وكان نتنياهو قد فرض تعتيماً سرّياً على النشاط الإسرائيلي وسبل مواجهة قرار بنسودا، الصادر في 23 ديسمبر، ليتضح يومي الخميس والجمعة الماضيين أن الاحتلال لجأ إلى طلب مساعدة الدول الحليفة له في أوروبا وأفريقيا، خصوصاً تلك الموقعة على بروتوكول روما للمحكمة الجنائية الدولية. ويسعى نتنياهو إلى دعم هذه الدول لتقديم طلب الحصول على "مكانة صديق للمحكمة"، وهي مكانة تمكن صاحبها من المثول أمام المحكمة والمشاركة في المداولات التي تسبق قرار رئاسة المحكمة بشأن قبول وتبني قرار بنسودا بشأن التحقيق في الجرائم الإسرائيلية.
واتضح أن قرار ألمانيا، يوم الجمعة الماضي، بتقديم طلب انضمام كصديق للمحكمة الجنائية، بعد طلب مماثل قدمته التشيك، وآخر أُعلن أن النمسا ستقدمه، جاء تتويجاً لمحادثات بين تل أبيب وبرلين، بلغت ذروتها الأسبوع الماضي خلال اللقاء الذي جمع في برلين الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ورئيس الكنيست الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، الذي طلب رسمياً من مضيفه أن تتدخل بلاده فعلياً لمعارضة أي قرار بفتح تحقيق ضد دولة الاحتلال.
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن دولة الاحتلال تعتزم عدم تقديم أيّ ردٍّ مباشر ورسمي للمحكمة الجنائية، حتى لا يُعتبر ذلك اعترافاً رسمياً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بالولاية القانونية لـ"الجنائية الدولية" على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وشكّل تقديم طلب من نقابة المحامين الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي، للحصول على مكانة "صديق للمحكمة" الحجر الأول في هذا المضمار، إذ سرعان ما اتضح أن جمعيات يمينية إسرائيلية استيطانية، مثل جمعية "شورات هدين"، تعتزم تقديم طلب مشابه لتقديم شكاوى ضد السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" وباقي فصائل المقاومة واتهامها بارتكاب جرائم حرب.
إلى ذلك، اتضح من تقرير لصحيفة "هآرتس"، نشر أمس الأحد، أن دولة الاحتلال سعت إلى تجنيد خبراء دوليين في القانون الدولي للحصول على مكانة "صديقٍ للمحكمة" وتقديم آراء قضائية تدحض وتطعن في الولاية القانونية لـ"الجنائية الدولية". وتنضم مجموعة هؤلاء الخبراء إلى الدول التي قدمت طلبات رسمية بهذا الخصوص، والتي أعلنت دعمها للموقف الإسرائيلي، وأبرزها، كما ذكرنا، ألمانيا والتشيك والنمسا، حتى تزيد من عدد "الجهات غير الرسمية التي تؤيد موقف إسرائيل في المحكمة، في محاولة لوضع ثقل مضاد لموقف دول منظمة التعاون الإسلامي التي أعلنت دعمها للموقف الفلسطيني".
وبيّن تقرير "هآرتس" أن قسم الشؤون الدولية في النيابة الإسرائيلية العامة، توجه بطلبات رسمية لتجنيد خبراء في القانون الدولي لدعم موقف دولة الاحتلال. ومن بين من جرى التواصل معهم وأيدوا موقف إسرائيل، خبراء من كندا، مثل البروفيسور إيرفين طوتلر المحسوب على أشد مناصري دولة الاحتلال، وكذلك البروفيسور الأميركي ستيفان راب.
ويبدو أن دولة الاحتلال تعتزم اللجوء إلى تقارير وآراء الخبراء الذين جندتهم بصفتهم "غير الرسمية"، للتأثير بقرار المحكمة الجنائية الدولية لجهة نقض قرار فاتو بنسودا بشأن وجود أساس للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية، عبر الاستعانة بشكل خاص بحقيقة كون ألمانيا عضواً في المحكمة، ما يمنح "موقفها" مصداقية أكبر، ودولة الاحتلال دفاعاً كاملاً دون أن تضطر إلى الاعتراف بشرعية المحاكمة وولايتها القانونية. وتسعى إسرائيل من وراء ذلك إلى إبقاء الباب مفتوحاً أمامها، إذا قبلت المحكمة قرار بنسودا وأقرت بدء تحقيقات ضد إسرائيل، للطعن في إجراءات المحاكمة وشرعية المحكمة برمتها.
ويشي التحرك الإسرائيلي في هذا السياق، وتجنيد ألمانيا بالذات، على تاريخها النازي والدموي، بأن الاحتلال لن يتردد مستقبلاً، مستفيداً من هذا الدعم، في الادعاء أنه يجري تسييس المحكمة الجنائية، وأنها تتخذ مواقف منحازة ضد إسرائيل، تنبع أيضاً من توجهات "معادية لليهود والسامية".
وسبق أن حاولت الصحافة الإسرائيلية مع إعلان بنسودا قرارها في شهر ديسمبر الماضي، شيطنة المدعية العامة واتهامها بالسكوت عن جرائم حرب في موطنها الأصلي غامبيا، من جهة، وتكرار ادعاءات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن المحكمة تكيل بمكيالين، وتهاجم فقط "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".