إسلامنا أم إسلامكم؟

28 يونيو 2015
+ الخط -
على مستوى فكري، وعلى وقع توحشات داعش ومن شابهها، يمكن تكثيف مجمل الجدل في الأوساط الشعبية والإسلامية في النزاع حول مقولات من قبيل "هذا ليس الإسلام الصحيح"، "هذا ليس من الإسلام"، "هؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يمثلونه"، وكل العبارات التي يمكن أن تندرج في هذا المعنى والإطار. 
المضمر في هذه المقولات أن هنالك حقيقة محددة وواحدة للإسلام، والمضمر الآخر عند مستخدم هذه العبارات أن هذه الحقيقة المحددة والواحدة موجودة لديه، وليست موجودة عند غيره. طبعا يمكن القول بسهولة إن داعش لا تمثل الإسلام ولا تدرك حقيقته، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمكن التقاط العبارات نفسها مستخدمة حيال أي مخالف لصاحب العبارة، يمكن أن يجد مسلماً يؤدي العبادات بطريقة مختلفة، فيقول إن هذا ليس هو "الإسلام"، وهذا المسلم الآخر لا يدرك حقيقة الإسلام.
والملاحظ أن المنطق هذا هو أصل المنطق المتطرف، هنالك حقيقة واحدة محددة للإسلام، يعتقد الداعشيون أنهم يمتلكونها، وكل ما يعتقده بقية المسلمون باطل، ولا يمثل الإسلام.
يمكن هنا الجزم أن هذا المنطق، على علاته كلها، ليس هو المشكلة، فمن حق أي كان أن يقتنع أن إسلام الآخرين ليس هو الإسلام الصحيح الذي يرى أنه، هو وحده وجماعته يدركونه ويعرفونه ويلتزمون به. بل ليست المشكلة في اعتقاد شخص، في دخيلة نفسه، أنه التجلي الوحيد لفهم الإسلام، بل لا يمكن، مهما امتلكت من أدوات وقدرات، أن تمنع جماعة أو شخصا من اعتقاد هذه القناعات. ولهذا، يبدو النقاش العام، والفكري تحديداً، حيال التطرف إشكاليا، كأن المسألة مسألة خلاف فكري ونظري، ولا بد أن تحلّ بأساليب تضع الفكر، وتغييره في حسبانها، وهذا المنطق نفسه هو منطق المتطرفين، وإن اختلفت أدواتهم.
مشكلة هذا المنطق وهذه المعالجة أنهما يتعاملان مع الفكر كفكر وحسب، ومع التديّن كمعتقد ذهني وحسب، بل ومع الدين أيضا على اعتبار أنه مجموعة أفكار خالصة معلقة بالهواء. مشكلة هذا المنطق أنه لا ينطلق من حقيقة أن الدين ظاهرة اجتماعية، وهذا يعني أنه متطور متغير بتغير شروط كثيرة، ليست متصلة بالدين من داخله، وهذا التغير مرتبط، بشكل أساسي، بالشروط الاجتماعية والتاريخية للجماعة المتدينة، ما يعني، بداهة، أننا سنكون حيال أنماط تدين مختلفة ومتعددة ومتباينة، بل ومتناقضة، سيكون لدينا بالتعبير الشعبي أكثر من إسلام واحد، سيكون لدينا "إسلام" بعدد المذاهب والجماعات والأفكار. ورفض هذه الفكرة إحدى بذور التطرف.
بدل أن تذهب الطاقات والمقاربات والجهود في السعي إلى توحيد هذا المتعدد المختلف، وهذا هوس الجميع في هذه المرحلة، من الأفضل أن يتم الاشتغال على استيعابه وإدارته. إن الزعم الأولي أن "الإسلام" هو "الإسلام خاصتي" ليس جوهر الأزمة، ولا تمكن مواجهته، فكيف إن كان المواجهة تنطلق من منطق شبيه، أن "الإسلام" هو "الإسلام خاصتنا"، وتعال نهديك إليه، أو ليس أمامك أي خيار إلا اتباعه، والحقيقة أن هذا هو المنطق السائد اليوم، وعلى كل الأصعدة.
جوهر الإشكال أن تبرر لك قناعتك بحيازة حقيقة الإسلام أن تجبر الناس عليه، وبالقوة وبكل ما تملك من إمكانات، حتى لو كانت تفجيرهم في المساجد! جوهر الإشكال مزروع في كل عبارات "الإسلام الصحيح" و"حقيقة الإسلام".
إن وجود دول وأنظمة وجماعات ذات قوة وبأس تعمل وفق هذا المنطق هو ما يجعل الدوامة بلا نهاية، والحل، مهما كان تقليديا مكرورا معروفا، لا يقلل من قيمته بل يؤكد صوابه، لا بد من تحلي أجهزة الدولة والنظام بالقناعة بهذا التعدد، وفرضه على المسلمين أنفسهم، وبالقوة.
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين