بدأت غالبية السفارات الإسرائيلية في العالم، أخيراً، ولأول مرة منذ حرب يونيو/حزيران 67، بتعميم وثيقة سياسية جديدة تدعي من خلالها أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة شرعية وقانونية.
وكانت الخارجية الإسرائيلية عكفت على إعداد هذه الوثيقة قبل أعوام عدّة، وصدرت توجيهات بتعميمها منذ عامين، إلا أن المخاوف الإسرائيلية من ردود إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كانت وراء تأجيل تعميم هذه الوثيقة.
ونشرت صحيفة "مكور ريشون"، التابعة لتيار الحزب الديني الصهيوني "البيت اليهودي"، والمؤيد للاستيطان، أن الوثيقة تحمل في طياتها مبررات وتسويغات "قانونية" بشأن العلاقة بين دولة الاحتلال وأراضي الضفة الغربية المحتلة، ومن ضمنها استذكار تصريح لمساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، يوجين روستوف، قائلاً إن "الحق اليهودي في الاستيطان في هذه الأراضي يتساوى كلياً مع حق السكان المحليين للعيش هناك".
ووفقاً للصحيفة العبرية، فإن من يقف وراء هذه المبادرة هي نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطيبيلي، المتدينة والمعروفة بموقفها الداعي لإعادة بناء الهيكل ورفع العلم الإسرائيلي فوق الحرم القدسي، وتطبيق مخطط للتقسيم الزماني والمكاني.
ولفتت الصحيفة، إلى أن المستوى المهني في وزارة الخارجية الإسرائيلية، كان قد عارض تعميم هذه الوثيقة، كما امتنع عدد من السفارات الإسرائيلية في الخارج عن تعميم الوثيقة تحت مسببات مختلفة.
وأشارت أيضاً إلى أن الوثيقة الجديدة معروضة الآن في عدد من السفارات الأجنبية المهمة بينها السفارات الإسرائيلية في واشنطن وفي الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا.
وتنص الوثيقة على: "أن الوجود اليهودي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) يعود إلى 200 عام وتم الاعتراف بشرعيته إبان حكم الانتداب البريطاني على فلسطين. بعض البلدات اليهودية مثل الاستيطان اليهودي في الخليل، كان لمئات السنين تحت الحكم العثماني، بينما مستوطنات مثل نافيه يعقوب (شمالي شرقي القدس)، وغوش عتصيون (على طريق بيت لحم)".
وجاء في الوثيقة أيضاً، أن "المستوطنات التي قامت شمالي البحر الميت تأسست تحت الحكم البريطاني الانتدابي قبل إقامة دولة إسرائيل، ووفقاً لصك الانتداب من عصبة الأمم. وقد أعيد بناء الكثير من المستوطنات الإسرائيلية القائمة مجددا في المواقع التي عاشت فيها جماعات ومجتمعات يهودية في أجيال سابقة، تعبيرا عن العلاقة العميقة والمتواصلة للشعب اليهودي مع هذه البلاد".
وإلى جانب هذه المغالطات التاريخية التي تلجأ إليها الوثيقة أعلاه، جاء في الباب "التاريخي" للوثيقة، أن "محاولة تصوير مستوطنات يهودية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) كنوع جديد من الاستيطان الكولونيالي، يقوم به سيد أجنبي، تأتي لدوافع سياسية. فلم تكن في أي نقطة زمنية في التاريخ، لا في القدس ولا في "يهودا والسامرة" أي معطيات ودلائل على سيادة فلسطينية عربية". أما في الفصل القضائي والقانوني فتدعي الوثيقة أن معاهدة جنيف الرابعة لا تنطبق على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وتصل الوثيقة إلى استنتاج تقول فيه إن لإسرائيل "حقوقا ومطالب ملكية سارية المفعول على هذه الأراضي، ليس فقط على ضوء العلاقة التاريخية اليهودية والوجود طويل المدة في البلاد، وبفعل تخصيص البلاد باعتبارها جزءاً من الوطن القومي اليهودي تحت انتداب عصبة الأمم، والحق المعترف به لإسرائيل بحقوق يمكن الدفاع عنها، وإنما أيضاً بفعل حقيقة أن هذه الأرض لم تكن تحت سيادة شرعية لأي دولة كانت، ووقعت تحت السيطرة الإسرائيلية نتيجة لحرب دفاعية".
وفي الإطار ذاته، تشير الصحيفة إلى أن الوثيقة تنص أيضاً في صيغتها المعدلة على: "اعتراف أيضاً بوجود مطالب للفلسطينيين في هذه المنطقة من الأرض، ولهذا أبدى الطرفان موافقتهما الصريحة على تسوية كل هذه المسائل التي ظلت موضع الخلاف، بما فيها مستقبل المستوطنات، ضمن مفاوضات مباشرة وثنائية".
ويعكس البدء بتعميم هذه الوثيقة على خطورتها وما تشمله من تشويه للحقائق، الثقة بالنفس لدى حكومة الاحتلال، تحت قيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على أثر انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ أصدر الأخير تصريحات اعتبر فيها أن المستوطنات لا تشكل عقبة أمام السلام، وتبنى بذلك المنطق والموقف الإسرائيليين.