ذكر تقرير لصحيفة "هآرتس"، أمس الأربعاء، أن المعطيات الرسمية لنسبة وأعداد الملتحقين بالخدمة العسكرية، ممن يفترض بهم بدء خدمتهم العسكرية هذا الصيف، ليست مشجعة، إذ إن الذكور من مواليد العام 1999، الذين يفترض فيهم التجند، سيتجند منهم أقل من 72 في المائة، وذلك بسبب الإعفاءات التي يمنحها الجيش لأسباب مختلفة، مثل إعفاء 14.7 في المائة منهم لكونهم من الحريديم المتدينين الذين يرفعون شعار "توراتهم معتقدهم" ولا يخدمون في الجيش، وإعفاء 7.4 في المائة لأسباب صحية أو نفسية. أما الإناث، فإنه من المنتظر أن تخدم نسبة 58.7 في المائة من مجمل الفتيات اللاتي بلغن سن الخدمة العسكرية، وذلك بسبب إعلان نسبة كبيرة منهن أنهن متدينات، ما يعفي نحو 34 في المائة منهن من الخدمة العسكرية.
لكن الأمر لا يقف عند هذه المعطيات، إذ تشير المعطيات، بحسب الصحيفة، إلى تراجع طفيف، لكنه ثابت ومتواصل على مدار السنوات السبع الأخيرة، في الإقبال على الخدمة في الوحدات العسكرية القتالية، إذ كانت نسبة الذكور الذين طلبوا الالتحاق بمثل هذه الوحدات في العام 2010 تشكل 76 في المائة من مجمل المؤهلين للخدمة فيها من حيث حالتهم الصحية، لكن هذه النسبة تراجعت في العام 2017 إلى 67.5 في المائة، كما تراجعت قدرات الشبان الصالحين من ناحية اللياقة البدنية والصحية للخدمة في هذه الوحدات بنحو 6 في المائة خلال عقد. إلى ذلك، يواجه الجيش الإسرائيلي تراجعاً وانخفاضاً في حماسة واستعداد الشبان الذكور من ذوي المعطيات والكفاءات العالية، في التوجه نحو الوحدات القتالية. كما يواجه الجيش مشكلة وظاهرة يصفها التقرير بأنها مقلقة هي الأخرى، إذ تراجعت نسبة من يطلبون الخدمة في وحدات المشاة، بالتوازي مع مشاكل دائمة في تجنيد المجندين للوحدات العسكرية التي تعتبر "رمادية"، مثل الوحدات الهندسية والمدفعية. وتراجعت النسبة في الإقبال على هذه الوحدات من اثنين من كل ثلاثة مجندين في العام 2013 إلى واحد من كل اثنين في العام الأخير. مقابل ذلك، يزداد الإقبال بشكل كبير على الوحدات الأقل خطراً، والتي توصف بأنها وحدات قتال خفيفة، مثل طلب الاندماج في وحدات الدفاعات الجوية أو فرق الإنقاذ في الجبهة الداخلية، كما أن هناك ارتفاعاً طفيفاً في طلب الخدمة في وحدات حرس الحدود. ويصاحب ذلك إقبال شديد على وحدات "السايبر" والوحدات التكنولوجية للجيش.
ووفقاً للمعطيات، فإن التراجع الرئيسي في الإقبال على الوحدات القتالية يعود لسببين رئيسيين، الأول هو انعدام الشعور بوجود خطر أمني فوري وحاد عند غالبية المتجندين على مدار السنوات الأخيرة. أما السبب الثاني فيكمن في الإغراء الذي تمثله وحدات "السايبر"، والانشغال المكثف لمختلف سلطات الدولة ووسائل الإعلام والجمهور العام بموضوع "السايبر"، وهو ما رفع بشكل كبير الحماسة والطلب على الانضمام للخدمة في هذا المجال، وخصوصاً أنه يدمج في طياته كل المقومات المطلوبة للجنود من الشعور بالنخبوية، والمساهمة وانعدام الخطر، يرافق ذلك الاعتقاد بوجود فرص للوصول إلى مهن مريحة ومربحة في الحياة العملية بعد الجيش.
ويقر ضابط رفيع المستوى أن هذا كله نتاج الرسائل الواضحة التي يتلقاها الشباب من كل الدولة، بدءاً برئيس الحكومة، مروراً بمقر مكافحة "السايبر" وجهاز التعليم، إذ يبرز الجميع "السايبر" على أنه المستقبل. وكل مدرسة ثانوية تحترم نفسها تفرد تخصصاً لعلوم "السايبر". في المقابل، فإن الجامعات الإسرائيلية تفتح مسارات خاصة في علوم الرياضيات والفيزياء أو الحاسوب لفتيان وفتيات في السادسة عشرة من أعمارهم، بعد أن أنهوا امتحانات التوجيهي في هذه المجالات في سن مبكرة، وقد ارتفع عدد هؤلاء من 50 طالباً سنوياً إلى 400. ويحصل هؤلاء، عندما يكونون في الثامنة عشرة من عمرهم، وعلى وشك إنهاء المستوى الجامعي الأول قبل بلوغ سن التجنيد الإجباري، على إذن من الجيش بتأجيل موعد خدمتهم العسكرية إلى حين إنهاء المستوى الأول.
وبحسب الضابط، فإن هذا الأمر يخلق فجوة كبيرة، فمع أن الجيش يحتاج إلى أعداد كبيرة من هؤلاء، إلا أنه لا يستطيع استيعاب الأعداد الهائلة التي يخرجها جهاز التعليم الإسرائيلي في السنوات الأخيرة في هذه المجالات. وبسبب هذه الفجوة، خصوصاً في ظل اختبارات التصنيف وعدم قبول كل هؤلاء في هذه الوحدات، يشعر كثيرون منهم بالظلم، ويفقدون حماستهم للخدمة في وحدات أخرى، بما فيها وحدات قتالية مهمة، مثل جفعاتي وغولاني، خصوصاً في حال لم يستطع هؤلاء البقاء في وحدات النخبة التابعة لسرية الأركان أو الكوماندوس البحرية، فيما تريد قيادة الجيش ضمان بقاء هؤلاء المجندين في وحدات قتالية مختارة، باعتبارهم رأس الحربة والمخزون المرشح لقيادة أركان الجيش مستقبلاً. ورصد التقرير سنوياً نحو ألف مرشح يحملون هذه المعطيات المختارة والمطلوبة لوحدات التكنولوجيا، فيما تزداد المنافسة عليهم بين وحدات الجيش، مثل قسم الاستخبارات العسكرية وقسم الحماية المحوسبة في هيئة أركان الجيش وجهازي الموساد والشاباك. وتأتي غالبية المرشحين من الطلبة المتفوقين، الذين يدرسون علوم الحاسوب بمستوى عشر وحدات تعليمية، والرياضيات بمستوى خمس وحدات تعليمية (كل وحدة توازي ساعتين تعليميتين أسبوعياً). ومن بين الألف مرشح، هناك سنوياً نحو 300 مرشح من الطلبة المتفوقين ذوي الكفاءات والعلامات الأعلى يتم توزيعهم، بعد اختبارات مكثفة، على مختلف الوحدات والأقسام، على غرار اختبارات دوري كرة السلة الأميركية "إن بي آي"، المعروفة باسم "درافت". وتحصل وحدة "السايبر" في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" على الأفضلية الأولى، وعلى أكبر عدد من هؤلاء المرشحين.
ومقابل التراجع والنقص في المرشحين، أو المقبلين على الوحدات القتالية العادية، فإن الجيش يعكف في السنوات الأخيرة على تعويض هذا الأمر من خلال تجنيد الفتيات للوحدات القتالية، إذ تصل نسبة هؤلاء إلى نحو 9 في المائة، أي نحو 2700 مجندة سنوياً، مقابل 550 مجندة قبل خمسة أعوام. ويسعى الجيش أيضاً في هذا المجال إلى محاولة تشجيع ورفع نسبة التجنيد في صفوف الفلسطينيين البدو، الذين يصل عدد المجندين منهم اليوم إلى 1200 عنصر، منهم 700 فقط في الخدمة الإجبارية، أي نحو 370 مجنداً سنوياً. ويأمل وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ورئيس الأركان، بمضاعفة هذا العدد ثلاث مرات، لكنه يواجه صعوبات في هذا المضمار، حسب الصحيفة، بفعل تأثير الحركة الإسلامية في النقب، وهو ما يفسر بكون نحو ثلثي الجنود البدو هم من الشمال (أي الجليل). في المقابل، فإن ما يقلق قيادة الجيش هو ارتفاع نسبة تسرب الجنود خلال الخدمة العسكرية، وهي مسألة، يقول تقرير "هآرتس"، إنها باتت مصيرية جداً، مع بدء سريان قانون خفض مدة الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور لأسباب مختلفة، منها عدم اللياقة البدنية، ومنها تورط الجنود بمخالفة الأوامر العسكرية وضعف الانضباط العسكري والفرار المتواصل من الخدمة. وتشير معطيات الجيش إلى أن نسبة التسرب من الخدمة العسكرية تصل إلى 14.8 في المائة.