لا تبدو الإقالات التي طاولت وزراء في حكومة العبادي، والتي أخذت بالمضي قدماً على شكل حلقات متواصلة، خطوات عبثية، إذ إنّ المتابع لها يجد أنّها تسير وفقاً لخطة معدّة سلفاً، بدأت بالاحتجاجات والتظاهر ضد البرلمان، ومن ثم تشكيل ما سميت بـ"جبهة الإصلاح" داخل البرلمان، والتي أصبحت الجهة الرئيسة التي تتبنى حملة الإقالات، وتحرّكها تحت مسمى الإصلاح.
ومما يلاحظ أنّ خطوات هذا التوجه بدت مدروسة بدقة، إذ إنّها نأت عن قضية الاستهداف السياسي، من خلال عدم استهداف وزراء من كتلة معينة، فبدأت بوزير الدفاع، خالد العبيدي، والمنتمي لـ"تحالف القوى العراقيّة"، ومن ثم وزير المالية، هوشيار زيباري، المنتمي لـ"التحالف الكردستاني"، بينما تتجه البوصلة نحو وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، وهو من "التحالف الوطني الحاكم"، الأمر الذي منح هذه الخطوات "حيادية" في المسير نحو الإقالات.
غير أن هذه الإقالات لم تستند إلى الفراغ، بل إن وجود "شبهات فساد" ضدّ الوزراء كانت الطريق السالك نحو إقالتهم، فضلاً عن أن الكتل السياسية ساومت عليها فيما بينها لتمرير بعض الصفقات المشتركة، وتمرير القوانين المختلف عليها، وتحقيق أجندات خاصة، كما يرى ذلك مراقبون.
واتهم وزير المالية المقال، هوشيار زيباري، كتلة "دولة القانون"، والتي يترأسها نوري المالكي، بـ"استهدافه سياسيّاً". وقال في تصريح متلفز، إنّ "المالكي يعمل على إسقاط حكومة العبادي، ويسعى لتعكير الوضع بين بغداد وأربيل"، مشدّداً على أنّه "حاقد ولديه مصلحة في الهدم".
من جهته، رأى زعيم "ائتلاف متحدون"، أسامة النجيفي، أن استمرار سحب الثقة من الوزراء "تمهيد للإطاحة بحكومة العبادي".
وقال النجيفي، في بيان صحافي، إنّ "سحب الثقة من وزير سيادي بارز هو هوشيار زيباري تمّ بالأسلوب ذاته الذي اتبع في سحب الثقة من وزير الدفاع"، مبرزاً أنّ "هذا الأسلوب يعدّ ترتيباً للإطاحة بالحكومة في وقت غير مناسب، ويعرقل المعركة القائمة مع الإرهاب".
وأشار المتحدث نفسه إلى "وجود تحالفات يراد منها إبعاد العراق عن الاستقرار والوضع الطبيعي الذي يؤهله لمواصلة مسيرته".
في المقابل، دافعت النائبة عن كتلة المالكي، نهلة الهبابي، عن الإقالات، مؤكّدة أنّها "لا تنطوي على أي استهداف سياسي". وقالت الهبابي، خلال حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "المفسدين يعلّقون فسادهم وإقالاتهم على شمّاعة الاستهداف السياسي، وهو أمر غير موجود أساساً"، مبينة أنّ "عمليات الاستجواب وسحب الثقة تمّت وفقاً للأدلة والبراهين التي قدّمها النواب المستجوبون ضدّ المستجوبين، وبناء على تلك الأدلة وعدم القناعة بأجوبة الوزراء تمت إقالتهم، وهذا أمر قانوني".
وتستمر "كتلة الإصلاح" بتحركها في الكشف عما تعتبره "ملفات الفساد" ضد الوزراء والهيئات الحكومية، إذ أعلنت النائبة عن الكتلة والقريبة من المالكي، حنان الفتلاوي، خلال مؤتمر صحافي اليوم، أنّها "استكملت ملف استجواب هيئة الإعلام والاتصالات"، مؤكدة أنّها "بانتظار تحديد موعد جلسة الاستجواب من قبل رئاسة البرلمان"، مشيرة إلى أنّها والنائب عن كتلتها، قتيبة الجبوري، قدّما ملفات مخالفات مالية وإدارية بحق الهيئة.
بدورها، اتهمت النائبة عن الكتلة نفسها، عالية نصيّف، أشخاصا، بينهم مقرّبون من رئيس الحكومة، حيدر العبادي، بـ"الضلوع بفساد كبير من خلال مزاد العملة اليومي"، معتبرة أنّ ذلك بسبب عدم "إجراء العبادي للإصلاحات".
وقالت نصيّف، في بيان صحافي، إنّ "مزاد العملة يسيطر عليه عدد محدود من الشخصيات والوسطاء وأصحاب المصارف، وأن كل واحد منهم يحصل على مليار دولار في اليوم الواحد". وأضافت أنّ "لدينا أسماء هؤلاء الأشخاص ومعلومات عنهم، وعن المصارف المشتركة في هذه العمليات، وقد دخلت على الخط معهم شخصيات سياسية مقرّبة من رئيس الحكومة، حيدر العبادي، وفتحت مصارف خاصة، وباتت تمارس نفس العمل".
وألمحت إلى أنّ "العبادي كان رئيساً للجنة المالية البرلمانية في السابق، ويفترض ألا تخفى عليه مثل ممارسات خطيرة كهذه تستنزف الاقتصاد العراقي من خلال مزاد العملة، وبالتالي عليه الإسراع في معالجة الموضوع، من خلال فتح أكثر من منفذ لبيع العملة، وتنفيذ إصلاحات جذرية في البنك المركزي، ووضع حدٍّ لاستنزاف أموال الشعب".
وشدّدت على أنه "كان من الأجدر بالعبادي أن يبادر بنفسه إلى تنفيذ الإصلاحات، بدلاً من أن تأتي العاصفة من البرلمان، وسيكون ذلك معيباً بحق مجلس الوزراء".
بدوره، رأى الخبير السياسي، أحمد عبد الغفور، أنّ "كتلة المالكي وأتباعه من الكتل الأخرى المنضوين ضمن "كتلة الإصلاح"، يكشفون اليوم كلّ أوراقهم وكل ملفات الفساد التي كانوا يحتفظون بها ضدّ الكتل الأخرى".
وأوضح عبد الغفور، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "الكتلة تعمل بهدوء وتروٍ، وأنّ أوراقها مرتبة ومدروسة، وستستهدف وزراء آخرين، من بينهم وزراء كتلة التحالف الوطني"، مبينا أنّ "هذه الخطوات التي حملت مسمّى الإصلاح جاءت بتوقيت صحيح، وبظرف مناسب يخدم الأجندة التي تحرّكها، ولاقت ترحيباً في الشارع العراقي الذي سئم الفساد وسرقة المال العام".
وأضاف أنّ "المالكي، وهو الذي يقود هذه التحركات وينفق عليها أموالا طائلة، بدأ بالمقامرة بكل ما لديه من أوراق للإطاحة بحكومة العبادي وإثبات فشلها"، مشيرا إلى أنّه "استطاع أيضا أن يلجم كافة الجهات، من خلال ما لديه من أموال طائلة، ويسكتها عن ملفات فساده وصفقات الأسلحة وملف إسقاط الموصل الذي أدين به".
وأكّد أنّ "المالكي أتقن خطواته ودرسها مليا، واستطاع الاستفادة، إذ يتحرّك بشكل مدروس بخطوات قد يكتب لها النجاح بإسقاط حكومة العبادي".
وأصبحت حكومة العبادي اليوم عرجاء، من خلال وجود أربع وزارات فيها من دون وزير، وهي المالية والدفاع والداخلية والتجارة، في وقت يشهد فيه البرلمان والكتل السياسيّة سجالا واختلافا بشأن اختيار الوزراء، ما يضع الحكومة بمأزق خطير في وقت تشهد البلاد معارك ميدانية خطيرة وأزمة مالية.
وحاول رئيس الحكومة تأجيل عملية التصويت على إقالة زيباري، إذ اتصل من واشنطن هاتفيا برئيس البرلمان، سليم الجبوري، وطلب منه تأجيل فقرة التصويت على الإقالة بسبب استمرار الوزير في مباحثاته مع صندوق النقد الدولي، لكنّ رئيس البرلمان لم يستطع التأجيل ووجد نفسه مضطراً لرفض الطلب، بعد أن صوت 51 نائباً فقط على تأجيل سحب الثقة، مقابل 236 نائباً.