لا يتعب العقل الصهيوني من ابتكار قوانين ومراسيم تضفي "الشرعية" على سياسات عدوانية ضد الفلسطينيين. وفي هذا السياق، كشف موقع صحيفة "هآرتس" الإلكتروني الإسرائيلي، مساء الخميس، أن مجموعة كبيرة من أعضاء الكنيست من "اليمين واليسار" قدمت لرئاسة البرلمان، اقتراح مشروع قانون يتيح للحكومة الإسرائيلية انتهاك وخرق اتفاقيات تبادل الأسرى، وإعادة اعتقال الأسرى الذين تم تحريرهم بموجب "صفقات تبادل" سابقة.
وينتظر أن يحظى مشروع القانون بغالبية كبيرة في الكنيست، عند التصويت عليه، الأسبوع المقبل، خصوصاً من قبل أعضاء في اليسار الإسرائيلي وفي أحزاب "إلى الأمام"، و"كديما" و"يش عتيد" الذين كانوا أعلنوا مسبقاً رفضهم لصفقات تحرير الأسرى القدامى مقابل إطلاق المفاوضات.
وينطلق مشروع القانون المقترح من قاعدة تمكين الحكومة الإسرائيلية من إعادة اعتقال وسجن أسرى محررين في حال اتخذت الحكومة قراراً ينص على "انتهاء الأهمية والقيمة السياسية أو الأمنية للصفقة المعنية، أو في حال خرق الأسير المحرر شروط إطلاق سراحه". ويميّز القانون المقترح بين الأسرى الذين يطلق سراحهم بعد صدور عفو عنهم من رئيس الدولة، وبين الذين يتم تحريرهم بموجب صفقة تبادل.
ويشكل هذا الاقتراح، كما يبدو، خطوة أولى في تحديد موقف إسرائيلي رسمي لمواجهة أي مفاوضات تبادل أسرى مقبلة، خصوصاً في ما يتعلق بالمستوطنين الثلاثة المفقودين، منذ مساء الجمعة الماضي.
ويوفر هذا الاقتراح "غطاءً شرعياً" لخطوات الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدمتها إعادة اعتقال 51 أسيراً فلسطينياً ممّن تم تحريرهم في صفقة "وفاء الأحرار". كما يهدف القانون، الذي بادر إليه عضو الكنيست عن حزب "ليكود" زئيف إلكين، ومعه النائبان إيتان كابل، عن حزب "العمل"، وعمرام متسناع، عن حزب "إلى الأمام"، إلى التلويح في المرحلة الحالية بردود إسرائيلية جديدة في كل ما يتعلق بتبادل الأسرى من جهة، ورسالة لمَن يأسرون الإسرائيليين الثلاثة، بأن صفقات التبادل لن تتم مستقبلاً.
ومع أن القانون لا يزال في طور الاقتراح، إلا أنه قد يتيح لمقدميه أن يضيفوا بنداً خاصاً ليدرج في بنوده جواز إعادة اعتقال الأسرى المحررين بأثر رجعي، بما يتناغم وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، في مؤتمر صحافي في الخليل، حيث اعترف باعتقال 51 أسيراً من محرري صفقة "وفاء الأحرار". كما ينسجم القانون مع أجواء التحريض السائدة في إسرائيل والمنادية بإعادة اعتقال كافة محرري صفقات التبادل السابقة والتلويح بهم باعتبارهم "المقابل الوحيد الممكن" لمبادلة المستوطنين الثلاثة المفقودين.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي أعرب فيه عدد من المراقبين في إسرائيل، وبينهم الوزير الإسرائيلي يعقوب بيري، الذي شغل في الماضي منصب رئيس الـ"شاباك"، عن تحفظهم من تكبيل أيادي الحكومة الإسرائيلية بقانون يقيّد حركتها ويضيّق مجال المناورة المتاح لها في التعاطي مع حالات أسر جنود إسرائيليين.
ومن غير المستبعد أن يكون نتنياهو نفسه، وراء إطلاق المبادرة "القانونية"، على الرغم من الخلاف العلني بينه وبين إلكين، في مسألة الاستيطان وتحرير الأسرى بموجب التفاهمات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، كشرط لاستئناف مفاوضات الشهور التسعة التي تعثرت في 29 إبريل/ نيسان الماضي، بعدما رفض نتنياهو، تحت ضغط الجناح اليميني المتطرف، تطبيق الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى. وقد يكون نتنياهو من أشد المتحمسين للقانون المقترح علَّ ذلك يساعده في ما يرى أنه "تصحيح خطأ تفاهمات التسوية الأخيرة" و"صفقة شاليت"، ولا سيما أن مسؤولين أمنيين سابقين، بينهم رئيس "الشاباك" الأسبق يوفال ديسكين، اعتبروا أن صفقات تبادل الأسرى هي التي رجحت لدى المنظمات الفلسطينية اللجوء لخيار أسر إسرائيليين، وهو ما ذهب إليه أيضاً الكاتب يسرائيل برئيل، في تعليق له حول الموضوع في صحيفة "هآرتس".