تحتضن مدينة إسطنبول 17 مليون شخص اليوم مع ارتفاع قدره مليونا شخص خلال عامَين فقط، بحسب ما تفيد الإحصاءات الرسمية. لكنّ ثمّة تقديرات تشير إلى أكثر من 20 مليون قاطن في المدينة الأكبر في تركيا ومركز المال والثقافة والاقتصاد فيها. ومن المتوقّع أن يرتفع عدد القاطنين في إسطنبول خلال الفترة المقبلة، بعد الدعوات الأخيرة لتكون مركز الصيرفة الإسلامية في العالم وسعي بلدية إسطنبول الكبرى إلى تخفيف الضغط عن المركز من خلال إعلان التوسّع عبر إسطنبول الثانية والثالثة، وهو الأمر الذي جذب وما زال يجذب مستثمرين وهاربين من دول الربيع العربي إلى "المدينة الجميلة".
يقول رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة ابن خلدون في إسطنبول، رجب شان تورك، لـ"العربي الجديد" إنّ "عدد سكان إسطنبول يزيد عن 17 مليوناً، بحسب الإحصاء الرسمي لسكان المدينة"، لافتاً إلى أنّ "الرقم يتفاوت بين المواسم السياحية والدراسية، غير أنّه لا يصل إلى 20 أو 22 مليون نسمة مثلما يقدّر البعض".
ويرى شان تورك أنّ "التنوّع وتعدد الأعراق والثقافات والأديان في المدينة من ميّزات إسطنبول عبر التاريخ، وهو ما يبقي على خصوصيتها كمدينة جامعة تتسع وترحّب بالجميع". وعن تفضيل الإقامة في إسطنبول، حتى بالنسبة إلى الأتراك في بقية الولايات، يقول إنّ "هذه المدينة هي مركز المال والتجارة في تركيا وقبلة الثقافة والتعليم، فضلاً عن التاريخ والجمال. وتوسّعها المستمر ربّما بالإضافة إلى ما تشهده من مشروعات كبرى تتيح فرص العمل، من الأسباب التي تدفع أيّ زائر إلى التوجّه إلى إسطنبول وكذلك أيّ باحث عن عمل أو حتى عن تجارة".
أمّا مدى تأثير تلك الأعداد الكبيرة على بنى المدينة التاريخية وخدماتها، يقول شان تورك إنّ "لا تأثير على السكان في ما يتعلق بالمياه والكهرباء والاتصالات وتوفّر السلع. لكنّ الأمر انعكس بوضوح على النقل والمرور، إذ تشهد إسطنبول اختناقات في أوقات الذروة، على الرغم من الأنفاق والجسور وتعدد وسائط النقل". يضيف أنّ "الزيادة السكانية في المدينة انعكست على أسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية وعلى قيمة العقارات التي ارتفعت نتيجة الزيادة على الطلب. أمّا الحلول في هذا السياق فتأتي من خلال عرض مساكن وعقارات بأسعار مناسبة في المدينة. ويبقى الخيار مفتوحاً أمام من يريد العيش وسط التاريخ والازدحام أي في المدينة القديمة، ومن يريد الراحة والهدوء والجمال فيستقر في إسطنبول الثانية والثالثة".
والمسؤولون الأتراك شعروا مبكراً بالمخاطر المحتملة من جرّاء زيادة السكان في إسطنبول، فأعلنت المدينة منذ كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عمدة لها في عام 1995، برنامج الهجرة العكسية من إسطنبول الذي ساهم بحسب خبراء في عودة أكثر من 150 ألف تركي إلى مدنهم، بعد تأمين تسهيلات وحوافز شملت رسوم نقل العائلات الراغبة في العودة، منح وحوافز للأسر الفقيرة بالإضافة إلى توفير فرص عمل في مدنهم الأصلية. لكنّ ذلك البرنامج لم يكن أثره كبيراً، على خلفية الهجرة الداخلية الكبيرة نحو إسطنبول واستيطان اللاجئين والوافدين فيها.
في السياق، تشير إحصاءات إلى أنّ أكثر من 700 ألف سوري يسكنون في إسطنبول، إلى جانب أعداد أخرى من أبناء دول "الربيع العربي" الهاربين من الحروب وجور الديكتاتوريات، وهو ما رفع أسعار العقارات وأسعار المنتجات، بالتزامن مع تراجع سعر صرف الليرة. وقد أدّى ذلك بحسب ما يقول سيرين أراي وهو صاحب منشأة سياحية في منطقة درامان في إسطنبول لـ"العربي الجديد" إلى "امتعاض لدى الأتراك، خصوصاً في إسطنبول، نتيجة رفع الأسعار التي سبّبها الوافدون وزيادة الطلب". يضيف أراي أنّ "الأسعار تضاعفت في إسطنبول بعد ثورات المنطقة العربية ووفود أعداد كبيرة إلى المدينة، خصوصاً من السوريين. فبدل إيجار المنزل على سبيل المثال، كان نحو 700 ليرة تركية (نحو 170 دولاراً أميركياً) في عام 2012 في وسط إسطنبول القديمة، في حين أنّه لا يقلّ اليوم عن 1500 ليرة (نحو 370 دولاراً) مثلما زادت بقية الأسعار". ويشير أراي إلى أنّ "كثيرين يحمّلون العرب والسوريين وزر رفع الأسعار أو فقر بعض سكان إسطنبول. ومنهم من يطالب وإن سراً، بضرورة عودتهم إلى بلادهم أو اختيار مدن غير إسطنبول".
ويرى خبراء أنّ الطلب المتزايد على السكن في شطرَي المدينة الآسيوي والأوروبي سوف يستمر، إذ إنّ إسطنبول ما زالت المركز المالي الرئيسي في البلاد، وما زالت توفّر فرص عمل ومشاريع تجارية لطالبيها. كذلك فإنّ توسّع الجامعات فيها، لا سيّما العربية، زاد من الإقبال على السكن والإقامة فيها. وهو ما جعل الكثافة السكانية في إسطنبول تتجاوز 2700 شخص في الكيلومتر المربّع الواحد.
ويتوقع خليل قيصا وهو صاحب شركة عقارية في منطقة الفاتح في إسطنبول، أن "يرتفع عدد سكان المدينة إلى ثلاثين مليوناً خلال عشرة أعوام، بفعل التوسّع الذي تشهده والتركيز على المشروعات الكبرى فيها، من قبيل المطار الثالث وقناة إسطنبول والجسور والأنفاق". يقول قيصا لـ"العربي الجديد"، إنّ "قدرة استيعاب إسطنبول الثانية والثالثة اليوم يمكن أن تكون أكثر من عشرة ملايين إنسان، وما زال التوسّع والعمران مستمرَين فيهما. وقد استقطبتا مهاجرين ومستثمرين عرب، نظراً إلى اعتدال أسعار العقارات والأراضي والميزات التي تمنحها الحكومة للمستثمرين".
تجدر الإشارة إلى أنّ إسطنبول جذبت مهاجرين داخليين أتراك بمعدّل 417 ألف شخص خلال العام الماضي، بحسب بيانات دائرة الهجرة في إسطنبول الصادرة قبل أيام. إلى ذلك، تصدّرت العاصمة أنقرة، بحسب البيانات نفسها، قائمة المدن التي غادرها سكّانها إلى إسطنبول، إذ بلغ عدد الوافدين من أنقرة بهدف الاستقرار في إسطنبول نحو 17 ألفاً و740 شخصاً.