيط المدرسي، وصار يتم طرد غير الملتزمين بهذه التعليمات من المدارس.

واتجهت فرنسا إلى إقرار ذلك القانون، بعدما طالبت لجنة مكلفة بمراقبة العلمانية في فرنسا في ديسمبر/كانون الأول 2003، بإصدار تشريع يحظر الرموز الدينية خوفاً من تأثير الدين على النظام العلماني في فرنسا، على حد تقدير اللجنة.
وكانت الصدمة هي أنه مع بدء تطبيق القانون في بداية العام الدراسي 2004-2005، طردت نحو 40 طالبة مسلمة من مدارس حكومية فرنسية، لأنهن رفضن خلع حجابهن لدى دخولهن المدرسة، وهو ما لقي أصداء كبيرة في وسائل الإعلام الفرنسية، وعكس صورة سلبية عن المسلمين الذين جرى تصويرهم وكأنهم ينقلون قيمهم وأنماط معيشتهم، ويرفضون الاندماج مع الغرب، وتم استغلال الأمر من جانب السياسيين ووسائل الإعلام.

ويلخّص الباحث تزفيتان تودوروف هذه الممارسة على نحو بارع جداً، حين تثير "الممارسة الدينية لدى الأقليات حفيظة شريحة من الفاعلين السياسيين والإعلاميين، الذين يبنون مجدهم على شعبوية يمينية تنسب جميع أمراض المجتمعات الغربية إلى الأجانب والمسلمين بوجه خاص، بل تطور الأمر إلى إفراز طبقة من الخبراء في الإسلام الذين تناسلوا فجأة في وسائل الإعلام، وهم يعتبرون التدين خطراً تنبغي محاربته، بوصفه يحمل كابوس العودة إلى عهد الشمولية الكنسية".