يمكن لإسرائيل أن تستأنف تزويد أوكرانيا بالسلاح رداً على رفع روسيا الحظر عن تزويد إيران بمنظومة صواريخ "إس 300"، وفق ما نقلت وكالة "إن آر جي" عن مصدر عسكري إسرائيلي، مؤكدة أن امتناع روسيا في عام 2010 عن تنفيذ عقد الصواريخ مع إيران جاء "تحت ضغوط إسرائيلية"، مقابل امتناع إسرائيل عن بيع منظومات سلاح متطورة لأوكرانيا وجورجيا. لكن اللعب الإسرائيلي مع روسيا لا يقتصر على الورقة الأوكرانية، فلطالما أزعجت تل أبيب موسكو، وعرفت كيف تفرض شروطها عليها، وهي لا تزال تنتج أوراق لعب ضاغطة على الكرملين في محيط مصالحه الحيوية.
الجميع يطمئن إسرائيل، وليس أولهم ولن يكون آخرهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع ذلك، فقد تطرق بوتين، أثناء إجابته عبر "الخط المباشر" في السادس عشر من أبريل/نيسان الحالي، عن أسئلة صحافيين ومواطنين روس على الهواء مباشرة، إلى موضوع "إس 300" مطمئناً إسرائيل، بالقول: "عبّر الإسرائيليون منذ فترة غير بعيدة عن مخاوفهم بخصوص تزويد بلد آخر في المنطقة بصواريخ إس 300 نفسها. وقد لفتوا نظرنا إلى أنه إذا تم ذلك فسيؤدي إلى تغييرات جذرية، حتى جيوسياسية في المنطقة، لأن صواريخ إس 300 من أراضي ذلك البلد يمكن أن تبلغ أرض إسرائيل. ومع أن هذا السلاح ليس هجومياً، إلا أنه كما قال زميلي (نتنياهو)" لن تطير أي من طائراتنا". وهذا بالفعل أمر خطير. فقمنا باستشارات مع المشترين. وتجدر الملاحظة إلى أن شركاءنا في إحدى الدول العربية تفهّموا ذلك. ولذلك ألغينا ذلك العقد عموماً وأعدنا السلفة البالغة 400 مليون دولار".
وأضاف: "أمّا ما يخص إيران، فإن الأمر مختلف تماماً، ولا يهدد إسرائيل مطلقاً. فهو سلاح محض دفاعي. إضافة إلى ذلك، فإننا نعتقد بأنّ تزويد (إيران) بسلاح من هذا النوع، في الظروف المستجدة في المنطقة، وخصوصاً المتعلقة بالحرب في اليمن، يُعدّ عامل ردع".
وأثناء برنامج "فيستي" على هواء القناة التلفزيونية الثانية، أجاب بوتين حين سئل عن الرد الإسرائيلي المتمثل بتزويد أوكرانيا بالسلاح، قائلاً: "هذا خيار القيادة الإسرائيلية. ولها الحق في أن تفعل ما تراه مناسباً. وأعتقد أن هذا أمر غير بنّاء، إذا كان الحديث يدور عن أسلحة فتاكة، فمن شأن ذلك أن يقود إلى جولة أخرى من المواجهات وزيادة عدد الضحايا، والنتيجة ستكون نفسها، أمّا ما يخص تزويد إيران، فإن هذا السلاح دفاعي بحت، وهو لا يقوّض قدرة إسرائيل الدفاعية بأي شكل".
وبصرف النظر عن حسابات الكرملين التي تمخضت عنها تصريحات بوتين، فمن الواضح أن تل أبيب لا تأخذ روسيا بعين الاعتبار حين تقتضي المصلحة الإسرائيلية انتهاج سياسة محددة. ذلك ما يشهد عليه السلوك الإسرائيلي في جورجيا السوفيتية السابقة التي على عداء مع روسيا وخصوصاً قبيل حرب أغسطس/آب الجورجية عام 2008، وفي أثنائها، ومع أوكرانيا، وأذربيجان، وحتى في روسيا نفسها، عبر محاولات إيجاد موطئ قدم في القوقاز الذي يقلق إسلاميوه روسيا برمّتها.
اقرأ أيضاً: رسائل متعددة وراء قرار روسيا تسليم "أس- 300" لإيران
في الملف الجورجي، يؤكد تقرير نشره المعهد السويدي الحكومي لأبحاث الدفاع، تحت عنوان "ورقة القوقاز الكاشفة"، المخصص لحرب الأيام الخمسة في أوسيتيا الجنوبية، عام 2008، في الفصل المتعلق بالجانب العسكري من النزاع، أن الولايات المتحدة الأميركية لم تساند عملية تبيليسي ضد أوسيتيا الجنوبية، على الرغم من وجود حوالي 130 خبيراً عسكرياً أميركياً في جورجيا آنذاك ومناورات "الرد الفوري" الأميركية-الجورجية المشتركة التي جرت عشية الهجوم على تسخينفالي في أغسطس/آب 2008.
مقابل ذلك، يرى المحللون السويديون أن الخبراء العسكريين الإسرائيليين الذين وصل عددهم في جورجيا إلى ألف اختصاصي، لعبوا دوراً كبيراً في تلك الحرب. وانتهى التقرير إلى "احتمال أن يكون بعض المستشارين الإسرائيليين قد شاركوا مباشرة في المعارك". وأرجع معدو التقرير ذلك إلى عدة أسباب، من أهمها استعدادات تل أبيب لتوجيه ضربة لمنشآت إيران النووية، واختيار قواعد في جورجيا لانطلاق الطائرات الإسرائيلية. وأما السبب الآخر، كما يقول موقع "نيويزف.رو" الذي تناول التقرير السويدي بالتفصيل، فيعود إلى اهتمام تل أبيب بمرور النفط الذي تستورده عبر جورجيا، من باكو في أذربيجان إلى تبيليسي إلى جيهان التركية، وبالتالي حرصها على ضمان انتظام ضخ النفط عبر هذا الأنبوب، بصرف النظر عن تقلبات ظروف الإقليم.
وعلى الأرجح، فإن روسيا لم تكن بحاجة إلى التقرير السويدي لتأكيد مشاركة إسرائيل ضدها في الحرب الجورجية، بدلالة الرد الروسي الذي لم يكن سهلاً على تل أبيب. فقد قامت القوات الروسية بتدمير المطارين اللذين وضعتهما تبيليسي تحت تصرف طائرات تل أبيب لقصف المنشآت النووية الإيرانية. وقد نقل موقع "كي بي آر إف. رو" عن الإذاعة التشيكية السادسة أن تبيليسي وضعت المطارين تحت تصّرف تل أبيب بناءً على اتفاق سري تزود بموجبه تل أبيب شريكتها جورجيا بأسلحة، إضافة إلى تدريب القوات الجورجية على القتال. علماً بأن الانطلاق من جورجيا لقصف إيران يوفر ثلاث ساعات من طيران القاذفات الإسرائيلية، ويفوّت فرصة الاستعداد لمواجهتها أمام طهران.
إلى ذلك، فقد أفادت الإذاعة التشيكية بأن القوات الروسية الخاصة استولت أثناء الحرب الجورجية على تجهيزات إسرائيلية جنوب جورجيا، من بينها طائرات من دون طيار إسرائيلية الصنع، ومعدات تجسس إلكترونية إسرائيلية متطورة، بما فيها تجهيزات فائقة السرية كانت تُستخدم للتجسس على إيران وسورية. ويشار إلى أن بدء شراء جورجيا للأسلحة الإسرائيلية بأموال أميركية يعود إلى العام 2001.
وأما التنسيق الإسرائيلي مع أذربيجان فهو في أحسن حالاته في عهد الرئيس الأذري إلهام علييف. وقد بلغت قيمة عقد السلاح الموقع بين باكو وتل أبيب سنة 2012، مبلغ 1.6 مليار دولار. وهو تقريباً، كما يقول موقع "فوبروسيك.نت"، إجمالي مخصصات السلاح في الميزانية الأذربيجانية لتلك السنة، ويعادل هذا الرقم نصف قيمة التبادل التجاري بين البلدين، علما بأن أذربيجان تشغل المرتبة الأولى في التبادل التجاري مع إسرائيل بين الدول السوفيتيية السابقة.
وكما يرى سركيس تساتوريان، محرر قسم الشرق في موقع "ريجينيوم.رو"، في مقالته الافتتاحية، فإن تل أبيب تبيع باكو التقنيات التي تسمح بإنتاج الأخيرة للأسلحة. وفي إحالة إلى مصادر إسرائيلية، يؤكد أن هناك شركة مشتركة أذرية-إسرائيلية تنتج في باكو طائرات من دون طيار. ويفيد تساتوريان بأن لدى أذربيجان عدة أسباب للتحالف مع الدولة العبرية، من بينها الرغبة المشتركة مع تل أبيب في ردع إيران؛ والحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة؛ ومحاصرة اللوبي اليهودي لنشاط الأرمن في أميركا. والحديث، هنا، يدور عن نزاع "ناغورني قره باخ".
كما ترى تل أبيب في باكو شريكاً مفيداً في لعب الورقة الكردية التي تقلق تركيا لاستخلاص منافع مشتركة، إضافة إلى أنبوب نقل النفط من باكو إلى تبيليسي إلى جيهان والذي يؤمن 40 في المائة من حاجة إسرائيل إلى النفط.
ولا يُخفى أن روسيا تدعم أرمينيا، الداخلة معها في شراكة ضمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وبالتالي فيمكن لأذربيجان التي تعتمد على إسرائيل أن تشكّل ورقة ضغط على روسيا عندما تحتاج تل أبيب إلى ذلك. وفيما تحاول إسرائيل وصل الخيوط مع القوقاز وخصوصاً مع قيادة الشيشان، يصعب توصيف دورها هناك، لإزعاج موسكو عند اللزوم، واللعب بورقة ما يسمى بـ"الإرهاب الإسلامي" لتحويل حقوق الفلسطينيين إلى قضية إرهاب تتعرض له إسرائيل، وثني روسيا عن استعادة الفلسطينيين لحقوقهم المغتصبة.
اقرأ أيضاً: "إس 300" لإيران: روسيا تطمئن إسرائيل... والأنظار على السعودية