10 ابريل 2019
إسرائيل على خط نار سدّ النهضة
تزداد مصر عبد الفتاح السيسي رضوخاً وقلة حيلة إزاء إيجاد حل توافقي مع بقية الأطراف لحل أزمة سد النهضة، فتطالب إسرائيل علناً بمدّ يد العون لها. وإن كانت مصر الشعبية تعلم خطورة استراتيجية إسرائيل المائية، وما يمثّله دخولها إلى حلبة الصراع على المياه من إشعال نيرانٍ كثيفة بين دول حوض النيل، فإنّ مصر الرسمية تدّعي المنافحة عن حقوقها المائية، من دون الاعتبار لما تتأثّر به حصتها على المدى البعيد، جرّاء دخول إسرائيل في الأزمة.
لم يكن في صالح مصر على الصعيد الدولي الاستعانة بإسرائيل التي لا يقتصر اهتمامها على مياه النيل وحدها، وإنّما أخذت هذا الجزء مكمّلاً لطموحها في السيطرة على الدول المشاطئة للبحر الأحمر، خصوصا في جزئها الأفريقي، لبروز أوجه القصور في تأمينه كليّاً. وقد شجّعت مصر على هذه الخطوة مطالبة إسرائيل لها بالتدخل والتوسط لدى حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة، لوقف مسيرات العودة الفلسطينية.
تُعتبر التحركات نحو إسرائيل لحل الأزمة مكمّلة لتحركات إيريك ستروماير مساعد وزير الخارجية الأميركي بالإنابة لشرق أفريقيا، والذي زار ووفده مصر والسودان في مارس/ آذار الماضي، للعب دور الوساطة، سعياً إلى حلّ أزمة سدّ النهضة بين الدول الثلاث، فيما لم يتمكن من زيارة أديس أبابا لإعلانها وقتها عدم جاهزيتها لاستقبال الوفد. عاودت أميركا محاولتها في غضون هذه الأيام ممثّلة في زيارة السفير دونالد ياماموتو، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية على رأس وفد رفيع المستوى إلى إثيوبيا.
يختلف الوضع بالنسبة للصراعات والخلافات المائية، عندما يكون قائماً بين دول المنطقة، عنه عندما تدخل إلى المسرح دولة أخرى، تقف في نقطة المتحفز للانقضاض، مثل إسرائيل. ومن أمثلة تدخل إسرائيل في الشؤون المائية الاستراتيجية في المنطقة توقيعها اتفاقيات الهدنة في
24 فبراير/ شباط 1949، ما شجعها على الاتجاه جنوباً والسيطرة على نقطةٍ تم فيما بعد إنشاء ميناء إيلات عليها. ولم تكن لإسرائيل حتى عام 1949أي حدود أو نقطة وصول إلى مياه البحر الأحمر.
حصلت إسرائيل، إبّان العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، على امتياز المرور عبر مضيق تيران وخليج العقبة باتجاه البحر الأحمر، لتعبر إلى أفريقيا ثم إلى المحيط الهندي إلى آسيا. وساعدها هذا الأمر في إيجاد وضع أقرب إلى الأمر الواقع، فما كان من بعض الدول الأفريقية إلّا أن هرولت، لتوسع نطاق علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية معها.
أعلنت إسرائيل الحرب على مصر 1967، واحتلت شبه جزيرة سيناء، بعد قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إغلاق مضيق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية، حتى توصلت إلى فتح المضائق والاستفادة منها. قامت مصر بخطوة أخرى في حرب 1973، وهي إغلاق مضيق باب المندب جنوباً، في وجه الملاحة الإسرائيلية. ولمواجهة خطر الحصار البحري، اضطرت إسرائيل لتبني إستراتيجية بحرية، تمثلت في نشر قوة بحرية قادرة على مواجهة أية تهديدات جديدة في مواقع مهمةٍ في البحر الأحمر، وخصوصا في مدخله الجنوبي وفي جيبوتي، واستخدام قناة السويس أول مرة لمرور الغواصات والقطع البحرية الإسرائيلية. لم تكتف إسرائيل بذلك، بل دخلت في حالة تشابك مع المصالح السياسية والإستراتيجية والاقتصادية في البحر الأحمر للولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول إقليمية مثل جيبوتي وكينيا. واستمر ذلك الوضع سنوات إلى أن تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر/ أيلول 1978، والتي نصت على تمتع إسرائيل بحق المرور بقناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس
والبحر المتوسط، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة.
ويتضح هذا فيما نشره الجنرال يعقوب عميدرور من معهد أبحاث الأمن القومي في يونيو/ حزيران 2010، حيث بثّ مخاوف إسرائيل من تطور العلاقات بين دول شرق أفريقيا مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا ككتلة، والاتجاه بها نحو التحالف الإستراتيجي بما فيها دولة جنوب السودان المرتقبة آنذاك. اتخذت إسرائيل كل الإجراءات لتعزيز وجودها الأمني في عدة دول، مثل إثيوبيا التي تعتبر دولة أساسية من الناحية الإستراتيجية، وتنبع أهميتها لإسرائيل من مجاورتها دولا عربية، وموقعها المطلّ على مسارات إبحار السفن إلى ميناء إيلات وإلى قناة السويس. وتربط الدولتين علاقاتٌ وثيقة، سمحت على إثرها إثيوبيا بوجود عسكري إسرائيلي في أراضيها. كما دعّمت إسرائيل من علاقتها مع كينيا وجيبوتي وعلى الساحل الصومالي، وينطلق هذا الانتشار العسكري الإسرائيلي البحري والجوي من متطلبات الأمن الإسرائيلي في المنطقة.
أقدمت مصر على الاستعانة بإسرائيل، على الرغم من معرفتها المسبقة بحساسية إثيوبيا، ورفضها إشراك أي طرف دولي في أزمة سد النهضة. وتدرك مصر جيداً كيف أنّ إثيوبيا رفضت اقتراحها بإشراك البنك الدولي. هذا السبب من ضمن أسباب أخرى أدت إلى وصف إثيوبيا مصر بعدم الجدية. وظهر هذا من قبل في طرح مصر والتلويح باتفاقية 1959 الموقّعة بينها وبين السودان، والتي تمنح مصر 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه نهر النيل، بينما تمنح السودان 18.5 مليار متر مكعب. وتشتيت هذه البنود هو ما أفضى إلى فشل المفاوضات التي انعقدت في الخرطوم أبريل/ نيسان الماضي، حسب الخارجية الإثيوبية. وطبقاً لهذه المناورة السياسية، قد تستجيب إسرائيل بدعم أميركا لطلب مصر التوسط لدى إثيوبيا في مقابل الضغط على فلسطين، ما يجعل من دور مصر ثانوياً وتابعاً لإرادات الدول الكبرى، على الرغم من أهليتها لأن تكون دولة محورية.
لم يكن في صالح مصر على الصعيد الدولي الاستعانة بإسرائيل التي لا يقتصر اهتمامها على مياه النيل وحدها، وإنّما أخذت هذا الجزء مكمّلاً لطموحها في السيطرة على الدول المشاطئة للبحر الأحمر، خصوصا في جزئها الأفريقي، لبروز أوجه القصور في تأمينه كليّاً. وقد شجّعت مصر على هذه الخطوة مطالبة إسرائيل لها بالتدخل والتوسط لدى حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة، لوقف مسيرات العودة الفلسطينية.
تُعتبر التحركات نحو إسرائيل لحل الأزمة مكمّلة لتحركات إيريك ستروماير مساعد وزير الخارجية الأميركي بالإنابة لشرق أفريقيا، والذي زار ووفده مصر والسودان في مارس/ آذار الماضي، للعب دور الوساطة، سعياً إلى حلّ أزمة سدّ النهضة بين الدول الثلاث، فيما لم يتمكن من زيارة أديس أبابا لإعلانها وقتها عدم جاهزيتها لاستقبال الوفد. عاودت أميركا محاولتها في غضون هذه الأيام ممثّلة في زيارة السفير دونالد ياماموتو، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية على رأس وفد رفيع المستوى إلى إثيوبيا.
يختلف الوضع بالنسبة للصراعات والخلافات المائية، عندما يكون قائماً بين دول المنطقة، عنه عندما تدخل إلى المسرح دولة أخرى، تقف في نقطة المتحفز للانقضاض، مثل إسرائيل. ومن أمثلة تدخل إسرائيل في الشؤون المائية الاستراتيجية في المنطقة توقيعها اتفاقيات الهدنة في
حصلت إسرائيل، إبّان العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، على امتياز المرور عبر مضيق تيران وخليج العقبة باتجاه البحر الأحمر، لتعبر إلى أفريقيا ثم إلى المحيط الهندي إلى آسيا. وساعدها هذا الأمر في إيجاد وضع أقرب إلى الأمر الواقع، فما كان من بعض الدول الأفريقية إلّا أن هرولت، لتوسع نطاق علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية معها.
أعلنت إسرائيل الحرب على مصر 1967، واحتلت شبه جزيرة سيناء، بعد قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إغلاق مضيق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية، حتى توصلت إلى فتح المضائق والاستفادة منها. قامت مصر بخطوة أخرى في حرب 1973، وهي إغلاق مضيق باب المندب جنوباً، في وجه الملاحة الإسرائيلية. ولمواجهة خطر الحصار البحري، اضطرت إسرائيل لتبني إستراتيجية بحرية، تمثلت في نشر قوة بحرية قادرة على مواجهة أية تهديدات جديدة في مواقع مهمةٍ في البحر الأحمر، وخصوصا في مدخله الجنوبي وفي جيبوتي، واستخدام قناة السويس أول مرة لمرور الغواصات والقطع البحرية الإسرائيلية. لم تكتف إسرائيل بذلك، بل دخلت في حالة تشابك مع المصالح السياسية والإستراتيجية والاقتصادية في البحر الأحمر للولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول إقليمية مثل جيبوتي وكينيا. واستمر ذلك الوضع سنوات إلى أن تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر/ أيلول 1978، والتي نصت على تمتع إسرائيل بحق المرور بقناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس
ويتضح هذا فيما نشره الجنرال يعقوب عميدرور من معهد أبحاث الأمن القومي في يونيو/ حزيران 2010، حيث بثّ مخاوف إسرائيل من تطور العلاقات بين دول شرق أفريقيا مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا ككتلة، والاتجاه بها نحو التحالف الإستراتيجي بما فيها دولة جنوب السودان المرتقبة آنذاك. اتخذت إسرائيل كل الإجراءات لتعزيز وجودها الأمني في عدة دول، مثل إثيوبيا التي تعتبر دولة أساسية من الناحية الإستراتيجية، وتنبع أهميتها لإسرائيل من مجاورتها دولا عربية، وموقعها المطلّ على مسارات إبحار السفن إلى ميناء إيلات وإلى قناة السويس. وتربط الدولتين علاقاتٌ وثيقة، سمحت على إثرها إثيوبيا بوجود عسكري إسرائيلي في أراضيها. كما دعّمت إسرائيل من علاقتها مع كينيا وجيبوتي وعلى الساحل الصومالي، وينطلق هذا الانتشار العسكري الإسرائيلي البحري والجوي من متطلبات الأمن الإسرائيلي في المنطقة.
أقدمت مصر على الاستعانة بإسرائيل، على الرغم من معرفتها المسبقة بحساسية إثيوبيا، ورفضها إشراك أي طرف دولي في أزمة سد النهضة. وتدرك مصر جيداً كيف أنّ إثيوبيا رفضت اقتراحها بإشراك البنك الدولي. هذا السبب من ضمن أسباب أخرى أدت إلى وصف إثيوبيا مصر بعدم الجدية. وظهر هذا من قبل في طرح مصر والتلويح باتفاقية 1959 الموقّعة بينها وبين السودان، والتي تمنح مصر 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه نهر النيل، بينما تمنح السودان 18.5 مليار متر مكعب. وتشتيت هذه البنود هو ما أفضى إلى فشل المفاوضات التي انعقدت في الخرطوم أبريل/ نيسان الماضي، حسب الخارجية الإثيوبية. وطبقاً لهذه المناورة السياسية، قد تستجيب إسرائيل بدعم أميركا لطلب مصر التوسط لدى إثيوبيا في مقابل الضغط على فلسطين، ما يجعل من دور مصر ثانوياً وتابعاً لإرادات الدول الكبرى، على الرغم من أهليتها لأن تكون دولة محورية.