إسرائيل تدقّ جرس الإنذار: يهود "المهجر" إلى انقراض

19 فبراير 2014
احتفالات يهود نيويورك بـ"استقلال" إسرائيل
+ الخط -

 

في دولة مسكونة بهاجس الأمن والعسكر، والحروب والقتال، والطرد والترحيل والاستيطان، لا يكف سياسيوها ولا عسكريوها عن افتعال الإرهاب وبثّ الرعب من "الأخطار الخارجية". لكن إسرائيل وضعت نفسها، أمس الثلاثاء، لمناسبة انعقاد "المؤتمر السنوي للمنظمات اليهودية ــ الأميركية"، في مواجهة جديدة مع أخطار الديموغرافيا وذوبان جالياتها في "الخارج" داخل المجتمعات المحتضنة لها، ومع خطر أن تأكل "أرض إسرائيل الكبرى"، إسرائيل "اليهودية والديموقراطية".

وأعلنت وزيرة العدل الإسرائيلية، المكلفة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، تسيبي ليفني، أن الوقت "ليس في صالح إسرائيل"، وأنه "لم يعد أمامها من مفر سوى الاختيار بين إسرائيل الكاملة غير اليهودية وغير الديموقراطية، من جهة، أو الاكتفاء بإسرائيل الحالية كدولة يهودية وديموقراطية"، من جهة ثانية.

وقالت ليفني، أمام رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية، إن "الأصوات التي نسمعها هي أصوات من لا يريدون تسوية، لأنهم يفضلون أرض إسرائيل على دولة إسرائيل. هؤلاء لا يفصحون عن ثمن أيديلوجيتهم التي ستؤدي إلى ضياع الصهيونية والدولة اليهودية والديموقراطية". 

خطاب ليفني هذا، المرتكز إلى المفهوم الديموغرافي، ليس جديداً في الخطاب الإسرائيلي؛ فقد كان البعد السكاني، أو الاحتماء بالديموغرافية وبخطره، ركناً أساسياً في خطاب التسوية الإقليمية لحزب العمل تاريخياً، بقيادة شمعون بيريز وإسحاق رابين في تسعينات القرن الماضي. لكن هذا الخطاب لا يزال عنصرياً بامتياز، فهو لا يكتفي بالتهديد من تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، بل يعرض الحلّ "المتخيَّل" لهذه الإشكالية، ألا وهو حل الفصل العنصري، أو الأبارتهايد. حلّ يردّده "اليسار" الإسرائيلي باستمرار، وكررته ليفني عندما سألت قادة المنظمات اليهودية في خطابها: "ماذا سنفعل عندها؟ هل سيكون لدينا فئتان من المواطنين؟ مواطنون من الدرجة الأولى ومواطنون من الدرجة الثانية؟".

وظل خطاب الديموغرافيا في إسرائيل مرفوضاً من اليمين، إلى أن انعقد "مؤتمر المناعة القومية" في هرتسليا، ليتصدر المشهد، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة حيفا، البروفيسور أرنون سوفير، المنظر لفكرة التبادل السكاني. وفي دراسته الشهيرة، أثبت سوفير أنّ ميزان الديموغرافيا ليس في صالح إسرائيل، بما أنه في فلسطين التاريخية، عام 2020، سيشكل مجمل اليهود 42 في المائة من السكان، في مقابل 58 في المائة للفلسطينيين العرب.

لكن إذا كان الخطر الديموغرافي مقدور عليه في السابق، من خلال الاعتماد على "مخزون يهود العالم"، فإن هذا المخزون آخذ بالتراجع والنضوب، بعدما تبين أن يهود العالم لم يعودوا يتمسكون بيهوديتهم في حياتهم مثلما كانوا في السابق، وبات الباب مشرعاً عندهم للزواج المختلط، والذوبان في المجتمعات الغربية، ما يعني "ضياع الهوية الارتباط بالشعب اليهودي وفق المقاييس الدينية التي تحتم أن تكون الأم يهودية مائة في المائة، ليكون أولاها يهود".

وكان هذا هو حال إسرائيل ورؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية، عندما كان المحذِّر الدائم من "خطر" الزواج المختلط، هو وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان (الروسي الأصل)، الذي وصل إلى إسرائيل في هجرة المليون روسي الذين فروا من الاتحا السوفيتي. وقد تبين لاحقاً أن نحو 300 ألف فرد من هؤلاء اليهود الروس، لا يستوفون شروط الحاخامية الجينية للاعتراف بهم كيهود، لاختلاط نسبهم بروس من غير اليهود. لكن ذلك لم يمنع ليبرمان من أن يحذر، أمس، قادة المنظمات اليهودية الأمريكية، من خطر ذوبان "الجالية اليهودية، واختلاطها بالمجتمع الأمريكي عبر الزواج المختلط" لدرجة فقدان هويتها وانتمائها اليهودي. وحذر ليبرمان من أنه "إذا استمرت وتيرة الزواج المختلط في الولايات المتحدة، فسوف نخسر خلال جيل أو جيلين 6 ملايين يهودي".

ووفق المعطيات التي أوردها ليبرمان، يعيش في إسرائيل اليوم 6.1 مليون يهوي، بينما لا يمكن معرفة عدد اليهود الأمريكيين بالتحديد، إلا باعتماد معطيات أستاذ الديموغرافيا في الجامعة العبرية، سيرجيو ديليه برجولا، الذي يجزم بأن عدد يهود الولايات المتحدة هو حوالي 5.4 مليون يهودي. بذلك، يكون هؤلاء ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم بعد إسرائيل، وفق دراسة صدرت له في عام 2012. لكن معطيات المسح الأخير للخبير نفسه، أظهرت تراجع عدد اليهود في الولايات المتحدة (بفعل الزواج المختلط ) إلى أقل من 5.3 مليون شخص.

ويبيّن المسح الأخير، المعروف باسم "PEW"، ارتفاعاً مطرداً في الزواج المختلط ليهود أمريكا بلغ نسبة 58 في المائة من حالات الزواج اليهودية في السنوات الأخيرة، وهو ما يعني، بحسب ليبرمان، أن يهود الولايات المتحدة "على أعتاب كارثة".

ويشير سيرجيو ديليه برجولا، في دراسة أخرى له، إلى أن هذا الميل نحو الزواج المختلط، يعود بالأساس إلى "الانفتاح الذي تتميز به المجتمعات الحاضنة لليهود" من جهة، وإلى "ميل الشبان اليهود إلى التنازل عن خصائص وقيود اليهودية في سعيهم لتحسين ظروفهم في مجتمعاتهم"، من جهة ثانية. 

لكن الكارثة التي يتحدث عنها ليبرمان، لا تقف عند يهود الولايات المتحدة، إذ دلّت معطيات سابقة لحكومة إيهود أولمرت، عام 2008، أن "المخزون" اليهودي في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، (أعدادهم تقدر بـ 880 ألف) قد نضب، وأن 75 في المائة من يهود هذه البلدان يتزوجون من غير يهود. حتى أن غالبية هؤلاء يفضلون الهجرة إلى بلدان غير إسرائيل. في المقابل، فإن الزواج المختلط يسجل نسباً عالية في فرنسا وبريطانيا، إذ تصل هذه النسبة إلى 40 في المائة في كل من بريطانيا وفرنسا، في مقابل 35 في المائة في كندا، ونسبة لا تتعدى الـ10 في المائة في المكسيك.

مليون دولار يومياً لإنقاذ "الشعب اليهودي"

ويرى ليبرمان أن السبب الرئيسي لخطر "اندثار اليهود" في "الخارج"، هو غياب التعليم اليهودي في الغرب، وعدم توفره لأعداد كبيرة من اليهود، خصوصاً بسبب كلفته العالية، التي تبلغ في الولايات المتحدة، حسب ليبرمان، 100 ألف دولار سنوياً للطالب الواحد. بالتالي، يرى وزير الخارجية، أن على حكومة إسرائيل أن تتدخل إذا أرادت الاحتفاظ بمخزون يهودي في "الخارج"، وتفادي اندثار اليهودية العالمية.

ويقترح ليبرمان على دولة الاحتلال، التي تبلغ موازنتها السنوية 100 مليار دولار، رصد مبلغ مليون دولار عن كل يوم من أيام السنة، اي 365 مليون دولار سنوياً، لتعزيز التعليم اليهودي في الدول الغربية، في مقابل تجنيد يهود "المهجر" بمبلغ يوازيه لتمويل هذا المشروع. ويكشف ليبرمان، أن هدفه من هذا المشروع هو إحضار 5.5 مليون يهودي إلى إسرائيل، فهذا الخطر، في رأيه، "أشد من كل إشكاليات المفاوضات مع الفلسطينيين أو مشروع الذرة الإيراني".